«الشربيل» قاوم الزمن واحتفظ بجاذبيته لدى المرأة المغربية

حذاء أنيق يستعمل كإشارة رمزية للمرأة.. وبعضه يصنع من الحرير

«الشربيل» كما يبدو في رجل سيدة وابنتها (تصوير: عبد اللطيف الصيباري)
TT

«البلغة» أو «الشربيل» حذاء تقليدي مغربي، يعبر عن الأنوثة والبساطة والتشبث بالأصالة، وهو من المقتنيات الضرورية للمرأة سواء كانت تقليدية أو عصرية.

يقول باحثون إن «البلغة» سميت كذلك، لأنها «تبلغ» الإنسان إلى مآربه، و«البلغة» إذا قدمت هدية فإن ذلك يعني أن من قدمها هدية يتمنى للشخص الذي أهديت له طول العمر والوصول إلى تحقيق غاياته في الحياة. أما كلمة «شربيل» فأصلها أندلسي مأخوذة من كلمة serilla لكن تم تحويرها في العامية المغربية لتصبح «شربيل»، وأشهره الفاسي ويليه المراكشي ثم الصويري.

لا يكاد تخلو سوق شعبية أو عصرية في أي مدينة من المدن المغربية من محلات متخصصة في بيع الأحذية التقليدية المغربية الشهيرة بـ«البلغة» بالنسبة إلى الرجال و«الشربيل» بالنسبة إلى النساء، معروضة على واجهة المحلات بطريقة متناسقة وكأنها لوحات تشكيلية. أحذية تثير انتباه السياح بأشكالها الأنيقة وألوانها الجميلة، ولا تستغني عنها أي مغربية، سواء كانت تقليدية أو عصرية. فهو «إكسسوار» ضروري يعبر عن الأنوثة والبساطة والتشبث بالأصالة، مثله مثل الأزياء التقليدية كالقفطان والجلابية.

ويقول محمد، بائع الأحذية التقليدية في مدينة الرباط العتيقة التي تعرف باسم «السويقة»: «يعد الحذاء التقليدي في المغرب وجها من وجوه الحضارة والتقاليد العريقة، حذاء الرجل أي (البلغة)، وأشهرها المصنوعة من الجلد الأصفر، وحذاء المرأة (الشربيل)، ويكون بألوان متعددة، لكن أغلاه ذاك المصنوع من (الصقلي) الحر، وهو خيط للتطريز باللونين الذهبي والفضي، ويصنع يدويا، ويتراوح سعره ما بين 30 و40 دولارا بالنسبة إلى الأشكال العادية، لكن ثمنه قد يصل إلى أكثر من 100 دولار، حسب درجة الإتقان والخامات المستخدمة فيه، وهناك (شربيل) الحرير ويتوافر على جميع الألوان، ويطرز بتطريزات خفيفة. أما النوع الثالث فهو المصنوع من الجلد فقط، ويسمى (بلغة) نسائية».

و«الشربيل» هو أيضا إشارة رمزية للمرأة، فقد كان الرجل إذا أراد التحدث عن امرأة، لا يشير إلى اسمها بشكل صريح، بل يقول «مولاة الشربيل» أي صاحبة «الشربيل»، وهو وصف وقور للمرأة، ذات المكانة الاجتماعية والسمعة الطيبة.

شعراء فن الملحون المغاربة كثيرا ما تغنوا بـ«الشربيل» وصاحبته، وهناك قصيدة مشهورة بعنوان «مولاة الشربيل»، والحذاء كما يقول الأجداد في المغرب هو أصدق ما يعبر عن شخصية الإنسان.

وتعد فاس من أشهر المدن المتخصصة في هذه الحرفة، فهي التي تصدر هذه البضاعة لبقية المدن المغربية، تليها مراكش ثم الصويرة. في حي «السويقة» في الرباط توجد سوق تعرف باسم «سوق السباط» (أي سوق الحذاء) وبها عدة محلات متخصصة في بيع «الشربيل» بجميع أنواعه وأشكاله، حيث تلقى هذه البضاعة إقبالا لا بأس به، خصوصا في مناسبات الأعياد وحفلات الزفاف، محلات يعود تاريخها إلى الحقبة الاستعمارية، وما زالت تتوارثها الأجيال أبا عن جد.وتقول حفيظة العلوي (وهي صاحبة متجر أزياء): «الملابس التقليدية من المكونات الثقافية التي يحرص المغاربة عليها، لارتباطها بالتاريخ والتراث والتقاليد، وهذا الزي التقليدي سمة وإرث وعنوان أهل المغرب، يحرصون على ارتدائه في المنزل والعمل وفي المناسبات، وفي زياراتهم السياحية للخارج، حتى السياسيون ورجال الأعمال الذين تأثروا بالحياة الغربية يحرصون على ارتدائه».

وقالت إن الإعجاب بالزي المغربي لم يقتصر على المغاربة، بل إن العرب والأوروبيين أغرموا به، وأصبح الجلباب والطربوش والقفطان و«الشربيل» من أهم التذكارات التي يحرص السياح على اقتنائها حين يزورون المغرب، بل وأصبحت هذه الأزياء سلعة مطلوبة في أغلب البلدان العربية وفي الخليج وأوروبا.

وتعتبر حفيظة أن الإعجاب بـ«الشربيل» المغربي لا يأتي فقط من كونه زيا تقليديا، بل لأن أشكاله ترضي حاجة الشخص من الرقة والجمال، حيث إنه يمتاز بفخامة التصميم والذوق الرفيع وتنوع أشكال التطريز اليدوي، ومسايرته لخطوط الموضة العالمية. وتشير إلى أهمية «الشربيل» في طاقم الزي التقليدي، وتقول: «إن (الشربيل) يحتل مكانة مهمة عند المغربيات، وله أكثر من رمزية ودلالة، حيث تقضي العادات أن يبعث العريس لعروسه قبل الحفل بأيام بمجموعة من (الشرابيل)، كما أنه يعبر عن المكانة الاجتماعية للمرأة والسمعة الطيبة التي تحظى بها».

وهي ترى أن «شهرة (الشربيل) تستقطب العرب والأجانب، لأن الحرفيين استطاعوا مسايرة العصر، وإبداع أنواع جميلة من الرسوم والتطريز والزخرفة، وقد اشتهرت فاس بصناعة (الشربيل) بحرفية عالية، ويزورها بعض السياح بصفة خاصة، ليشاهدوا صناعة (الشربيل) وبقية الأزياء التقليدية». ويصلح «الشربيل» للاستعمال اليومي في المنزل أو العمل، لأنه مريح، وتفضل أغلبية المغربيات انتعاله في المنزل، وتقول ليلى محماد، وهي موظفة في إحدى الشركات: «(الشربيل) هو الحذاء الوحيد المستعمل في المنزل عند المغربيات، لأنه يتميز بكونه خفيفا ومريحا، ويوجد على أشكال جميلة ومختلفة الألوان والتصميم، إضافة إلى الجودة، حيث إنه مصنوع من الجلد الأصلي، ويريح القدم، ولا يسبب حساسية الجلد».

وهناك أشكال متنوعة من «الشربيل»، أكثرها شهرة هو «الشربيل الفاسي» نسبة إلى فاس، ويصنع يدويا، حيث يستغرق صنع قطعة منه خمسة أيام من العمل المتواصل، ويستعمل في صنعه الجلد الحقيقي، ويزين بخيوط من اللونين الذهبي والفضي، وهناك «شربيل الحرير» الذي لا يستغرق صنعه الكثير من الوقت، لأنه يطرز بتطريزات خفيفة وتمتاز بألوانها الزاهية، كما أن هناك «البلغة النسائية» وهي «شربيل» مصنوع من الجلد فقط، وهناك أيضا «الشربيل البدوي»، ويتميز باللون الأسود والبساطة الشديدة التي تناسب القرية.

ويعتمد في تطريز «الشربيل» على ذوق الصانع، الذي يختار أشكال الأزهار التي يرسمها بعناية، مستعملا ما يناسب التصميم من الخيوط الذهبية أو الفضية أو الحريرية، ويحرص على تنسيق وترتيب ألوانها. وسعر «الشربيل» يختلف من منطقة إلى أخرى في المغرب، حيث يكون ثمنه مرتفعا في المناطق التي تفتقر إلى حرفيين متخصصين في صناعته، كما أن سعره يختلف من نوع إلى آخر، حسب درجة الإتقان والخامات المستخدمة. وتقبل النساء أكثر على «الشربيل الفاسي»، لأنه يمتاز بجودة الصنع والتطريزات الجميلة، كما أنه هو الأغلى ثمنا من بين كل أنواع «الشرابيل».ولم يسلم «الشربيل» المغربي من منافسة «الشربيل» المستورد من الصين، كما هو حال الكثير من المنتوجات التقليدية.