تقاليد الزفاف في البلقان.. تنوع تشكله الأقاليم

«في أمان الله يا شريفة».. قصة بلقانية أصبحت مضرب مثل

يجسد الزواج في البلقان لا سيما في أوساط المسلمين نوعا من التكافل الاجتماعي حيث تقدم الهدايا للعروسين بشكل فردي يتمثل في هدايا متفاوتة القيمة كالساعات والعطور وكتب الأسرة أو المصاحف وسجادات الصلاة والمسابح («الشرق الأوسط»)
TT

تُعتبر تقاليد الزفاف لدى مختلف الشعوب، إلى جانب الطعام، من أكثر السمات الثقافية التي تميزها عن غيرها، وتمثل إثراء عظيما للاجتماع البشري. وفي البلقان تتميز تقاليد الزفاف بالجدية، إذ إنها مرحلة حاسمة في تاريخ الزوجين، أو هكذا يُنظر إليها في المخزون الشعبي، رغم التغييرات التي طرأت على أنماط التفكير والسلوك الاجتماعي بهذا الخصوص. إذ إن العلاقة بين الرجل والمرأة وتحديدا الأزواج، تظهر من خلال الميول الفطرية منذ الصغر، كنوع الألعاب، إذ تميل الفتيات إلى العرائس، والفتيان إلى أدوات العمل والسلاح، ويشتركان في لعب كرة السلة، وكرة اليد، وكرة الطائرة، وكذلك الأغاني التي يغنيها الشباب من الجنسين قبل الزواج. وتتحدث إحدى الأغاني التي ترددها الفتيات قبل الزواج بـ«تمنع» (حسب الأغنية) عن الدور الذي ينتظرها في البيت، من غسيل، وطبخ، بل العلاقة الحميمية بين الأزواج، وإن كان بشكل خادش قليلا. ولذلك لا تغنى تلك الكلمات سوى بين الفتيات، في بيئات معينة، والويل كل الويل لمن تقع متلبسة بتلك الأغنية من قِبل أحد أفراد أسرتها كالأب أو الأخ والأهل المقربين. وغالبا ما لا تشعر الفتاة بمدلول تلك الكلمات التي لا يُعرف من كتبها، ولا كيف تسربت إلى خدور العذارى. وتقول أغنية أخرى «عصفوران على الشجرة، عصفور يغني وعصفورة تتبختر، كذلك سنكون نحن عندما نكبر». وهكذا نجد الطبيعة، والعرف الاجتماعي يهيئان الفتاة والشاب منذ الصغر للزواج.

ويجسد الزواج في البلقان لا سيما في أوساط المسلمين نوعا من التكافل الاجتماعي، حيث تقدم الهدايا للعروسين بشكل فردي، وتتمثل في هدايا متفاوتة القيمة كالساعات، والعطور، وكتب الأسرة، أو المصاحف وسجادات الصلاة والمسابح. أو جماعية مثل اشتراك عدد من الأصدقاء في شراء غرفة النوم للعروسين، ومجموعة أخرى تشتري لهما الثلاجة، وثالثة الغسالة، أو أدوات المطبخ، وأحيانا يقوم فرد بشراء واحدة من تلك اللوازم أو أكثر، لا سيما إذا كان العريس فقيرا.

وتمثل الدراسة، والعمل، إلى جانب الجوار في السكن، والتعارف عن طريق الأصدقاء والأقارب، وسائل للتعارف، وكثيرا ما يكون التعارف بإعطاء هاتف الفتاة للشاب الراغب في الزواج، فيتصل بها ويلتقيان فتنتهي تلك العلاقة بالزواج، أو الفراق الفوري، أو بعد فترة يشعر فيها أحد الطرفين بأنه لم يعثر على الشخص المناسب، بعد اكتشاف ما لم يكن في حسبانه.

لا يوجد في تقاليد الزواج حاليا في البلقان، ما يختلف فيه عن المناطق في العالم، اللباس الأبيض، وركوب العربات التي تجرها الخيول، أحيانا، أو السيارات البيضاء ذات العجلات الست. وانقرضت بعض المظاهر التي كانت سائدة عند الكاثوليك والبروتستانت المتمثلة في إغماض عين الزوجة عند نقلها من بيت أبيها إلى منزل زوجها، وذلك «حتى لا تعرف العودة إلى بيت أسرتها» في كناية عن الانتقال الأبدي، والارتباط الذي لا ينقطع إلا بالموت. ولكن ذلك كان في عهد مضى وولّى، وذهب بعد انقراض «حزام العفة» الذي كان سائدا في أوروبا، الذي كان الجندي يُلبِسه زوجته (كما الختم) عند مغادرة البيت حتى لا تخونه، وعندما يعود يفتحه من جديد، أما إذا توُفّي فلا ينزعه سوى الحدادين.

يذكر بعض الكهول أن النمط السائد في علاقة الشباب بالفتيات حاليا، لم يكن موجودا قبل عدة عقود، رغم سقوط المنطقة في يد الاحتلال النسماوي الهنغاري 1878/1919. ومن ثم الهيمنة الصربية الكرواتية السلوفينية، ثم الممالك المحلية ومنها مملكة يوغسلافيا 1919/1945 ثم يوغسلافيا الاتحادية، والأنظمة الاشتراكية الأخرى في بلغاريا، ورومانيا، وألبانيا وغيرها 1945/1990. لكنهم يعترفون بأن تلك الأنظمة أحدثت كثيرا من الخروق في البنية الثقافية التي كانت سائدة آنذاك بدرجات متفاوتة بين الأقاليم.

وقال عاصم نقاش - 62 سنة - إنه لم يكن مسموحا له الخروج مع خطيبته، ولا الحديث معها بشكل مباشر، فكان ينتظر الليل ثم يأخذ سلما ويضعه على كتفه ويسير به مسافة 8 كيلومترات، فيضعه على الحائط ليصعد إلى نافذة غرفة خطيبته ليتحدث معها وهو على السلم، وهي من داخل الغرفة عبر النافذة، ويتابع: «استمر الحال هكذا عدة أشهر، حتى شعرت أمها بالأمر عند دخول غرفة خطيبتي التي هي الآن زوجتي، فأسرعت بالنزول، وأخذت السلم وهربت، وفي الصباح جاءت إلى بيتنا لتخبر عائلتي بما حدث وبوجوب الإسراع في إجراءات الزواج قبل أن يتحول الأمر إلى كارثة». وقال شمس الدين الذين تزوج قبل 4 أشهر أنه كان في بيت أهل زوجته عندما كانا مخطوبين، وذكروا له كيف كان ممنوعا على الخطيب دخول بين الخطيبة في أثناء الخطبة، والخروج معها قبل الزواج، وأن المسموح به فقط الحديث عبر النافذة، هو من الخارج وهي من الداخل، فتساءل مازحا: «حتى إذا كان المطر ينزل مدرارا»، فقالوا «حتى لو كان ينزل مثل القِرَب».

ومن القصص التي بقيت موروثا شعبيا، ومضرب الأمثال في البلقان، قصة شاب عُرض عليه الزواج بفتاة، تُدعى «شريفة» بشرط أن لا يراها سوى ليلة الزفاف، وقد وافق على مضض، وفي ليلة الزفاف نظر إلى حيث تجلس النساء فقال في نفسه إن أجملهن لا بد أن تكون «شريفة»، لكن تلك الفتاة الجميلة ما لبثت أن وقفت ومعها أخريات قائلة لفتاة لم يتبينها: «في أمان الله يا شريفة» فأعاد النظر ووقع نظره على أجمل الفتيات في الحفل قائلا: «هذه شريفة»، لكنها فعلت مثل سابقاتها، وهكذا كلما اختار واحدة قامت وتركته في حيرته يختار أجمل من بقي من الفتيات حتى لم يبقَ سوى 4 فتيات، فنظر إلى أجملهن وقال: «هذه شريفة»، لكنها قامت مع أخريات تاركة فتاة دميمة رددن في أثناء وداعها «في أمان الله يا شريفة»، فنظر إليها وأشار إليها ملوحا بيده ورفع عقيرته كالمصدوم: «في أمان الله يا شريفة». وقد أصبح هذا القول تعبيرا عن الرفض وعدم القبول والاستغناء عن الآخر.

لكن الوضع مختلف الآن فقد أصبح الزوجان يلتقيان في أثناء فترة الخطوبة، فيجلسان في المقاهي ويتناولان الطعام في الخارج، وعندما يتفقان على موعد الزفاف تستعد العائلتان في الغالب، وقل أن يتم الزفاف دون حضورهما أو حضور إحدى الأسرتين فقط، فتذهب عائلة العريس إلى عائلة العروس، مع المدعوين حيث يتناولون الطعام، ويقلدون المدعوين أوسمة الزفاف، وعلى المدعوين دفع مبلغ مالي يتراوح بين 10 و50 يورو لفائدة العروس. ثم يذهبون إلى إمام المسجد ليسجل لهما العقد الشرعي، قبل التوجه إلى البلدية لتسجيل القران في سجلات الدولة، وبعدها يتوجه الجميع إلى بيت العريس أو مطعم ليتناول الطعام، حيث يقضي الجميع بقية حفلة الزفاف. ولا يبقى سوى أفراد العائلتين فيسهرون حتى ساعة متأخرة من الليل أو حتى الصباح ثم يعود كل إلى بيته بما في ذلك العروسان.