مشهد جديد في محاولة إعادة بناء حقبة الأفلام المستقلة

عبر إنفاق أموال أقل على الإنتاج والتسويق واللجوء إلى جميع صور التوزيع

لأكثر من عقد ازدهرت حركة الأفلام المستقلة التي اتخذت من نيويورك مركزا لها، بل وفي بعض الأحيان كادت تتفوق على إنتاج استوديوهات هوليوود الكبرى فيما يخص التأثير الذي تركته والجوائز التي حصدتها («نيويورك تايمز»)
TT

منذ خمس سنوات فقط، تركز محور عالم الأفلام المستقلة الذي كان لا يزال يتحرك في اتجاه الصعود خلف الأبواب الخضراء في مخزن «تريبيكا» الذي جرى تحويله إلى خدمة غرضه الجديد، وتولى من داخل هذا المخزن الشقيقان وينستاين، بوب وهارفي، إدارة أفلام «ميراماكس».

في ضوء صفقتهما المحتملة - حيث استمرت المفاوضات طيلة الأسبوع الماضي - للانضمام إلى مجموعة من المستثمرين في مسعى لإعادة شراء «ميراماكس»، التي كانا قد رحلا عنها عام 2005، يبدو أن الشقيقين وينستاين يخططان لاتخاذ خطوة مهمة. لكن هذا لم يعد النشاط التجاري نفسه الذي توليا إدارته ذات يوم.

لأكثر من عقد، ازدهرت حركة الأفلام المستقلة التي اتخذت من نيويورك مركزا لها، بل وفي بعض الأحيان كادت تتفوق على إنتاج استوديوهات هوليوود الكبرى فيما يخص التأثير الذي تركته والجوائز التي حصدتها. إلا أن الانهيار المالي وأزمة الاعتمادات خلفت تأثيرا عميقا على مختلف جنبات عالم صناعة الأفلام، الذي جاء رد فعله متمثلا في أعداد أقل من الأفلام باهظة التكلفة والسعي للمراهنة على أفلام أكثر تحملا لاحتمالية أكبر للنجاح.

وأتت حالة التقشف الجديدة على قطاع كبير من صناعة الأفلام المستقلة، وانتهت بانهيار أو تقليص أحجام شركات توزيع مثل «نيو لاين سينما» و«بكتشرهاوس» و«وارنر اندبندنت بكتشرز» و«ثينكفيلم» و«ميراماكس»، كل ذلك في غضون سنوات قلائل.

في هذا الإطار، علق ريتشارد أبراموويتز، موزع أفلام ينتمي إلى موجة جديدة في هذا المجال، الأسبوع الماضي بقوله: «بات العالم مختلفا الآن». وفي الوقت الذي أعرب عن إعجابه بالشقيقين وينستاين، أشار فيما يخص الصفقة المحتملة لشراء «ميراماكس» إلى أنه «لا أرى أن الشركة لا تزال تمثل عنصرا على تغيير أصول اللعبة مثلما كانت منذ سنوات قليلة. وربما يهاجمني الكثيرون لقولي هذا».

ومع ذلك، لا تزال هناك مؤشرات على وجود حياة، حيث تتلقى صناعة الأفلام المستقلة التي تناضل من أجل البقاء دعما من جانب عمليات تتسم بتحفظ شديد في إنفاق المال وتحاول بث الحياة مجددا في هذه الصناعة عبر إنفاق أموال أقل على الإنتاج وعلى التسويق واللجوء إلى جميع صور التوزيع، بما في ذلك المعارض الفنية المحلية وأجهزة الحاسب الآلي النقالة.

وتمخضت هذه الجهود عن دفعة من النشاط أثارت في الأذهان ذكريات الأيام الأولى من عقد التسعينات في ذروة ازدهار الشركات المعنية بشبكة الإنترنت، مع وجود مسحة من الروح القديمة لصناعة الأفلام المستقلة.

عن ذلك، قال هارفي وينستاين: «يذكرني هذا الحال بالأيام الأولى لـ(مراماكس)، عندما كان لزاما على المرء الانضباط». لكنه رفض خلال مقابلة أجريت معه الجمعة الماضية مناقشة محاولته شراء «ميراماكس» بالتشارك مع المستثمر رونالد دبليو. بيركل.

الواضح أن تجارب الأفلام المستقلة تجري مراقبتها عن قرب لأن ما يحدث في هوليوود غالبا ما يقع أولا داخل مدينة نيويورك. وبينما لا تزال الكثير من الشركات في لوس أنجليس تناضل في مواجهة نظام الاستديوهات والتعقيدات الناشئة لنظام ثلاثية الأبعاد، تجابه نيويورك تحديا مختلفا يتمثل في كيفية استخلاص أكبر قدر ممكن من الأرباح من وراء الاستثمارات الهائلة الموجهة للأفلام الأصغر.

حسب وجهة نظر وينستاين وآخرين، فإن تداعي صناعة الأفلام المستقلة في نيويورك يعود في الجزء الأكبر منه إلى الشركات بسبب توجيهها أموالا مفرطة في ضخامتها، كانت قد جنتها من ازدهار اسطوانات الفيديو الرقمية، نحو أعداد ضخمة من الأفلام موجهة إلى جمهور لم يكن قط على درجة من الضخامة تتيح له استيعاب كل هذا الكم داخل دور العرض.

داخل مقر شركته، «وينستاين كمباني»، قال وينستاين إن النموذج الأمثل على حقبة انحسار التوقعات فيلم «رجل أعزب».

لم يجن الفيلم الذي كتبه للسينما وأخرجه توم فورد سوى 9 ملايين دولار في دور العرض المحلية، لكن «وينستاين كمباني» اشترت حقوق الفيلم بسعر أقل بكثير وعمدت إلى كبح جماح إنفاقها على التسويق، بدلا من الإنفاق ببذخ على مطاردة الجمهور وجوائز «أوسكار»، وهو وضع يختلف عما كانت تفعله منذ عامين أو ثلاثة. وأكد وينستاين أن الفيلم سيعود بأرباح على شركته ومنتجي الفيلم.

من الموزعين المستقلين الذين نجحوا في البقاء «فوكس فيتشرز»، وهي وحدة استوديوهات تابعة لشركة «يونيفرسال» ومقرها مانهاتن، و«سوني بكتشرز كلاسيكس»، وهي متخصصة في نوعية خاصة من الأفلام ومقرها نيويورك ونجحت في الاستمرار في إصدار قرابة 20 فيلما سنويا بالاعتماد على فريق عمل لا يتجاوز عدد أفراده 25 فقط. وبجانب الناجين، هناك عدد من الشركات التي تأسست حديثا، مثل «أباريشن».

وتتمسك الكثير من هذه الشركات بالتقشف في النفقات، وتولي اهتماما كبيرا بالتوزيع الرقمي.

من جهته، داخل مقر «تريبيكا إنتربرايزز»، انضم جيفري غيلمور، رئيس شؤون الإبداع بها في مارس (آذار) إلى أحد المشاركين في تأسيس الشركة، جين روزنثال، وآخرين لإعلان بناء وحدة توزيع جديدة تركز على توفير نسخ فيديو حسب الطلب. وتتسم الوحدة الجديدة بالاقتصاد في الإنفاق، بينما من المحتمل أن يقبل عليها جمهور عريض.

وبالفعل، توفر «رينبو ميديا»، التي تتولى تشغيل «آي إف سي إنترتينمنت»، قرابة 120 فيلما سنويا عبر أنظمة تلفزيون الـ«كيبل»، بينما يجري عرض نحو 50 من هذه الأفلام في واحدة أو أكثر من دور العرض. كما تتولى الشركة بقيادة جوشوا سابان إدارة مجمع مستقل لدور العرض.

من المتعذر على المنتجين استعادة جزء من استثماراتهم من خلال الأموال الهامشية التي جنتها من العروض التي تجري على أساس الطلب، لكن العرض عبر قنوات «آي إف سي» أو عبر الخدمات الأخرى تجلب شهرة تساعد منتجي الأفلام على جني المال عبر اسطوانات الفيديو الرقمية - عبر البيع لدول أجنبية وشركات الطيران.

من جانبه، قالت ماريان كولتاي ليفين، أحد العناصر البارزة في «فاين لاين» و«بكتشرهاوس»، التي تعمل حاليا مستشارة للتسويق والتوزيع عبر «زيبلين إنترتيمنت»: «النشاط التجاري يعود بذكاء أكبر». يذكر أن «زيبلين إنترتيمنت» تعد واحدة مما يطلق عليها شركات المرأب، وتتولى إدارتها مجموعة من الاستديوهات.

من ناحية أخرى، تتعامل شركة «أبراموويتز»، وتدعى «أبراموراما»، مع قرابة 20 فيلما سنويا، فيما يخص مجالي التسويق والميزانية التي عادة ما تقدر بعشرات الآلاف، وليس عشرات الملايين من الدولارات.

منذ عشرة أيام، ساعدت «وكالة المنتجين للتوزيع»، وهي شركة جديدة أسسها جون سلوس، على تجاوز الشركات الكبرى من خلال توزيع فيلم يدعى «الخروج من محل الهدايا» مباشرة على دور العرض.

وحصد الفيلم، وهو من نوعية الأفلام الوثائقية غير المألوفة، 391.000 دولار خلال أول 10 أيام من عرضه. ويرجع جزء كبير من السبب وراء ذلك إلى حملة منخفضة التكلفة أجريت عبر شبكة الإنترنت نجحت في اجتذاب مشاهدين من صغار السن.

وكان الاهتمام الذي أحاط حفل الافتتاح كبيرا بدرجة جعلت من المحتمل نجاح الفيلم. أما المعضلة الحقيقية فتدور حول كيفية توسيع دائرة الجمهور من دون الإنفاق بكثرة على إعلانات الصحف، أحد أكبر أوجه النفقات للأفلام الخاصة فيما مضى.

الملاحظ أن المنتجين الذين كانوا ينفقون عادة 12 مليون دولار على الفيلم الواحد منذ خمس سنوات ينصحهم سلوس وآخرون الآن بالإبقاء على ميزانياتهم في حدود ثلث هذا المبلغ.

وعليه، قضى أعضاء فريق فيلم «النعيم الشرقي الخامس» (إيست فيفث بليس)، وهو فيلم عاطفي من إخراج مايكل نويلز، الأسبوع الماضي في تصوير مشاهد في نيويورك، وتقل ميزانية الفيلم عن مليوني دولار، ويضم بين أبطاله لوسي ليو (شاركت في فيلم «ملائكة تشارلي») ومايكل سي. هول (شارك في مسلسل «ستة أقدام لأسفل»).

يرى سري راو، الذي سبق له العمل مستشارا لدى «بوز ألين هاميلتون»، ويعمل حاليا في مجال تأليف وإنتاج الأفلام، ويأمل في الانتقال إلى مجال الإخراج، وذلك من مقر عمله في نيويورك وآخر في فيلادلفيا، أن انحسار نشاط الأفلام المستقلة يعد تطورا إيجابيا يخدم المنتجين منخفضي الكلفة أمثاله.

وقال: «المشهد العام لصناعة الأفلام المستقلة بات مختلفا تماما اليوم عما كان عليه فترة ذروته في التسعينات من القرن الماضي».

ولا تقيم شركة راو لنفسها أي مكاتب أخرى إلا إذا استدعى فيلم تتولى إنتاجه ذلك.

* خدمة «نيويورك تايمز»