أردوغان يتوجه إلى طهران وسط تفاؤل حذر بنجاح مفاوضات التبادل النووي

خامنئي: أميركا غاضبة من تقارب الدول المستقلة.. ولا بد من نظام دولي «غير عمودي»

الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد خلال استقباله ضيفه البرازيلي لولا دا سيلفا في القصر الرئاسي بطهران أمس (إ ب أ)
TT

أعلن مسؤول حكومي تركي أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان سيتوجه لإيران ليل أمس للمشاركة في المباحثات حول صفقة التبادل النووي مع المسؤولين الإيرانيين والأتراك والرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا. ويعد الإعلان التركي أول بادرة أمل في أن المفاوضات النووية مع طهران قد تؤدي إلى نتيجة إيجابية، وكان رئيس الوزراء التركي بانتظار إشارة خضراء من وزير خارجيته أحمد داود أوغلو الموجود حاليا في طهران الذي بحث صفقة التبادل النووي مع وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي. وقال مسؤول مطلع بالخارجية التركية لـ«الشرق الأوسط»: «إن الإشارات من إيران إيجابية وأردوغان قرر المشاركة في المفاوضات لدفعها في الاتجاه المرغوب»، رافضا الدخول في تفاصيل، فيما قالت وكالة «الأناضول» التركية للأنباء إن أردوغان أعلن أنه سيرجئ إلى مساء اليوم زيارة له كانت مقررة إلى أذربيجان، للتمكن من التوجه إلى طهران. وقال أردوغان خلال لقاء عام في أزمير، غرب تركيا على البحر المتوسط «من أزمير سنتوجه إلى إيران وغدا إلى أذربيجان ومنها إلى جورجيا وإسبانيا» دون تفاصيل.

إلا أن قنوات تلفزيونية تركية قالت إن تركيا قد تكون هي المحطة التي قبلت طهران أن تستضيف 1200 كيلوغرام من اليورانيوم منخفض التخصيب، موضحة أن أردوغان قرر الذهاب إلى طهران بعد أن تضمنت مسودة الاتفاق النووي احتمال أن تكون تركيا المكان الذي تجري فيه مبادلة الوقود، وليس فرنسا أو روسيا.

وفيما لم يصدر أي تأكيد إيراني رسمي حول موافقة طهران أخيرا على نقل مخزونها من اليورانيوم إلى الخارج لطمأنة المجتمع الدولي إلى نواياها، اعتبر المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية رامين مهمان بارست إن حضور رئيس الوزراء التركي إلى طهران إشارة إلى «تقدم في المفاوضات». قال مهمان بارست لقناة «العالم» الإيرانية الناطقة بالعربية إن «حضور السيد أردوغان واشتراكه في المفاوضات علامة على وجود تقدم في المفاوضات النووية».

وكانت أوساط الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا قد قالت أمس، إن الرئيس البرازيلي لا يزال «متفائلا» بإيجاد مخرج للأزمة النووية الإيرانية إثر محادثات بدأها في طهران. وقال مسؤول برازيلي لوكالة الصحافة الفرنسية رافضا كشف هويته إن «الرئيس لا يزال متفائلا حيال المحادثات حول الملف النووي». وأضاف أن «المفاوضات مستمرة وينبغي الانتظار حتى نهاية المحادثات الاثنين»، اليوم، قبل تقييم ما أسفرت عنه الوساطة التي تقوم بها البرازيل وتركيا بين إيران والدول الكبرى. عقد لولا صباح أمس محادثات مع نظيره الإيراني محمود أحمدي نجاد، واستقبله أيضا المرشد الأعلى لإيران آية الله علي خامنئي، من دون أن تتطرق البيانات الرسمية إلى المحادثات النووية. والإشارة الوحيدة إلى الملف النووي صدرت من الموقع الإلكتروني للرئاسة الإيرانية التي قالت إن أحمدي نجاد «شكر» للولا «دفاعه عن حق الأمة الإيرانية ومواقفها لإصلاح النظام العالمي». وأضاف أحمدي نجاد أن «الحقيقة هي أن بعض الدول التي تهيمن على المراكز الإعلامية والاقتصادية والسياسية في العالم لا تريد للدول الأخرى أن تتقدم. ولكن معا، نستطيع التغلب على هذه الظروف غير المنصفة ونحدث التغييرات». ورغم هذا التكتم الرسمي، أكد مصدر قريب من المفاوضات أنه تم بحث المسألة النووية، لافتا إلى أن هذه القضية هي «أحد الملفات المهمة» لزيارة الرئيس البرازيلي لطهران.

ونقل التلفزيون الحكومي الإيراني عن خامنئي قوله أمس بعد استقباله الرئيس البرازيلي «تشعر أميركا بالغضب إزاء تقارب الدول المستقلة مثل إيران والبرازيل.. هذا هو السبب في الضجيج الذي أثاروه قبل زيارتكم (دا سيلفا)، إلى إيران». كما أکد خامنئي أن «السبيل الوحيدة لتغيير الظروف غير العادلة في العالم هي التعاون وتطوير العلاقات بين الحكومات المستقلة»، موضحا: «البرازيل خلال الأعوام الأخيرة تختلف كثيرا عن البرازيل السابقة.. إن البرازيل دولة کبيرة ومؤثرة في قضايا أميرکا اللاتينية والقضايا الدولية، وإن مواقف الحكومة البرازيلية في الأعوام الأخيرة مستقلة وفي الجهة المقابلة لمواقف أميرکا».

وتابع المرشد الأعلى لإيران: «القوى الكبرى قامت بتعريف علاقات عمودية للعالم تترأسها قوة کبرى. هذه العلاقات لا بد أن تتغير وأن تغييرها ممكن.. إننا نعتقد أن الكثير من البلدان التي تم تهميشها خلال المائتي عام الماضية بسبب سياسات القوى الاستعمارية بإمكانها أن تقوم بدورها».

بدوره أكد الرئيس البرازيلي لخامنئي أن الظروف العالمية تغيرت، ولذلك فإن الأمم المتحدة بحاجة للتغيير على أساس هذه التطورات، موضحا: أنه في السنوات الأخيرة، ظهرت دول مهمة في المشهد الجيوسياسي بالعالم بما في ذلك إيران، وهذه الدول بإمكانها العمل جنبا إلى جنب لتفعيل قطب سياسي اقتصادي جديد، وذلك حسبما ذكرت وكالة «إرنا» الرسمية الإيرانية.

وكان الملف النووي في صلب المحادثات التي أجراها أمس وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي مع نظيريه البرازيلي سيلسو اموريم والتركي أحمد داود أوغلو. ووصل داود أوغلو أمس إلى طهران تلبية لدعوة متقي للمشاركة في المفاوضات حول الملف النووي.

واعتبرت الولاي ت المتحدة وروسيا أن هذه الوساطة هي بمثابة «الفرصة الأخيرة» لبلوغ حل دبلوماسي، فيما تبحث الدول الكبرى مشروعا لفرض عقوبات جديدة على إيران التي تتهمها الدول الغربية بالسعي إلى حيازة سلاح نووي. وكانت الدول الكبرى عرضت على إيران في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي تسليمها 70% من اليورانيوم الضعيف التخصيب الذي تملكه لتحويله إلى وقود عالي التخصيب تحتاجه لمفاعلها الخاص بالأبحاث الطبية في طهران. لكن طهران رفضت العرض بذريعة نقص «الثقة»، وهي تطالب «بإجراء تبادل متزامن للوقود بكميات صغيرة على الأراضي الإيرانية». الأمر الذي رفضته القوى الكبرى.

لكن وفي بادرة يمكن تفسيرها على أنها إما تنازلا إيرانيا نسبيا وإما مماطلة لإضاعة مزيد من الوقت، أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية أنه تم التوصل إلى «تفاهم» في شأن البرنامج الزمني لتبادل الوقود النووي وكمية هذا الوقود، لافتا إلى أن إيران «مستعدة لبحث مكان التبادل».

وقال رامين مهمان باراست «إن الأرضية مهيأة للتوصل إلى اتفاق حول صفقة تبادل الوقود النووي وتوقيتها، ويمكن التفاوض على المكان مقابل ضمانات عينية، وأوضح أن هناك 3 مواضيع فيما يتعلق بموضوع التبادل النووي أولها حجم تبادل الوقود والنقطة الثانية التزامن في تبادل الوقود، والنقطة الثالثة مكان تبادل الوقود».

وأضاف أنه تم التفاهم فيما يتعلق بحجم تبادل الوقود إما فيما يخص المكان، وهي نقطة الخلاف الأساسية، فقد أعرب عن اعتقاده بأن المهم بالنسبة لإيران «هو وجود ضمانات كافية بأن تتبلور هذه العملية». وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية «أما بالنسبة للمقترحات التي قدمت للطرفين يجب أن نحصل على ضمانات كافية وثقة كاملة ونحن متفائلون بأن هذا سيحدث» دون أن يعطي مزيدا من الإيضاحات.

وتأتي جهود الوساطة الدبلوماسية في ملف إيران النووي عشية قمة في طهران لمجموعة دول عدم الانحياز. وتقول إيران إن قادة ومسؤولين كبارا من 17 دولة من آسيا وأفريقيا وأميركا الجنوبية سيحضرون الاجتماع لتطوير تعاون اقتصادي بين الدول النامية.

وقالت وكالة «فارس» إن الرئيس الإيراني تبادل في اتصال هاتفي مع أمير قطر وجهات النظر حول أهم القضايا التي تهم البلدين والمنطقة. وقد دعت طهران كلا من سورية وقطر للمشاركة في الاجتماع، إلا أن قطر اعتذرت عن المشاركة. ونقلت «فارس» عن مكتب أحمدي نجاد قوله إنه بحث في اتصال هاتفي مع أمير قطر العلاقات الثنائية بين البلدين، موضحا أن العلاقات التي تحكم إيران وقطر متينة ومتجذرة وهو ما لا يعود بالنفع على الشعبين فقط، وإنما يصب في مصلحة المنطقة عبر الدور المؤثر في إيجاد الأمن فيها.

من جهته أكد أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، المشتركات التي تربط البلدين، حيث قال بأن قطر لها الكثير من وجهات النظر المشتركة فيما يختص بالبلدين والمنطقة. كما أعرب أمير قطر، كما نقلت وكالة «فارس»، عن أسفه لعدم حضور اجتماع طهران بسبب ظروف العمل، لكنه تمنى أيضا أن يخرج هذا الاجتماع بنتائج فاعلة.

ومجموعة الـ15 انبثقت عن مجموعة عدم الانحياز في قمة بلغراد التي انعقدت في 1989 وکانت تضم آنذاك 15 دولة هي: إيران والهند وإندونيسيا وماليزيا وسريلانكا من قارة آسيا، والجزائر وکينيا ومصر ونيجيريا وزيمبابوي والسنغال من قارة أفريقيا، وفنزويلا والمكسيك وکولومبيا والبيرو من أميرکا اللاتينية، قبل أن تلتحق بالمجموعة 4 دول أخرى ليصبح العدد 19، إلا أن المجموعة ظلت تحتفظ باسم مجموعة الـ15. وهي تهدف إلى التشاور والتنسيق في سياسات مشترکة بين الدول الأعضاء. وکانت إيران قد أعلنت قبيل عقد الاجتماع أنها أعدت «خارطة طريق» لتنمية التعاون الشامل بين الدول النامية لتنشيط مجالات الاستثمار والتجارة والتكنولوجيا. وتسلمت إيران رئاسة المجموعة في قمة عدم الانحياز عام 2006 فيما ستتولى سريلانكا الرئاسة القادمة للمجموعة.