تغيير الطريقة التي تنظر بها قطر إلى المكفوفين

حياة خليل حجي تحصل على الدكتوراه بعد فقدان بصرها وتقود المسيرة في بلادها لصالحهم

حياة خليل حسن نظر حجي مديرة معهد النور الذي يضم 430 طفلا بداية من مرحلة الروضة وحتى الصف السادس الدراسي (نيويورك تايمز)
TT

هناك الكثير من الأسباب التي قد تجعلها تشعر بمرارة، والسبب أنها أصبحت مكفوفة عندما كانت في الصف الخامس المدرسي، على نحو مفاجئ وغير متوقع. لقد كانت ترى في يوم من الأيام، لكنها بعد ذلك عانت انفصالا مفاجئا في الشبكية، وأصبحت تعيش في حياة من الظلام. تم نقلها إلى لندن للخضوع لعمليات جراحية، فشلت 3 مرات، ثم عادت إلى دولتها التي لم تكن تقدم تقريبا أي خدمات للأكفّاء.

بيد أن حياة خليل حسن نظر حجي قد تكون واحدة من أكثر المواطنين الذين يشعرون بالامتنان لدولة قطر. إنها امرأة مكفوفة من دولة مسلمة محافظة، صرفت دولتها عليها الأموال لتسافر إلى الولايات المتحدة لتتعلم اللغة الإنجليزية وتحصل على درجة الدكتوراه، ثم تعود مرة أخرى إلى بلدها لتعمل كمديرة لمعهد النور للأكفّاء. وقالت حياة: «إذا كنت تثق بالله، ولديك إرادة قوية، ففي مقدورك التغلب على أي تحد. لا يوجد شيء مستحيل في الحياة».

والدكتورة حياة هي امرأة لطيفة، تبلغ من العمر 34 عاما، ولها ابتسامة جميلة وعينان محجوبتان، لا تكشفان شيئا من العزم والتصميم داخلها. لم يكن الأطباء قادرين قط على إخبارها بالضبط ما السبب وراء إصابتها بالعمى، لكنها فهمت في سن مبكرة أنها لن ترى بعينيها مرة أخرى.

لذا، في حين أنها لن تستطيع الإبصار، فقد كرست حياتها لتشكيل النظرة إليها وإلى غيرها من الأكفّاء. وقالت: «الناس مختلفون، ولديهم أفكار مختلفة، وتستطيع أن تشكل الطريقة التي ينظرون إليك بها. في ذلك المعهد، نحاول غرس ذلك، إضافة إلى المهارات الأكاديمية، في عقول الطلاب لدينا».

هناك 430 طفلا في معهد النور، بداية من مرحلة الروضة وحتى الصف السادس الدراسي. يتم دمج الأطفال الأكبر سنا في النظام المدرسي العادي، إذا كانوا قادرين على ذلك. وتقع المدرسة في فناء محاط بأسوار، ويبعد عن الطريق الرئيسي في أحد الأحياء التي لا تزال قيد الإنشاء.

لكن في الداخل، توجد سعادة في هذه المدرسة. تضج قاعات الدراسة بأصوات العصا التي تنقر نقرات خفيفة في كل مكان، كما تضج بأصوات الضحك.. كثير من الضحك. وفي زيارة أخيرة، شق طفل عمره 11 عاما طريقه إلى أحد أركان القاعة، ثم وقف في صمت لمدة دقيقة وكأنه ضل طريقه. كان يختبأ، وعندما مر صديقه بجانبه، انطلق إلى الأمام وقال بصوت عال: «هيه، خالد»، وخرجا وهما يضحكان، وذهبا إلى حجرة الدراسة.

بيد أن المدرسة تذكر أيضا بالتحديات الخاصة التي تواجه قطر، فلا تزال العادة في قطر أن يتزوج الشباب أقرب الأقارب، بما في ذلك أبناء العم. والسببان الرئيسيان للعمى في قطر هما الولادة المبكرة والاضطرابات الجينية، التي تنتقل داخل الأسر. والنتيجة، حسبما ذكرت الدكتورة حياة، أن عددا من الأسر لديها الكثير من الأطفال الأكفّاء. وقالت: «يوجد الكثير من الأسر من هذا القبيل هنا».

وفي أحد فصول الدراسة في الصف السادس، كان رشيد يتعلم رسم خط مستقيم، يصل بين العلامات على لوحة العلامات. وقالت معلمته، منار فتوح، إن رشيد لديه 5 أشقاء وشقيقتان، وجميعهم أكفّاء. والبنت التي تجلس بجواره، التي تدعى وضحة، كانت تدخل المعجون في أحد القوالب. ولدى هذه البنت شقيقة أخرى كفيفة في المدرسة.

ولم ترد الدكتورة حياة مناقشة القضية بالتفصيل، انطلاقا من احترامها لهذه العادة المحلية، لكن أيضا، على ما يبدو، لأنها تعرف بكل وضوح أن الزواج بين أولاد العم يُنظر إليه على أنه من المحظورات في معظم أنحاء العالم عدا قارة أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط. وقالت إن والديها كانا على درجة عالية من القرابة، على الرغم من أنه لم يتم على الإطلاق الجزم بأن هذا أحد العوامل وراء إصابتها بالعمى.

وقالت الدكتورة حياة: «هناك قضية الوراثة، لكن يتم نشر الوعي في قطر. الجميع يتحدث بشأن الأثر السلبي للوراثة».

هناك الكثير من التحديات الأخرى الخاصة التي تواجه الأكفّاء في الدوحة. فمن الناحية العملية، هناك عدد صغير للغاية من الأماكن التي من الممكن للأكفّاء السير فيها، لأن المدينة تم بناؤها لتناسب السير بالسيارات. ومن الناحية الثقافية، قالت الدكتورة حياة إن الناس لن يسمحوا بوجود الكلاب في منازلهم، لذا فلا تتوافر فرصة استخدام الكلاب في الحركة والرؤية.

ومع ذلك، قالت الدكتورة حياة إنها تعلمت في سن مبكرة أن هناك حلولا دوما لجميع المشكلات. لذا، فهي تجعل المدرسين لديها في المدرسة يأخذون الطلاب إلى السوق أو المطار أو حتى قاعة الاجتماعات، لكي يستطيعوا التعلم كيف يسيطرون على مساحتهم الخاصة.. وقالت: «إننا نغرس الاستقلالية».

وتعد الدكتورة حياة، التي لم تتزوج بعد، الابنة الوسطى بين 9 من الأشقاء. وقالت إنها عانت في مرحلة الطفولة المياه الزرقاء على عين واحدة، لكنها استطاعت أن ترى حتى عام 1985، عندما كانت في الصف الخامس الدراسي. وبعد ذلك أصبحت كفيفة. ورفض والدها، خليل حسن نزار، أن يجعلها حبيسة المنزل، كما يفعل كثير من الآباء هنا. وأرادها أن تواصل تعليمها، لذا قام بقراءة الكتب والدروس لها، وسجلها على أجهزة تسجيل لتستخدمها كوسيلة مساعدة في الدراسة. وفي المدرسة الثانوية، ركزت على دراسة الأدب، وكانت العاشرة على فصلها.

ثم استعان والدها بعد ذلك بمدرس خاص لتدريبها على استعمال طريقة برايل. وفي عام 1994، أصبحت طالبة في جامعة قطر، حيث تخصصت في دراسة اللغة العربية. وبعد 4 سنوات، تخرجت في الجامعة، وذهبت لتعمل في التدريس بمعهد النور، وإلقاء «الدروس للآباء الذين لديهم أبناء أكفّاء، لكي يكونوا قادرين على مساعدة أطفالهم على التعامل مع الواجبات المنزلية والحياة». وبكل المقاييس، فإن ذلك يعد في حد ذاته من قصص النجاح.

بيد أن الدكتورة حياة قالت إن من ساعدها على ذلك هي الشيخة موزة بنت ناصر المسند، زوجة أمير قطر، التي شجعتها على مواصلة دراساتها. وقالت إنهما تقابلتا في التخرج من كليتها.

وبالمساعدة المالية التي قدمتها لها الدولة الغنية بالنفط والغاز الطبيعي، سافرت حياة إلى الولايات المتحدة في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2000 لدراسة اللغة الإنجليزية في جامعة بنسلفانيا. وكانت خائفة وحزينة، لكن كان لديها إصرارا وعزيمة.

وقالت: «عندما تعيش في الخارج، يكون جسدك هنا، لكن قلبك في مكان آخر. فالبعد ليس شيئا سهلا، لكن الطريقة التي فكرت بها في الأمر كانت أنني أردت استخدام هذه الخبرة والتعليم لإنقاذ دولتي، ورد جزء إليها مما أدين لها به».

وفي عام 2001، دخلت مدرسة للخريجين في جامعة سان جوزيف في فيلادلفيا. وحصلت على درجة الماجستير في التربية بعد ذلك بعامين. وفي عام 2007 حصلت على درجة الدكتوراه في القيادة التربوية.

ومن الممكن أن يكون التحدث إلى الدكتورة حياة مثل محاولة إبطاء قطار فائق السرعة. إنها بؤرة نشاط وعازمة على تحقيق النجاح وتركز دوما على الرسالة. ولا توجد هناك أي إشارات مرئية لمقاطعتها، أي للإشارة إلى أنه حان وقت التوقف عن الكلام، وقد يكون من الصعب أن تتفوه بكلمة واحدة في الوقت الذي تتحدث فيها عن مدرستها وعن قضيتها.

وقالت إن معهد النور طور أداة خاصة للمساعدة في تعلم طريقة برايل، وهي صندوق بلاستيكي فيه أزرار يتم الضغط عليها لكتابة حروف وأرقام مختلفة. وطورت المدرسة أداة خاصة لتعليم مفاهيم الخرائط، التي قالت إنها من الصعب على نحو خاص فهمها بالنسبة إلى الأطفال. كما تطور المدرسة برنامجا مهنيا، مرة أخرى مع فكرة تشجيع الاستقلالية.

ولا تضع الدكتورة حياة نفسها في مكانة يُنظر إليها على أنها مثل أعلى. وعلى الرغم من أنها فخورة على نحو واضح بالإنجازات التي حققتها، فإنها تصر على أن الفضل في نجاحها واستقلاليتها يرجع إلى دعم الآخرين، وليس إلى أي مجهود خاص.

وكتبت في مقال شخصي عن حياتها: «نظرا إلى الدعم الذي تلقيته أثناء طفولتي، والدعم الذي لا أزال أتلقاه اليوم من أسرتي ودولتي، فإنني أريد مساعدة الآخرين بالطريقة نفسها التي ساعدني الناس بها دوما. أشعر دوما بالامتنان لأسرتي والمدارس التي تعلمت بها والمعلمين والموجهين، ولدولتي».

شاركت في هذا التقرير منى النجار

* خدمة «نيويورك تايمز»