محكمة أميركية تقايض عمر خضر: الاعتراف مقابل حكم مخفف

«المحققة الأم»: تعاون معنا وقدم معلومات عن «القاعدة» أملا في العودة إلى بلاده

عمر خضر
TT

قالت محققة لمحكمة جرائم الحرب الأميركية أمس إن عمر خضر السجين في معسكر غوانتانامو تحدث إليها بسعادة ظنا منه أن التعاون معها سيسهم في الإسراع بعودته إلى بلده كندا. ويحاول محامو الدفاع أن يقنعوا قاضيا عسكريا بأن خضر عذب بالمخالفة للقانون لإجباره على الاعتراف وأن أقواله للمحققين يجب أن تحجب عن المحكمة. ومن المقرر أن يحاكم خضر المولود في تورونتو، وعمره الآن 23 عاما، في يوليو (تموز) بتهمة قتل جندي أميركي بقنبلة يدوية خلال معركة في أفغانستان والتآمر مع «القاعدة» واستهداف قوات أميركية بقنابل مزروعة على الطرق. وهو أصغر محتجز بين المعتقلين المشتبه بضلوعهم في الإرهاب، في خليج غوانتانامو الأميركي بكوبا وعددهم 183. وكان خضر يبلغ من العمر 15 عاما عندما ألقي القبض عليه وسيكون أول شخص يمثل أمام محكمة أميركية لجرائم الحرب بسبب مزاعم عن أفعال ارتكبها وهو حدث. وقال محقق سابق في البحرية استجوب خضر أكثر من عشر مرات في غوانتانامو في أواخر 2002 إنه لم يحدث إكراه. وشهدت المحققة التي عرفت في المحكمة على أنها «العميل رقم 11» بأن خضر أجاب عن أسئلتها وقدم معلومات لأنه «فهم أنه إذا أبدى تعاونا فسيسرع ذلك بإعادته إلى كندا»، وبدلا من ذلك اتهمته الولايات المتحدة بارتكاب جرائم حرب وهو اتهام من شأنه أن يبقيه في سجن غوانتانامو طيلة حياته.

وقالت «العميل رقم 11» إن خضر كان مراهقا ذكيا ودودا ودائما ما كان يأتي إلى قاعة المحاكمة والابتسامة تعلو وجهه ويتحدث من دون تحفظ عن المعركة التي اعتقل فيها وعن والده ووصفه بأنه أحد ممولي «القاعدة». ونقلت عن خضر قوله لها: «أفضل أن أكون في حجرة الاستجواب معك عن وجودي في الزنزانة في حالة ملل». وقالت العميلة، وهي امرأة سمراء ذات شخصية جذابة في منتصف الثلاثينات، على ما يبدو إن رئيس فريقها اختارها لاستجواب خضر «لأنه اعتقد أنني سأمثل شخصية الأم بالنسبة له وإنه سيروي لي الأحداث بطريقة أفضل»، وعندما قال محامي الدفاع العسكري إنها لم تبد كشخصية الأم قبل 8 سنوات، ردت بالقول: «لقد كان عمر 16 فقط، لذلك كان من الممكن أن ينجح ذلك». وقالت «رقم 11» إنها أحضرت حلوى وكعكا خلال جلساتها مع خضر لإقامة جسور من الألفة بينهما لكن خضر لم يحصل مطلقا على وعود بالحرية مقابل الإجابة عن الأسئلة. إلى ذلك، قال مسؤولون أميركيون أمس إن المحكمة العسكرية في قاعدة غوانتانامو التي تحاكم الكندي عمر خضر تريد إقناعه بالاعتراف مقابل إصدار حكم مخفف عليه. وإن الهدف هو تحاشي محاكمة طويلة تلفت الأنظار أكثر إلى أن «العسكريين الأميركيين يحاكمون مسلما قاصرا».

في سنة 2002، اعتقلت القوات الأميركية في أفغانستان خضر، وكان عمره 15 سنة، بتهمة قتل جندي أميركي هناك. وفي وقت لاحق، أضيفت تهم أخرى؛ من بينها محاولة قتل آخرين، أميركيين وغير أميركيين، عسكريين ومدنيين. وقالت صحيفة «واشنطن بوست» إن العسكريين الأميركيين لاحظوا أن محاكمة خضر أثارت اهتماما كبيرا في العالم، خاصة في العالم الإسلامي، وبشكل أخص في وطنه كندا. وإن العسكريين الأميركيين يخشون أن محاكمة مطولة ستزيد الاهتمام، وستعطي صورة سلبية لهم وللمحكمة العسكرية في غوانتانامو. وقالت صحيفة «تورنتو ستار»، التي تصدر في كندا، أول من أمس، التي تتابع موضوع خضر متابعة مكثفة، إن خضر رفض الاعتراف مقابل الحكم عليه بالسجن خمس سنوات، وإنه، عن طريق محاميه، قدم طلبا للمحكمة العسكرية بإطلاق سراحه، وإعادته إلى كندا مقابل أن تشرف الحكومة الكندية على مراقبته ومتابعته.

وقال مراقبون في واشنطن إن الحملة القوية المؤيدة لخضر في وسائل إعلام إسلامية وكندية، خاصة في الإنترنت، تسبب إحراجا لإدارة الرئيس أوباما، وإن وصف «تشايلد سولجر» (جندي طفل) الذي يوصف به خضر يهدد بتحويل المحاكمة إلى خرق ليس فقط لحقوق الإنسان، ولكن، أيضا، لحقوق الأطفال.

ويزيد إحراج إدارة أوباما لأن هذه أول محاكمة عسكرية تجرى بعد نهاية إدارة الرئيس بوش. وكان أوباما، خلال حملته الانتخابية، قال إنه سيغلق سجن غوانتانامو، وسيقدم المعتقلين فيه إلى محاكم مدنية. لكن، بسبب ضغوط سياسية، خاصة المعارضة من جانب قادة الحزب الجمهوري في الكونغرس، لم يقدر على تنفيذ ذلك. وأخيرا، قال إن المعتقلين ربما سيقدمون إلى محاكم عسكرية، وإن سجن غوانتانامو ربما لن يغلق قريبا. في سنة 2005، خلال إدارة الرئيس بوش، وجهت محكمة عسكرية في غوانتانامو تهمة القتل لخضر. وبدأت إجراءات محاكمته، حتى أوقفها الرئيس أوباما بعد أن فاز في انتخابات سنة 2008. ثم، في سنة 2009، عندما غير أوباما رأيه، استؤنفت إجراءات المحاكمة. واهتم الصحافيون الذين يتابعون المحاكمة في غوانتانامو بعسكرية أميركية «العميلة رقم 11»، وسماها بعضهم «المحققة الأم». وهذه المحققة العسكرية الأميركية اشتركت في التحقيق مع خضر، وقالت إنه قدم معلومات كثيرة عن طالبان وعن «القاعدة»، وإنه تعاون معها لأنها عاملته وكأنها «أمه». وكانت تقدم له شوكولاته، وتسمح له بمشاهدة أفلام الكارتون في التلفزيون. وقالت إن خضر قدم المعلومات لأنه كان يعتقد أن ذلك سيسهل إطلاق سراحه وعودته إلى كندا.

غير أن محامي خضر، عندما استجوب «المحققة الأم»، قال إنها اختيرت ليس لأنها يمكن أن تقوم بدور «أم»، ولكن لأنها أنثى، وأن الهدف كان إغراء خضر جنسيا لتشجيعه لتقديم معلومات أكثر. لكن «المحققة الأم» نفت هذا الاتهام، على الرغم من أنها كانت في العشرينات من عمرها عندما استجوبت خضر. وقالت إن خضر قال إنه حمد الله لأن القوات الأميركية «أنقذته» في أفغانستان، وإنه وصف تلك القوات بأنها كانت مثل «ملائكة بيضاء»، وإنه قال لها إنه يفضل الجلوس معها على الجلوس وحيدا في زنزانته.

ورفض العسكريون في غوانتانامو طلبات صحافيين بمقابلتها، وقدموها إلى المحكمة كشاهدة تحت حراسة مشددة، ومنعوا التقاط صور لها.