حزب العمال يعيد بلير إلى الحملة أملا في تنشيطها

كليغ يعلن أن السباق بات بين الليبراليين الديمقراطيين والمحافظين

زعماء الأحزاب الرئيسية الثلاثة في بريطانيا خلال المناظرة الأخيرة مساء أول من أمس (رويترز)
TT

أعطت المناظرة الأخيرة قبل الانتخابات العامة، التي جمعت ليل أول أمس زعماء الأحزاب الرئيسية الثلاثة في بريطانيا، دفعة لزعيم حزب المحافظين دايفيد كاميرون، كان بحاجة إليها. وقبل 6 أيام على يوم التصويت، لا تزال استطلاعات الرأي تشير إلى أن النتائج ستفرز برلمانا معلقا، أي عندما يعجز أي حزب عن الفوز بأغلبية المقاعد.

إلا أن المحافظين الذين ينتظرون دورهم للعودة إلى السلطة منذ 13 عاما، قد يستفيدون من الدفعة التي أعطاها لهم زعيمهم في مناظرة أول أمس، والتي أجمعت استطلاعات الرأي على أنه فاز فيها. وعلى الرغم أن تأثير هذه المناظرة على أصوات الناخبين لم تظهر بعد، فإنه يبدو أن حزب العمال الحاكم بزعامة غوردن بروان قد بات مقتنعا بأنه لن يفوز في الانتخابات، بل حتى لن يتمكن من تشكيل ائتلاف مع الليبراليين الديمقراطيين بزعامة نيك كليغ، في حال لم يتمكن أحد من الفوز بأغلبية المقاعد.

وأظهرت استطلاعات الرأي الفورية التي أجريت حول أداء الزعماء الثلاثة في المناظرة التي شاهدتها نحو 8.5 مليون بريطاني، أن كاميرون فاز على خصميه، بينما حلّ كليغ ثانيا وبراون ثالثا. إلا أن صحيفة الـ«غادريان» أعطت المرتبة الثانية لبراون بنسبة 29 في المائة، في استطلاعها الخاص، والمرتبة الثالثة لكيغ بنسبة 27 في المائة، والأولى لكاميرون بنسبة 35 في المائة. إلا أن استطلاعا أجراه معهد «بوبولوس» لصحيفة الـ«تايمز»، أظهر أن كاميرون وكليغ كليهما حلا في المرتبة الأولى. وقد دفعت هذه النتائج بكليغ إلى أن يعلن أمس أن السباق بات اليوم بين الليبراليين الديمقراطيين والمحافظين، واضعا جانبا حزب العمال.

وبالفعل، قد يكون كليغ صادقا، لأن ما كان واضحا ليل أول أمس، أن براون الذي حضر إلى المناظرة بعد يوم محبط لحزبه بسبب هفوته قبل يوم، سيجد صعوبة كبيرة بإعادة إحياء معنويات حزبه، الذي يبدو أنه بدأ يتصالح مع واقع أنه لن يكون في الحكم بعد يوم الخميس المقبل. وكان أول من أمس قد شهد انقلابات مأساوية في حملة حزب العمال، بعد أن سمع عن طريق الخطأ وهو يصف ناخبة (جيليان دافي) كان يتحدث إليها بالـ«متعصبة»، بسبب سؤال وجهته إليه عن المهاجرين. واضطُرّ براون إلى أن يتوجه إلى منزلها ويعتذر إليها، بعد أن كانت رفضت اعتذاره على الهاتف. وقد أضرت هذه الحادثة ببراون كثيرا، لأنها تركت انطباعا لدى الناخبين بأن زعيم العمال له هو «ذو وجهين»، كما أنه لا يتفهم قلق آلاف البريطانيين من الهجرة إلى بلدهم، حتى إن براون بدا في المناظرة كأنه بدأ يتقبل فكرة أنه لن يبقى في 10 داونينغ ستريت، مقر رئاسة الحكومة، بعد الخميس المقبل. وقال في نهاية المناظرة: «أعرف أنه إذا استمرت الأمور على ما هي عليه، ربما بعد 8 أيام سيكون دايفيد كاميرون - ربما مدعوما من نيك كليغ - في السلطة». وقد حاول أن يقاتل بشراسة طوال وقت المناظرة، ويهاجم كاميرون بماضي حزبه الذي ترك ملايين الأشخاص عاطلين عن العمل في نهاية الثمانينات، لكن يبدو أنه لم يقنع الناخبين المتعطشين إلى التغيير.

وعلى الرغم من أن أحدا من الزعماء الثلاثة لم يأت على ذكر حادثة براون مع جيليان دافي قبل يوم، فإن طيفها كان حاضرا طوال فترة المناظرة. فأشار براون بنفسه إلى الحادثة في كلمته الافتتاحية، وقال: «هذه الوظيفة ليست سهلة، وكما رأيتهم بالأمس لا أتقنها دائما، ولكن أنا أتقن الاقتصاد، ولذلك أنا رجلكم في هذه الأوضاع». وكانت جيليان حاضرة أيضا من دون أن تُسَمّى، في سؤال طرحه أحد الحاضرين، حول ما إذا كان الزعماء الثلاثة يعتقدون أنهم لا يفهمون قلق الناخبين في قضية المهاجرين.

ومع اقتراب يوم التصويت، بدا حزب العمال أمس يائسا لإعادة القليل من البريق إلى حملته، فأعاد إطلاق زعيمه السابق توني بلير إلى أرض الحملة. وتمكن بلير من إعادة حزب العمال إلى السلطة عام 1997، بعد 27 عاما من الجلوس في صفوف المعارضة، بفوز كبير على المحافظين. ويعتبر بلير محبوبا من قِبل البريطانيين، وقد قاد حزبه للفوز بثلاث ولايات متتالية تاريخية لحزب العمال. إلا أنه تنازل عن زعامة الحزب، وبالتالي رئاسة الوزراء، لبراون في عام 2007، بعد أن هبطت شعبيته بشكل كبير بسبب حرب العراق وقربه من الرئيس الأميركي جورج بوش.

وحاول بلير أن يعيد الحيوية إلى الحملة أمس، فقال للناخبين إن حزب العمال لا يزال بإمكانه أن يفوز بالانتخابات، ومصر على أن براون زعيم جيد. وحاول بلير أن يقلل من أهمية المناظرات والنتائج التي أفرزتها، ودعا إلى التركيز على مضمون السياسات عوضا عن الشكل. وأوحى بلير في كلمة ألقاها في غرب لندن أمس، بأن حزب العمال متجه نحو نتائج كارثية في انتخابات 6 مايو (أيار)، إلا أنه أضاف: «لا أعتقد أن هذا سيحصل، أعتقد أن لدى حزب العمال كل فرصة للنجاح، ولكن سننجح بشكل أفضل... إذا ركزنا على السياسات. هذه نقطة قوتنا».

وبدأت الصحافة البريطانية تتداول سيناريوهات حول مصير براون في حال حلّ حزبه في المرتبة الثالثة. وكتب إيان مارتن على مدونته في «وول ستريت جورنال» أن واضعي استراتيجيات حزب العمال بدأوا يفكرون في ما يمكن عمله بعد خسارة الحزب، ومن يمكن استبداله ببراون، خصوصا أن هناك احتمالا أن تتم الدعوة لانتخابات جديدة بعد أشهر في حال فشلت الحكومية الائتلافية. وقال إن الشخص المطروح لكي يحل مكان براون، هو وزير الخزانة الحالي ألستر دارلينغ الذي أثبت أخيرا أنه مناقش بارع في الأمور الاقتصادية.

أما كليغ الذي أثبت في المناظرتين الأخريين أنه نجم الانتخابات، وأعطى دفعة غير مسبوقة لحزبه بسب أدائه الأول، فقد بدا أول من أمس كأنه فقد القليل من بريقه. ولكن على الرغم من ذلك، فمن غير المرجح أن يتراجع حزب الليبراليين الديمقراطيين عما حققه منذ أسبوعين. وبدا كليغ مهمشا أكثر من مرة خلال المناظرة الأخيرة، عندما كان بروان وكاميرون يتبادلان النقاش. إلا أنه بدا الأكثر طبيعية بين الثلاثة، والأكثر تواصلا مع هموم الناخبين.

ولكن النتيجة الأهم كانت لكاميرون، فقد كان تحت ضغوط كبيرة لكي يحقق اختراقا ما في المناظرة الأخيرة، ويضع حدا لتقدم كليغ على حسابه، ويبدو أنه حقق ذلك، على الأقل في رأي الذين شاهدوا المناظرة. وحاول كاميرون أن يلعب على موضوع الهجرة، ويوجه انتقادات لاذعة إلى سياسة كليغ حولها. ويدعو كاميرون لوضع رقم معين للأشخاص الذين يمكنهم دخول البلاد من خارج الاتحاد الأوروبي، بينما يعتبر كليغ هذه السياسية غير واقعية ويدعو من جهته إلى منح لجوء للمهاجرين غير الشرعيين الذي قضوا في بريطانيا 10 سنوات، ويتكلمون الإنجليزية وسجلهم نظيف.

وفي ظل المعارك الانتخابية الضارية حول من سيمسك السلطة في السنوات المقبلة، قال عن حاكم البنك المركزي في إنجلترا مارفن كينغ، إن الحزب الذي سيفوز بالانتخابات المقبلة سيكون مجبرا على اتخاذ خطوات تقشف كبيرة، ستجعل حزبه غير قابل للانتخابات طوال جيل قادم، بحسب ما نقل عنه الاقتصادي الأميركي دايفيد هايل.

وعلى الرغم من أن زعماء الأحزاب الثلاثة يرفضوا تحديد أين وكيف سيطبقون خطط التقشف لتخفيض الدين العام، فإنهم يدركون أنها ستكون مؤلمة، وأن الحديث عنها الآن في الحملة الانتخابية، قد يخيف الناخبين ويثنيهم عن التصويت.