زعيم المحافظين في معقل «العمال».. يحظى بترحيب حار من ناخبين فقدوا الأمل في حزبهم التقليدي

إهانة براون لناخبة من حزبه تلقى أصداء لدى القلقين من المهاجرين

TT

كان المفترض بهذه المدينة الواقعة في غرب يوركشاير التي اشتهرت في الماضي بمناجم الفحم، أن تكون منطقة معادية لديفيد كاميرون، زعيم حزب المحافظين الذي يخوض الانتخابات ليحل محل رئيس وزراء حزب العمال غوردن براون في الانتخابات العامة التي ستجرى الأسبوع المقبل.

لكن كاميرون عندما دخل إلى المدينة يوم الأربعاء لم تظهر المدينة أي إشارة على العداء أو حتى بادرة على القلق تجاه الرجل الذي حاول حزب العمال وصفه بأنه الرجل الأنيق الذي تربى في مدرسة إيتون الخاصة التي يرتادها الصفوة في إنجلترا، ولا يكترث بتطلعات القرن الحادي والعشرين لتحقيق المساواة في بريطانيا.

لكن كاميرون استُقبل عوضا عن ذلك بالترحاب عندما ارتقى إلى منصة خشبية في لقاء مرتجل مع عدد من العاملين في مصنع محلي للمشروبات الخفيفة، التي تحولت إلى رمز للاقتصاد الجديد الذي ظهر في الوقت الذي تراجع فيه عالم الفحم والصلب في يوركشاير إلى الذاكرة. الكثير من العمال الذين تحلقوا حول زعيم حزب المحافظين كانوا من العائلات التي قضى آباؤها وأبناؤها، أجيال كاملة، في العمل في المناجم، ويرون التصويت لحزب العمال على أنه إرث. قبل ما يقرب من 25 عاما، كان عمال المناجم هنا قد دخلوا في صراع عنيف مع الحكومة المحافظة التي قادتها مارغريت ثاتشر وشابته أعمال عنف عندما اشتبكت الشرطة مع عمال المناجم المتظاهرين ضد خططها بإغلاق العشرات من المناجم العميقة غير المربحة.

وأشار الكثير من هؤلاء العاملين في مصنع المشروبات الخفيفة إلى إنهم يفكرون بجدية في التصويت في السادس من مايو (أيار) لأي شخص عدا حزب العمال في إشارة إلى خلفية كاميرون. فتقول جولي يانغ (47 عاما)، التي تعمل مساعدة إنتاج: «رغم أنه يأتي بنقيض كل ما تربيت على الاعتقاد به، لكنني أفكر في إمكانية التغيير»، وأشارت إلى أن والديها اللذين تقاعدا من العمل في المناجم واللذين قضيا أغلب حياتهما فيه، مصوتان تقليديان لحزب العمال، لكنهما ربما يغيران هذه المرة، وقد شاركها في هذا الرأي أكثر من عشرة آخرين في المصنع ذاته.

زيارة كاميرون لم تكن بتلك القوة التي يمكن التعويل عليها في القول بتبدل التوجهات في المدينة، خصوصا في انتخابات يشير المعلقون إلى صعوبة توقع نتائجها أكثر منها في أي جيل سبق. فزيادة شعبية الأحرار الديمقراطيين، الذي حصد المركز الثاني في استطلاعات الرأي بعد المحافظين، وحلول العمال في المركز الثالث دفع الكثير إلى التوقع بعدم حصول أي من الأحزاب على الأغلبية اللازمة.

تشير الزيارة - التي بدا فيها كاميرون على سجيته، متخليا عن السلوك الصارم الذي بدا عليه خلال الحملة حتى قبل أسبوع مضى - إلى إحساس المحافظين المتنامي بإمكانية الفوز بأغلبية ضعيفة. فتعزيز حزب الديمقراطيين الأحرار من شعبيته بين الطبقة المتوسطة جعل المحافظين يدركون الحاجة إلى الحصول على أصوات المنشقين عن حزب العمال.

وقال كاميرون، مؤكدا على القضايا التي قوضت الدعم الذي وصل بحزب العمال إلى رئاسة الوزراء خلال الانتخابات الثلاثة الماضية، من اقتصاد متعثر خلال العامين الماضيين أكثر من أي وقت مضى منذ الكساد الكبير، وحطم كل مستويات الدين الحكومي التي قاربت تلك التي سببت الفوضى العارمة في اليونان، نظرا لارتفاع معدلات الهجرة، ومنها عشرات الآلاف من طالبي اللجوء السياسي التي أثقلت كاهل المدارس والمستشفيات ونظام الرفاهية الاجتماعي: «يمكنكم رؤية حملة حزب العمال وهي تعاني الآن من أزمة».

الشعور بالثقة المتزايدة بين المحافظين انعكس عندما آثر الحزب الصمت في أعقاب إهانة براون واحدة من مؤيدي حزب العمال في روتشدال، إحدى المدن الصناعية القديمة الأخرى، وقضى غالبية اليوم يعتذر.

يقول جورج أوزبورن، كبير الاستراتيجيين في حملة حزب المحافظين مستغلا تلك الزلة: «تلك هي الأشياء خلف الانتخابات العامة، إنها تكشف الحقيقة بشأن الأفراد». بيد أن كاميرون نأى عن استغلالها.

يبدو أن الشعور الذي تعمق في نفوس مستمعيه كان واضحا عندما سأل صحافي زعيم المحافظين عما يمكن أن يقدمه ثري من الجنوب للطبقة العاملة الشجاعة التي تقرر مصير الانتخابات في مدن مثل ويكفيلد. رد كاميرون بالقول: «إد بولز وأنا لدينا صفة مشتركة، وأعتقد أننا دخلنا مدرسة خاصة»، مشيرا إلى مرشح حزب العمال المحلي الذي درس في مدرسة نوتنغهام العليا وأكسفورد، وكان من بين أبرز رموز حزب العمال الذين انتقدوا كاميرون على أصوله الثرية، «لكن الفارق هو أنني لم أخف أصولي، ولم أخف هويتي أو عائلتي».

وأضاف: «أنا أعتقد تماما أن هذه البلاد تهتم أكثر بما في رأسك وقلبك واهتماماتك ومعتقداتك، ولا تنظر إلى منشئك، وأن المرء يبرز بقدراته وإمكاناته».

ويعترف المساعدون المحافظون بأن الزيارة شابها نوع من الخطأ السياسي نظرا لأن بولز من أقرب مستشاري براون وخصم مولع بالمعارك السياسية، وكان من بين الجماعة التي سعت إلى عزل توني بلير - بالإضافة إلى كونه سياسيا من الطراز الأول ويعتقد الكثيرون أنه كان المثل الأعلى لكاميرون - من رئاسة الوزراء في 2007 وصعود براون بدلا منه. وعلى الرغم من تراجع شعبية حزب العمال، فإن بولز، الذي يشغل منصب وزير التعليم، لا يزال يراهن على إمكانية الفوز في الانتخابات.

لم تكن رحلة كاميرون إلى معاقل حزب العمال لمجرد الزيارة، بل لأن المحافظين واجهوا معركة شرسة فاقت توقعاتهم في الدوائر الانتخابية المؤيدة لحزب الديمقراطيين الأحرار التي أملوا في أن يتمكنوا من الفوز بها في سبيل حصولهم على الأغلبية، خصوصا في جنوب غربي إنجلترا وكانت استراتيجية الانسحاب تهدف إلى التركيز على مقاعد حزب العمال الدائمة، وهي إمكانية إذا ما تراجع التصويت إلى أشبه بما كان عليه قبل كبح بلير للجناح اليساري للحزب في منتصف التسعينات وأدى إلى صعود حزب العمال إلى السلطة.

التهديد الذي يواجهه حزب العمال في ويكفيلد ينبع بصورة جزئية من الحزب الوطني البريطاني المتطرف الذي يقوم برنامجه على معارضة الهجرة، التي يتوقع أن تجذب الأصوات من الأغلبية البيضاء هنا، والتي قال الكثير من السكان المحليين إنها ممكنة نظرا للعب الحزب على مشاعر الخوف لوجود جالية مسلمة كبيرة في يوركشاير في مدينتي ليدز وبرادفورد.

بيد أن خسارة حزب العمال هنا تبدو غير متوقعة، حيث عبر بعض رموز المحافظين عن اعتقادهم بأن فرصهم ضئيلة في إسقاط قادة حزب العمال عبر إسقاط عدد من كبار الوزراء داخل الوزارة ومنه بولز، تماما كما حقق حزب العمال بقيادة بلير انتصارا كاسحا على الكثير من الوزراء البارزين في حزب المحافظين في عام 1997. وقال أحد أقطاب المحافظين: «إذا ما هزم بولز فيعني ذلك أننا قريبون من رئاسة الوزراء، لكن ذلك ليس بالأمر اليسير».

* خدمة «نيويورك تايمز»