العاطلون عن العمل الإسبان يجابهون صعوبة في العودة إلى الزراعة

مع اختفاء الفرص المتاحة في مجال البناء والتشييد

TT

خلال فترة ازدهار نشاطات البناء في إسبانيا، تخلى أنتونيو ريفيرا روميرو عن طيب خاطر عن ساعات العمل الطويلة والشاقة في الحقل سعيا للعمل في مجال البناء، حيث تقاضى أجرا أعلى بمقدار أربعة أضعاف. وحصل على رهن عقاري وعمد إلى توسيع منزله الكائن بشارع جانبي هادئ داخل هذه المدينة الصغيرة الواقعة جنوب إسبانيا.

اليوم، مع اختفاء فرص العمل المتاحة في مجال البناء والتشييد، تخلف ريفيرا عن سداد الأقساط المصرفية وبات متلهفا للعودة إلى العمل في الزراعة. إلا أن الإسبان جابهوا بوجه عام صعوبة في الحصول على فرص عمل في هذا القطاع، حيث هيمن الأجانب بصورة تكاد تكون كاملة على صفوف المزارعين الكادحين داخل الصوبات الزراعية في زراعة الفراولة أو العاملين تحت حرارة الشمس في منتصف النهار. وينتمي هؤلاء الأجانب إلى دول مختلفة مثل رومانيا وبولندا والمغرب، وتحمل إقامة الكثيرين منهم في إسبانيا طابعا قانونيا. وقال ريفيرا بنبرة مهزومة: «المزارعون هنا لا يرغبوننا».

من جهتهم، أكد مسؤولون محليون ورؤساء نقابات عمالية أن ريفيرا صائب في قوله هذا، حيث يبدي المزارعون ترددا حيال معاودة الاستعانة بعمال إسبان لتشككهم في أنهم سيعملون بالجد نفسه على غرار أقرانهم الأجانب الذين عمل بعضهم في جمع المحاصيل لفترة تصل إلى عقد الآن.

في هذا الصدد، أشار دييغو كاناميرو، رئيس أكبر التنظيمات العمالية الإسبانية (اتحاد عمال الحقول)، إلى أنه حتى الآن، يشكل الإسبان 5 في المائة فقط من جامعي المحاصيل. وأضاف أن الاتحاد الذي يترأسه يعمل على كبح جماح مشاعر الغضب والحيلولة من دون انفجارها وإقناع المزارعين، في الوقت ذاته، بالاستعانة مجددا بأفراد محليين، لكن دونما نجاح يذكر.

وأوضح كاناميرو أن «هناك شعورا بالحيرة في أوساط العمال الإسبان، حيث يتساءلون: (لماذا يسمحون لأفراد بالانتقال من مسافة 5000 ميل إلى هنا، بينما نحن في حاجة إلى عمل؟)».

تشير الإحصاءات إلى أن معدلات البطالة في إقليم أندلوسيا (الأندلس) وصل حاليا إلى 27 في المائة، وهو الأعلى في إسبانيا باستثناء جزر كناري. الملاحظ أن الإسبان تميزوا دوما بالجلد والوقوف إلى جانب بعضهم في الأزمات الاقتصادية. إلا أن الوضع تبدل الآن مع معاناة أسر كاملة، مثل أسرة ريفيرا التي تضمه وزوجته وخمسة أبناء في سن العمل، من البطالة. ولا تسد إعانات البطالة سوى قدر محدود من الاحتياجات، ولا تعد كافية على الإطلاق بالنسبة إلى من يتعين عليهم سداد أقساط منزل أو سيارة.

يتقاضى ريفيرا (50 عاما) 420 يورو شهريا. وأشار إلى أن أقساط الرهن العقاري تلتهم نصف هذا المبلغ. أما زوجته، إنكارناسيون رومان كاسيلاس (49 عاما)، فبدأت ارتياد مراكز توزيع الطعام على الفقراء.

وقالت: «في البداية، لم أكن قادرة على فعل ذلك. وكانت شقيقة زوجي تذهب هناك نيابة عني كي تأتيني بطعام، لكن الآن أصبح لزاما علي القيام بذلك». إلى جانب وجبتين ساخنتين، تحصل رومان على رغيف خبز وأربع علب من الزبادي.

قريبا، سيستعير ريفيرا وزوجته سيارة من أحد الأقارب للسفر إلى فرنسا، حيث يتوقعان الإقامة في مخيم أثناء عملهما في جمع ثمار البنجر والهليون والخرشوف، ثم العنب في الخريف. وقد عملا هناك العام الماضي، لكن تكاليف المبيت في مخيم ابتلعت نصف ما تقاضاه. هذا العام، وافق مزارع فرنسي على السماح لهما في البقاء داخل ممتلكاته.

ولا تعد الأزمة التي يعانيها ريفيرا وزوجته فريدة من نوعها، حيث يؤكد عمد المدن والقرى في مختلف أرجاء أندلوسيا أن سكانا محليين يفدون إلى مكاتبهم طيلة الوقت بحثا عن فرص عمل. وعلى الرغم من أن بعضهم لا يرغب العمل في الزراعة باعتباره عملا شاقا للغاية، أكد إميليو فيرغارا، عمدة باترنا ديل كامبو، وهي قرية صغيرة خارج هويلفا، أن كثيرين سيسعدون بالعمل في هذا المجال.

بالتعاون مع ثلاثة عمد آخرين، شرع فيرغارا في جهود لإقناع مزارعين بالاستعانة بأفراد محليين. لكنه استطرد أنه من 450 شخصا سجلوا أسماءهم من قريته، لم ينل أي منهم فرصة عمل.

وقال فيرغارا: «يساورني القلق حيال إمكانية تفجر مشاعر كراهية الأجانب، وآمل أن نتمكن من تجنب وقوع ذلك بأي ثمن نظرا لأن إسبانيا كانت دائما دولة مضيافة».

ويرى خبراء أن بعض المزارعين يستعينون بالمهاجرين بغية استغلالهم. وقال كاناميرو إن ما بين 15 و20 قضية إساءة معاملة خطيرة تثار سنويا، حيث يتعرض العمال إلى الحرمان من أجورهم أو قدر كاف من الماء أو الطعام.

إلا أن كاناميرو استطرد أنه في معظم الحالات لا يعد هذا السبب الوحيد وراء تحول المزارعين إلى الأجانب. وقال إن الاستعانة بعمال أجانب تحكمه مشاعر تحامل معقدة حيال من يشكلون أفضل عناصر عاملة. على سبيل المثال، يفضل المزارعون الاستعانة بأفارقة للعمل في الصيف حيث الحرارة المرتفعة، بينما يفضلون الاستعانة بالنساء في قطف الفراولة. وأضاف: «هذه القواعد ليست مكتوبة. وعلى الرغم من أنها تنطوي على تمييز هائل، تبقى هي الواقع القائم».

الملاحظ أن الأجور أيضا تتباين، حيث عادة ما يتقاضى الأفارقة 30 يورو يوميا (ما يعادل نحو 38 دولارا)، بينما يتقاضى جامعو المحاصيل من جنسيات أخرى 40 يورو.

ويؤكد الكثير من المزارعين أنهم عثروا على قوة عمل يمكن الاعتماد عليها وأنه ليس بمقدورهم تعريض هذا المكسب إلى الخطر. من بين هؤلاء دييغو لويس كاماتشو رودريغيز، الذي يملك مزرعة للفراولة خارج هويلفا، والذي استعان ببعض الأفراد المحليين، لكن تبقى الغالبية العظمى من العمال لديه من الأجانب.

وقال: «بمجرد أن تشرع في العمل مع أفراد ويتفهمون أسلوب عملك، ترغب في الاحتفاظ بهم».

ومن بين العناصر المحلية التي استعان بها فرانسيسكو غيل باريرا (29 عاما)، الذي فقد عمله في مجال البناء، وكذلك إلينا روسادو بيريز (28 عاما)، التي كانت تعمل نادلة بأحد المطاعم لكن أوضاع العمل تدهورت إلى درجة اضطرت أصحاب المطعم إلى إغلاقه فيما عدا عطلة نهاية الأسبوع.

من جانبه، قال مانويل ريسيو، الوزير الإقليمي لشؤون التوظيف والهجرة، إن الحكومة قلصت أعداد العقود المتاحة أمام العمال الأجانب هذا العام. لكنه أعرب عن تشككه في أن الإسبان مهتمون حقا بالعمل في المجال الزراعي، وسارع بالاستطراد أن الكثير من العاملين في الحقول من مواطني الاتحاد الأوروبي، وبالتالي يحق لهم الحصول على فرص عمل مثل الإسبان تماما.

لكن المعاناة الأكبر من نصيب المهاجرين غير الشرعيين الذين تدفقوا على إسبانيا في السنوات الأخيرة بحثا عن أي فرصة عمل. ويعيش الآن المئات منهم في مخيمات مصنوعة من الخشب. وفي الفترة الأخيرة، انضم حتى المهاجرون الشرعيون إليهم.

من بين هؤلاء عبد ولاي ديالو الذي قدم من السنغال عام 2002 وعمل باستمرار هناك حتى عام 2008، ويعيش في أحد المعسكرات على طريق موحل يفصل بين مزرعتين خارج هويلفا.

وكما هو الحال مع مئات آخرين يعيشون تحت ظلال الأشجار، تمكن ديالو من بناء ملاذ له من ألواح بلاستيكية. ولم يعمل غالبية الرجال في هذا المعسكر منذ 18 شهرا ويعيشون على إعانات توفرها لهم منظمة «الصليب الأحمر». حتى وقت ليس ببعيد، كانوا يرسلون أموالا لزوجاتهم وأطفالهم في أوطانهم. وعن الظروف المعيشية، قال ديالو: «نعيش كالحيوانات. أبحث باستمرار عن عمل، لكني لا أجد شيئا!».

* شاركت في إعداد هذا التقرير راشيل تشوندلر

* خدمة «نيويورك تايمز»