الديون الأوروبية تضفي تعقيدا على تحركات الأموال الصينية

بعد توجه بكين إلى تعزيز استثماراتها في سندات الحكومات الأوروبية

TT

تخلق مشكلات أسواق الديون السيادية الأوروبية الآخذة رقعتها في الاتساع تحديات محتملة للصين، التي عمدت إلى تعزيز استثماراتها في سندات الحكومات الأوروبية وتعتمد على أوروبا كأكبر سوق تصديرية لها.

وتبدو آثار حالة الفوضى الناجمة عن المشكلات الأوروبية واضحة بالفعل في الأسواق المالية، والتي تسببت في خسارة تقدر بعشرات المليارات من الدولارات فيما يتعلق بمخزونات النقد الأجنبي الصينية. وربما تزيد هذه المشكلات تعقيد خطوة صينية متوقعة لكسر الحاجز غير الرسمي المفروض على اليوان الصيني أمام الدولار، حسبما ذكر خبراء اقتصاديون ومصرفيون صينيون وغربيون الخميس.

وعلى الرغم من ذلك، حرص المسؤولون الصينيون بصورة شبه كاملة تجنب التعليق العلني على القضية ويبدون حماسا ضئيلا حيال الاضطلاع بدور مباشر في المفاوضات الدبلوماسية والمالية المعقدة الجارية في وقت تناضل اليونان والبرتغال وإسبانيا للاستجابة لخفض تقدير ديونها السيادية. ومن المحتمل أن يتركز الدور الصيني، حال وجوده من الأساس، على المشاركة كأحد العناصر الكبرى المساهمة في صندوق النقد الدولي، حسبما قال خبراء اقتصاديون ومصرفيون.

من جانبها، أصدرت جيانغ يو، المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الصينية، أول رد فعل صيني رسمي على المشكلات المالية الأوروبية خلال مؤتمر صحافي روتيني عقدته في بكين، مساء الخميس، حيث لمحت إلى تفضيل الصين مراقبة التطورات عن بعد.

وقالت: «نأمل في إمكانية تسوية القضية على نحو مرضي، وأن تتمكن الدول المتأثرة بالأزمة سريعا من النهوض من عثرتها واستعادة نشاطها الاقتصادي».

مع توافر مخزونات من النقد الأجنبي تبلغ 2.4 تريليون دولار لديها، تتمتع الصين بنقد يمكن توجيهه للمساعدات المالية أكثر من أي جهة أخرى حتى صندوق النقد الدولي ذاته. إلا أن المصرف المركزي (بنك الصين الشعبي)، الذي يتولى الإشراف على الاحتياطيات السيادية، تمسك بحذر شديد إزاء توجيه هذه الأموال على نحو مباشر كاستثمارات واضحة في اقتصاديات مضطربة. وعمد المصرف بصورة أساسية لتجنب ذلك الأمر حتى في خضم الأزمة المالية العالمية في أواخر عام 2008 ومطلع عام 2009.

وفضلت الحكومة الصينية العمل من خلال صندوق النقد الدولي الذي تميل بكين للنظر إليه باعتباره يتسم بمخاطرة ائتمانية أفضل وأقل حساسية من الناحية السياسية عن الكثير من الدول الفردية.

يذكر أن نصيب الصين من النقد الموجه إلى أسهم الصندوق، والمعروف باسم الحصة، تضاعف تقريبا منذ الأزمة المالية الآسيوية عامي 1997 و1998، ليصل إلى 12.2 مليار دولار. ووافق مجلس إدارة صندوق النقد الدولي على زيادة أخرى قريبا، الأمر الذي سيرفع نصيب بكين في المنظمة الدولية إلى 4%، بدلا من 3.72% حاليا.

وتعد الصين بالفعل أكبر رابع مالك لحقوق الحصص داخل صندوق النقد الدولي، بعد الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وتبلغ حصتها 32.4%، والولايات المتحدة، بحصة تقدر بـ17.1%، وتكتل آسيوي غير رسمي بقيادة اليابان، بحصة تصل إلى 11.5%.

ووافقت الصين في سبتمبر (أيلول) الماضي على شراء سندات بقيمة تصل إلى 50 مليار دولار صادرة عن الصندوق لمساعدة هذه المنظمة الدولية على تعزيز قدرتها على الإقراض، وذلك في أول اتفاق من نوعه يقره صندوق النقد الدولي.

اعترافا بالنفوذ الصيني المتنامي، اختير زهو مين، نائب محافظ «بنك الصين الشعبي»، في 24 فبراير (شباط)، مستشارا خاصا لمدير صندوق النقد الدولي الإداري، دومينيك ستراوس كاهن، ومن المقرر أن يبدأ مهام عمله 3 مايو (أيار).

إلا أن بكين حرصت على تجنب استغلال نفوذها علانية، التزاما بالمبدأ الذي تقوم عليه سياستها الخارجية وهو السعي لتحقيق «نهوض سلمي» فيما يخص الدور الصيني في العالم.

في هذا الصدد، أعرب إسوار براساد، الرئيس السابق لدائرة الصين داخل صندوق النقد الدولي، عن اعتقاده بأنه «من غير المحتمل أن تتولى الصين دورا رائدا في صياغة شروط برنامج المساعدات الخاص بصندوق النقد الدولي الموجه لليونان. من مصلحة الصين أن تستقر الأوضاع في أوروبا باعتبار الأخيرة أهم سوق صادرات لها. ومن المحتمل أن يساند الصينيون أي قدر من المساعدات وأي أنماط من المساعدات يعتقد الصندوق أنها الأكثر احتمالا لأن تحقق هذا الهدف المنشود».

الواضح أن بكين تتعامل بحذر بالغ مع تفاصيل أي توجيه أموال من مخزوناتها النقدية. ويقدر مصرفيون غربيون أن نحو 70% من الاحتياطيات الصينية يجري استثمارها في أصول مسماة بالدولار، على رأسها أوراق وسندات وزارة الخزانة، وما بين 20% و25% مستثمرة في أصول مسماة باليورو، مع توجيه الباقي لاستثمارات بالجنيه الإسترليني والين الياباني وعملات أخرى.

كان المسؤولون الصينيون قد سعوا لإيجاد سبل آمنة لاستثمار المدخرات الوطنية الضخمة بالخارج، وبدت السندات الحكومية المسماة باليورو حتى وقت قريب للغاية بديلا جذابا لسندات الخزانة، حسبما أوضح يو يونغدنغ، العضو السابق بلجنة السياسة النقدية داخل «بنك الصين الشعبي».

وأضاف يو، الذي يتولى منصب مدير شؤون الاقتصاديات والسياسات العالمية لدى «الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية»، وهي كيان استشاري لمجلس الوزراء الصيني: «الصين بحاجة إلى أسواق مالية آمنة ذات عمق وسيولة».

بل وأعرب وين جياباو، رئيس الوزراء، علانية العام الماضي عن قلقه حيال تفاقم العجز بالميزانية الأميركية ومدى قدرة الولايات المتحدة على حماية القوة الشرائية للأموال الصينية المستثمرة في سندات الخزانة.

كان «بنك الصين الشعبي» قد عمل على تمويل احتياطيات النقد الأجنبي الوطنية الهائلة من خلال اقتراض أموال محليا، وذلك من النظام المصرفي المملوك للدولة بصورة أساسية، وشكلت إمكانية وقوع خسائر بخصوص هذه الاحتياطيات قضية حساسة تفرض عليها رقابة مستمرة حال ظهورها في منتديات المناقشة الصينية على شبكة الإنترنت.

بيد أن أي خسائر في الاستثمارات الموجهة لأوروبا من المحتمل أن تكون متواضعة مقارنة بإجمالي الاحتياطيات الصينية، مما يحول دون اتساع رقعة مشكلة العجز عن سداد الديون لباقي أرجاء أوروبا.

يذكر أن اليورو فقد عشر قيمته أمام الدولار في الأسابيع الأخيرة، لكن 10 النسبة المتراوحة بين 20% و25% من المحفظة المستثمرة في اليورو لا تزال تفرز خسارة تتراوح بين 2% و2.5% فقط من مجمل المحفظة.

نظرا لأن العملة الصينية (اليوان) مفروض عليها على نحو غير رسمي البقاء عند مستوى يبلغ نحو 6.83 للدولار، فإن تراجع اليورو أمام الدولار يعني حدوث تراجع أمام اليوان الصيني أيضا. ومن شأن ذلك زيادة أسعار السلع الصينية في أوروبا.

في هذا السياق، قال وو تشياوزهان، مدير شؤون المبيعات لدى «شركة يوو ديزا للحلي والأحزمة»، ومقرها مدينة يوو، في شرق وسط الصين: «تراجع قيمة اليورو أثر بالفعل على نشاطنا التجاري، نظرا لأن أوروبا تشكل 80% من مجمل نشاطاتنا ونتقاضى يورو من عملائنا. إنهم عملاء طويلو الأمد، وحتى هذه اللحظة لم نفكر في رفع الأسعار أو التحول إلى عملة أخرى. لا نزال نتحمل الخسائر على كاهلنا حتى الآن».

من ناحيتهم، عكف القادة الصينيون على الاستعداد لكسر الارتباط بين اليوان والدولار نزرا لأن الإبقاء عليها تسبب في تقليص قدرتهم على السيطرة على فقاعات المضاربة على صعيد الاقتصاد الصيني. كما تسبب ذلك في تراكم احتياطيات نقد أجنبي هائلة عبر التدخل في سوق العملات.

* خدمة «نيويورك تايمز»