الفلسطينيون يقاطعون منتجات مستوطنة معالي أدوميم في الضفة الغربية

17 شركة فيها أغلقت أبوابها.. وميريدور يتساءل: هل هم راغبون في شراكة أم في النضال؟

TT

شهدت المنطقة الصناعية الواقعة في معالي أدوميم، المستوطنة اليهودية في الضفة الغربية، إغلاق ما لا يقل عن 17 شركة منذ أن بدأ الفلسطينيون مقاطعة منتجاتها قبل عدة أشهر. ويقول آفي إلكايام، الذي يمثل مالكي مصانع المستوطنة البالغ عددهم 300، إن الإسرائيليين يرون في ذلك موقفا لا يحتمل، بينما يعتقد الفلسطينيون أن تلك ربما تكون الاستراتيجية التي كانوا يبحثون عنها. فعلى مدى أكثر من 40 عاما سعى الفلسطينيون إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة دولتهم. ويرى الفلسطينيون في نجاح مقاطعتهم دليلا على أن الحملة التي تركز على الاحتجاج السلمي بديلا عن العنف المسلح يمكن أن تسفر أخيرا عن بعض النتائج.

ونشأت هذه الاستراتيجية في البداية على مستوى الشارع لكنها ما لبثت أن لقيت تأييدا وزخما على مستوى القيادة الفلسطينية، وشارك كبار القادة الفلسطينيين في المظاهرات المنددة بالمستوطنات، والتي قادها بعض النشطاء المحليين في محاولة لعزل إسرائيل دوليا على غرار نموذج جنوب أفريقيا في مواجهة التفرقة العنصرية. وقال رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض، الذي حضر إحراق منتجات المستوطنات الإسرائيلية، في مقابلة معه الأسبوع الماضي: «إننا ملتزمون بالمقاومة السلمية والصمود في وجه المشروع الاستيطاني، ونحن نعبر بقوة عن حقنا في مقاطعة هذه المنتجات، وأعتقد أنها ناجحة. وسنواصل القيام بالمزيد».

لكن فياض لا يمثل سوى جزء بسيط من المشهد السياسي الفلسطيني، إذ تواصل حركة حماس، التي استولت على السلطة في قطاع غزة عام 2007، الدفاع عن العنف على الرغم من تأكيدها في خطبها فكرة المقاطعات والأشكال الأخرى من الاحتجاج السلمي.

وقد أدى ذلك ببعض المراقبين إلى التساؤل عما إذا كانت التجربة ستتحول في نهاية المطاف إلى آخر انتفاضة مسلحة، وخصوصا إذا لم تسفر محادثات السلام الجديدة التي ستجري بوساطة أميركية عن تقدم ملموس.

وقال دبلوماسي غربي، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته: «إن الحملة السلمية قد تأتي بنتائج عكسية، مما يضر باحتمالات تحقيق تقدم في المفاوضات».

ويرى الإسرائيليون هذه الجهود على أنها محاولة من جانب الفلسطينيين لعزل إسرائيل، ولذا فإن على المرء أن يتساءل عن مدى فعالية هذه الجهود، وعما إذا كانت ستدفع الحكومة الإسرائيلية إلى حالة تردد أكبر.

وأدت المقاطعة إلى جانب فرض حظر على العمالة الفلسطينية في المستوطنات، بالمسؤولين الإسرائيليين إلى التساؤل عن الدوافع وطرح ذلك على نظرائهم الفلسطينيين.

فتساءل نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي، دان ميريدور، في مؤتمر صحافي يوم الاثنين الماضي: «هل هم راغبون في شراكة أم في نضال؟». وقال إنه في الوقت الذي تحاول فيه إسرائيل تأمين الوظائف للفلسطينيين يقوم المسؤولون الفلسطينيون «بمحاولة زيادة البطالة عبر منعهم من العمل».

في عام 2005 اعتبر القانون الفلسطيني التجارة في منتجات المستوطنات غير قانوني، لكن فياض سعى إلى تطبيق القانون في العام الحالي فقط، معبرا عن أمله في أن تؤدي المقاطعة إلى تشجيع المجتمع الدولي إلى تبني موقف أكثر حزما تجاه المستوطنات، والمساعدة في الوقت ذاته في إنهاء اعتماد الاقتصاد الفلسطيني على إسرائيل. وأدى النزاع حول بناء المستوطنات إلى تعطل جهود السلام خلال العام الأول من إدارة الرئيس باراك أوباما التي تعتبر بناء المستوطنات عملا غير شرعي. ووافقت إسرائيل بضغوط من الولايات المتحدة على وقف بناء المستوطنات في الضفة الغربية مدة عشرة أشهر، لكن ليس في القدس، تنتهي في سبتمبر (أيلول) المقبل.

ووقّع الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن الشهر الماضي القانون الذي يجرم بيع منتجات المستوطنات، ويعاقب عليه بالسجن مدة عامين، وأداء غرامة قدرها 14 ألف دولار.

ويرى الإسرائيليون أن قيمة منتجات المستوطنات التي تباع في الأسواق الفلسطينية لا تشكل سوى جزء بسيط من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي البالغ 200 مليار دولار، بيد أن المسؤولين الإسرائيليين يبدون قلقهم من أن يتسع نطاق الحملة ليشمل البضائع الإسرائيلية ككل.

وإلى جانب إجبار المصانع في الضفة الغربية على الإغلاق، والانتقال إلى داخل إسرائيل، أجبرت الحملة الكثير من الشركات على التراجع عن فكرة الانتقال إلى المنطقة الصناعية في الضفة الغربية، التي أقيمت بالأساس لتكون بالقرب من العمال الفلسطينيين، الذين رفض الكثير منهم الحصول على تصاريح للعمل في إسرائيل.

يذكر أن السلطة الفلسطينية قامت حتى الآن بمصادرة وإتلاف منتجات صنعت في المستوطنات بقيمة 5 ملايين دولار. وبنهاية العام الحالي سيكون العمل في المستوطنات جريمة يعاقب عليها القانون. وساعدت السلطة الفلسطينية في إنشاء صندوق «تمكين وطني» للمساهمة في توفير الوظائف لما يقرب من 25 ألف فلسطيني يعملون الآن داخل المستوطنات، لكن ذلك لا يزال مقترحا بعيد المدى. فحتى الآن لا يجد العمال الفلسطينيون خيارا سوى كسب عيشهم بأي سبيل.

وفي سياق ذلك منح عبد العزيز أبو سنينة، الذي يبيع مواسير المياه والصنابير التي تنتج في المنطقة الصناعية القريبة من مستوطنة إرييل في الضفة الغربية، مهلة حتى 20 يونيو (حزيران) المقبل لبيع مخزونه من هذه السلع، وأن ما لم يبع بعد هذا التاريخ ستتم مصادرته وسيتعرض للغرامة.

ويرى جهاد شاهين، 42 عاما، وهو صاحب محل بقالة، أن المقاطعة بلا هدف. ففي أواخر أيام أبريل (نيسان) الماضي قامت عربة القمامة وقام عمال النظافة بالتخلص من بطيخ بقيمة 1700 جنيه كان قد تسلمها من موزع في المستوطنة.

وقال شاهين للمفتش الذي جاء مع الحافلة: «لو أنه قال لي إن كل البضائع التي ترد من إسرائيل محظورة لفهمت، لكن المقاطعة في الضفة الغربية فقط ليست ذات معنى». وأغلق مصنع صناعة الطوب في مستوطنة معالي أدوميم لأن المفتشين الفلسطينيين كانوا يعترضون شاحنات الإمداد، ما جعل العمل صعبا للغاية. وباتت المنشأة المهجورة ملجأ للطيور، وعلقت لافتة «للإيجار» خارج المكان. ويرى إلكايام أنه إلى جانب المقاطعة تضررت المصانع نتيجة لأمر المحكمة الإسرائيلية بدفع الحد الأدنى من الأجور للعمال الفلسطينيين الذين يعملون في المنطقة الصناعية. ويطالب الآن الحكومة الإسرائيلية بمنحهم حسومات ضريبية أو أنواعا أخرى من الدعم. وقال: «إذا لم يفعلوا فسيكون قد فات الأوان، وسيغلق الجميع».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»