«هفوة» من براون قبل أيام على التصويت تدخل حزب العمال في فوضى وتقلب حملته الانتخابية

عشية آخر مناظرة تتناول الأوضاع الاقتصادية وتقدم المحافظين في استطلاعات الرأي

براون يتحدث إلى جيليان دافي قبل دقائق من وصفه لها بالـ«متعصبة» (رويترز)
TT

انقلبت الحملة الانتخابية لحزب العمال الحاكم في بريطانيا أمس رأسا على عقب، بعد هفوة من رئيس الوزراء غوردن براون، قد تكلف حزبه الانتخابات، قبل أيام معدودة على التصويت، في سباق متقارب جدا، يحل حزب العمال في المرتبة الثالثة فيه. وقد أظهر آخر استطلاع للرأي أجراه معهد «بوبولوس» لصحيفة الـ«تايمز»، أن حزب المحافظين تمكن من توسيع الفارق مع الحزبين الآخرين، وتقدم بأربع نقاط وحصل على 36 في المائة من نوايا الناخبين، بينما حصل الليبراليون الديمقراطيون على 28 في المائة وحزب العمال على 27 في المائة. وكان من المفترض أن يقضي براون، طوال بعد ظهر أمس، وهو يحضّر للمناظرة الأخيرة التي ستجمعه بخصميه، زعيم حزب المحافظين ديفيد كاميرون وزعيم حزب الليبراليين الديمقراطيين نيك كليغ، اللذين يتقدمان عليه في استطلاعات الرأي، إلا أن خططه انقلبت بعد أن سُمع عن طريق الخطأ وهو يصف امرأة كانت تسأله عن رؤيته حول قوانين الهجرة، بأنها «متعصبة».

وعوضا عن أن يعود إلى فندقه في مانشستر ويحضّر مع مستشاريه لأهم مناظرة ستجري قبل أسبوع واحد على التصويت، اضطر رئيس الوزراء أن يتوجه إلى منزل السيدة التي أهانها، ليقضي معها نحو 45 دقيقة في المنزل يعتذر إليها. وبدل أن تركز الصحافة تغطيتها أمس على السياسات الاقتصادية للأحزاب عشية المناظرة الأخيرة التي ستركز على الاقتصاد، تحولت تغطيتها الانتخابية بمعظمها أمس للحديث عن الهفوة التي ارتكبها براون. وعلى الرغم من أنه لم يُعرف بعد مدى تأثر حزب العمال بالحادثة التي حصلت بالأمس، وعدد الأصوات التي قد يخسرها، فإنها من المؤكد عززت النظرة السائدة عن براون حول طباعه السيئة، وعدم قدرته على التواصل مع الناخبين. وقال بعض المعلقين السياسيين أمس إن آلاف الناخبين القلقين من قضايا الهجرة، سيطرحون على أنفسهم السؤال: هل يعتقد براون أنني أيضا متعصب؟ وعلى الرغم من أن النقاش حول قوانين الهجرة لم يأخذ حيزا كبيرا من الحملات الانتخابية، فإن ما حصل أمس قد وجه الأنظار حول هذه القضية التي قد تبدأ الأحزاب الثلاثة بالحديث عنها أكثر قبل أيام من الانتخابات. وبدأت الحادثة عندما التقى براون سيدة في الـ66 من عمرها، خلال زيارة انتخابية في منطقة روشدايل في مانشستر، وتحدث معها لبضع دقائق حول السياسات التي تقلقها. وسألته جيليان دافي عن الضرائب والدين العام، قبل أن تتنقل لتطرح سؤالا عن الهجرة. وقالت له: «ماذا ستفعل بكل هؤلاء المهاجرين القادمين من أوروبا الشرقية؟» ورد براون عليها يحاول أن يشرح سياسات حزبه بالوقت المتوفر. إلا أنه عندما استدار ليغادر، نسي إزالة الميكروفون الذي كان وضعه كي يسمح للصحافيين المرافقين بأن يلتقطوا حديثه مع الناخبين. ولدى دخوله إلى السيارة قال لأحد مساعديه إن الحديث مع السيدة كان كارثيا، ووصفها بأنها «متعصبة». وللمفارقة، فإن جيليان كانت قد قالت للصحافيين المرافقين لبراون بعد حديثها معه، إنها ستصوت له وتعتقد أنه «لطيف». إلا أنها بالطبع غيرت رأيها بعد أن سمعت ما قال عنها. وأجرى براون الذي خبأ رأسه بيديه عندما عرف بتسرب ما قال، اتصالا هاتفيا بدافي بعد ذلك قدم فيه اعتذاره لها. إلا أن السيدة خرجت لتصرح بعد ذلك بأنها رغم سماعها الاعتذار فهي ما زالت مصرة على عدم التصويت لحزب العمال. فاضطر رئيس الوزراء حينها إلى ترك تحضيرات لأهم مناظرة غدا، ويتجه إلى منزل دافي، ليقدم اعتذارا شخصيا. وكانت محطات التلفزيون الرئيسية في بريطانيا تبث نقلا مباشرا من أمام منزل السيدة، رغم أن الصحافيين منعوا من الدخول.

وبقي البث حيا مسلطا على باب منزلها، حتى خروج رئيس الوزراء بعد نحو 45 دقيقة ليؤكد أنها قبلت الاعتذار. وقال: «ارتكبت خطأ وأنا آسف... وجيليان قبلت اعتذاري». ورفضت دافي بعد لقائها ببراون الحديث للصحافيين الذين خيموا أمام منزلها لمعرفة ما إذا كانت قد قبلت الاعتذار الثاني. وليست هذه المرة الأولى التي يجد فيها براون نفسه في موقف يضطره للاعتذار العلني من مواطن عادي. فقد اضطر قبل أشهر إلى الاتصال بوالدة جندي بريطاني قتل في أفغانستان، ليعتذر عن تهجئة اسمها واسم ابنها خطأ. واستمر الاتصال 16 دقيقة، كان خلالها رئيس الوزراء يكرر مدى أسفه. واحتلت تلك القصة أيضا العناوين الأولى للصحف طوال أيام. إلا أنه بدلا من أن تتسبب في سقوط شعبيته، كان لها رد فعل عكسي. وارتفعت شعبيته بعد أن تعاطف معه الكثير من البريطانيين الذين يعتقدون أن سوء خط براون مرده ضعف نظره، علما بأنه لا يرى بعين، ونظره خفيف في العين الأخرى. وحصلت أمثلة شبيهة في الماضي بدت وكأنها كارثية، ولكن تبين فيما بعد أن ضررها ليس كبيرا. فقد ظن مثلا نائب رئيس الوزراء السابق جون بريسكوت أن حياته السياسية انتهت عندما ضرب أحد الناخبين في عام 2001، إلا أنها لم تؤذه كثيرا وهو اليوم دائما ما يذكر الحادث بالمزاح. ولكن هذه المرة، قد تكون نتائج الهفوة سلبية، لأن الجدل قد يتطور ليصبح حول قوانين الهجرة، ورفض براون الاستماع لمنتقدي تراخي حكومته مع المهاجرين. ومن المتوقع أن يستغل خصماه هذه الحادثة في مناظرة الغد إذا تم التطرق لموضوع الهجرة. وقد تعزز أيضا هذه الحادثة ما ذكره الصحافي أندرو راوزلي في كتابه حول حزب العمال، عن طباع براون السيئة وإخافته لموظفيه، وحديثه عن وجهين لبراون، واحد علني وآخر سري. إلا أن هذه الادعاءات التي نفاها براون، لم تضره حينها أيضا، وحاول حزب العمال أن يستغلها ليصور براون على أنه رجل حازم وقادر على اتخاذ القرارات الصعبة. كما أن براون معروف بطباعه السيئة، وهو أصلا يجد صعوبة في جذب الناخبين، لذلك فإن هناك من يقول إن من سيصوت له، لم يختره لأن «طباعه حسنة...». وحاول أمس اللورد بيتر ماندلسون، رئيس الحملة الانتخابية والساعد الأيمن لبراون، أن يصور ما حصل على أنه يظهر أن رئيس الوزراء مجرد إنسان عادي يرتكب الأخطاء مثل الجميع. ولم يعلق كاميرون على الأمر بالأمس، إلا أن كليغ قال عندما سأله صحافي عما حصل، إنه من الضروري احترام آراء الناخبين وعدم نعتهم بهذه الكلمات. وفي المقابل، كان كاميرون وكليغ يحضران لمناظرة الغد التي ستتناول الاقتصاد، خصوصا بعد أن اتهم باحثون في معهد الدراسات المالية المستقل، الأحزاب الثلاثة بأنهم يضللون الناخبين عبر رفضهم توضيح خططهم حول تخفيض الإنفاق. وسيلتقي ليل غد زعماء الأحزاب الثلاثة في آخر مناظرة قبل الانتخابات العامة، من المفترض أن يطغى عليها الاقتصاد، إلا أن ما حصل بالأمس قد يتحول إلى سلاح يستخدمه خصما براون للقضاء عليه. فماذا سيقرر الناخبون؟