براون يبدي روحا قتالية.. وحضور لافت لزوجته سارة في جولاته

مساعدوه طلبوا من أحد المصورين عدم التقاط صورة له بجانب لافتة «مخرج طوارئ» وزوجته نبهته لتصفيف شعره

TT

على صفحات الجرائد، تلوح نذر زلزال عنيف في الأفق بالنسبة لحكومة حزب العمال المتداعية برئاسة غوردن براون. وأشارت تقارير إلى أن الوزراء دخلوا في ما بينهم في مشاحنات وتبادلوا الصيحات والإهانات خلال اجتماعات صياغة بعض الاستراتيجيات، التي هيمنت عليها حالة من الذعر. ولم يكن التساؤل الأكبر ما إذا كان حزب العمال سيخسر الانتخابات المقرر إجراؤها في 6 مايو (أيار)، وإنما ما حدود الخسارة. مع ذلك، لم ينجح أي من هذا في اختراق العالم المناظر الإيجابي الغريب الذي يعيش به غوردون. كان من الواضح أن براون متشرنق داخل حالة من الهدوء خلقها مساعدوه وزوجته، سارة، مع انتهائه من يوم جديد من جهود حملته الانتخابية، الاثنين.

وقد رفض الرجل الذي ربما يخسر منصب رئيس الوزراء في غضون فترة قصيرة، التقارير الإعلامية المثيرة للقلق في هذا الشأن باعتبارها مجرد ضجة وجلبة تثيرها وسائل الإعلام في محاولة لاجتذاب الاهتمام إليها. وقال براون خلال مقابلة أجريت معه، في وقت حمل فيه وجهه ابتسامة متوترة: «هذه هي التقارير المعتادة في فترة معينة من الحملات الانتخابية. لا أعتقد أن مثل هذه التقارير يدوم تأثيرها طويلا. وأظن أن عقول الناس أكثر اهتماما بالقضايا القائمة». ربما تلك هي آمال براون. الملاحظ أنه طيلة توليه رئاسة الوزراء، لم يحظ براون بشعبية قط على مستوى تلك التي تمتع بها سلفه، توني بلير. والواضح أن العامة البريطانيين تملكهم السأم بعد 13 عاما من تولي حزب العمال تشكيل الحكومة في البلاد. وعلى امتداد العامين الأخيرين، جاء ترتيب الحزب دوما متأخرا عن حزب المحافظين المعارض، بل والأصعب من ذلك أن حزب العمال أصبح الآن في المرتبة الثالثة، حسبما تكشف بعض استطلاعات الرأي، بعد الليبراليين الديمقراطيين، بينما لا يفصل البلاد عن الانتخابات سوى أسبوع واحد فقط. لكن الفارق بين الأحزاب لا يزال ضئيلا، ويقول كثير من الناخبين إنهم لم يحسموا أمرهم بعد. وحتى الآن، ولم يبد أي متنافس استسلامه بعد. على سبيل المثال، قال براون أمام حشد من المراسلين داخل الدرجة الاقتصادية في أحد القطارات: «سأظل أقاتل حتى اللحظة الأخيرة من اليوم الأخير من هذه الحملة». (في مرحلة معينة من هذه الرحلة، انتقل المراسلون إلى حافلة، ورئيس الوزراء إلى سيارة). وأبدى براون بالفعل روحا قتالية جيدة أثناء توقفه في عدة محطات في إطار حملته الانتخابية في الجنوب. داخل مجمع للممرضات في بورنماوث، نجح في اجتذاب تصفيق الجمهور وهم وقوف، وإن كان وقوفهم جاء بطيئا، ولم تتجاوز نسبة المصفقين له ثلثي الحضور تقريبا. في وايماوث، سار براون وسط حشد من أنصاره وصافح حشدا من المتسوقين الذين بدت عليهم دهشة وسعادة لرؤيته داخل مركز تسوق في أسادا. ومثلما كان الحال في ساوثهامبتون، تعرض رئيس الوزراء لاستجواب قاس عبر برنامج إذاعي يبث على الهواء، ونجح في إبهار المستمعين بإجاباته المفصلة المتدفقة من ذهنه من دون الاعتماد على نص مكتوب، على الرغم من انحراف الإجابات بعض الشيء عن القضية محل السؤال. من جهته، قال بيتر فوكسويل، 63 عاما، الذي يعالج حاليا من مرض سرطان القولون وطرح سؤالا على رئيس الوزراء بشأن مدى قدرة المرضى على الحصول على عقاقير مرض السرطان: «إنه يبلي بالقطع بلاء حسنا، أفضل بكثير عما توقعته». ومع ذلك، فشل براون في تناول القضية محل التساؤل المطروح عليه، حسبما أشارت جينيفيف، زوجة فوكسويل. وأضافت أنه بدلا من ذلك، استعرض براون بفخر خطط حزب العمال الرائعة لتوفير إجراءات فحص وعلاج أسرع بالنسبة لمرضى السرطان. وقالت فوكسويل: «للأسف، هذا هو براون». في كل محطة، حرص براون على التشديد على أنه رجل صريح، يهتم بالجوهر أكثر من المظهر، ويعد قائدا أكثر حكمة من قادة آخرين يعمدون لاجتذاب عدسات التلفزيون. وعلى الرغم من أنه لم يصرح بذلك، فإن حديثه هذا حمل انتقادا واضحا لخصميه الساحرين؛ ديفيد كاميرون، زعيم حزب المحافظين ذي الشخصية الهادئة اللطيفة، ونيك كليغ، زعيم الليبراليين الديمقراطيين الجذاب والصريح. وأضاف براون أمام حشد خلال برنامج إذاعي، قائلا: «أنا رجل جاد. لست من الشخصيات التي تهوى الظهور على شاشات التلفزيون، ولست الشخص الذي يزعم معرفته بكل شيء حول العلاقات العامة والأناقة وكل هذه الأمور». وفي إشارة إلى برنامج شهير تذيعه محطة «بي بي سي» حول القضايا الراهنة، قال: «لو كنا نختار أفضل مقدم في (كويسشن تايم) (برنامج تلفزيوني أسبوعي يشارك فيه السياسيون ويتلقون أسئلة من الحضور) لاختلف الأمر». من ناحيته، قال ديفيد ستوكس، 49 عاما، الذي صافح براون على رصيف محطة القطار في ساوثهامبتون، إنه لم يجد رئيس الوزراء مراوغا أو متوترا أو متقلقلا، الأمر الذي كان بمثابة مفاجئة سارة له. وقال: «عند التعامل معه مباشرة، يبدو أكثر دفئا وودا. لو تمكن الناس من مقابلته، لقالوا: هذا الرجل صادق 100%». بالفعل، بدا براون حلو المعشر ومشرقا أثناء لقائه بناخبين محتملين خلال رحلته الانتخابية. وساعده في جهوده الحضور اللافت لزوجته، المسؤولة التنفيذية السابقة في مجال العلاقات العامة، التي ساعدت في تيسير لقاءاته، التي أبدت صبرا كبيرا في التقاطها صورا لركاب عاديين في القطار برفقة زوجها باستخدام هواتفهم الجوالة بناء على طلبهم. لكن البهجة التي بدت على وجه براون تلاشت قليلا في نهاية اليوم عندما خاض مقابلة وجيزة، حيث لم يرغب براون في تناول الأرقام الهزيلة التي جناها حزبه في استطلاعات الرأي، وإشاعات وجود خلافات داخل الحزب، والمناظرتين التلفزيونيتين اللتين لم يحرز فيهما نجاحا على مستوى نجاح خصومه. خلال المقابلة، سأل براون بنبرة فظة: «هل أنت مهتم بالكتابة عن المناظرات، أم السياسات؟» ثم حرص على رسم البسمة مجددا على وجهه، وقال: «الأمر المثير أن الاقتصاد احتل مكانة محورية، وأن مستقبل الخدمات العامة أصبح قضية مثارة بالمعنى الحقيقي». منذ الأداء الطيب المفاجئ الذي قدمه كليغ خلال المناظرة الأولى، دار حديث في الأوساط السياسية البريطانية عن سطوع نجم سياسي جديد. وقد نوه براون بهذا الأمر بقوله: «قلت اليوم إنني أعتقد أن أمرا جديدا طرأ على الساحة، وهو نقاش سياسي».

وثارت قضية حول مسألة التصوير، حيث صدرت توجيهات من مساعدي براون إلى أحد المصورين بعدم التقاط صورة له بجانب لافتة تحمل عبارة «مخرج طوارئ»، وعدم التقاط صور لزوجته. وفي لحظة ما، أخبرت سارة زوجها بتسريح شعره لوجود خصلة على جبهته، بينما تمتم رئيس الوزراء غاضبا بأنه لم يكن على علم بأن أحدا سيلتقط صورة له. وأبدى براون رفضه فكرة أن الناخبين يطالبون بالتغيير، وعاود الحديث عن فكرته الرئيسة التي تدور حول أن الاقتصاد في أيد أمينة مع حكومة حزب العمال. وأضاف أن خطط المحافظين لتقليص التكاليف - التي أشار إليها بقوله «اقتطاع ستة مليارات جنيه إسترليني من الاقتصاد» - ستأتي بنتائج كارثية. وجاء هذا التصريح داخل العربة المخصصة لرئيس الوزراء في القطار المحاطة بحراس. لكن في العربة التالية، كان لمارك جونسون، 40 عاما، وجهة نظر مختلفة، حيث قال: «تقلد حزب العمال السلطة طيلة 13 عاما، لذا فإن حديثه عن التغيير الآن لا يمثل سوى خدعة لاجتذاب الناخبين، وقد ساعدني ذلك في إدراك حقيقتهم وكذلك الحال مع كثير من أصدقائي». يذكر أن جونسون صوت لصالح حزب العمال منذ 13 عاما عندما نجح في إحراز فوز انتخابي كاسح بقيادة الزعيم الكاريزمي بلير. لكنه لا ينوي تكرار ذلك هذه المرة. وعلق على هذا بقوله: «فات الأوان. يبدو أنه دائما يخرج للقتال عندما يصبح عرضة لخسارة كبيرة».

* خدمة «نيويورك تايمز»