تونسي يجمع آلاف القطع التراثية عمر بعضها 200 سنة

يعرض جانبا منها في المدينة العتيقة بالعاصمة

جزء عرضه عبد الستار الشواشي من مجموعاته التراثية الغريبة والعجيبة في نادي الطاهر الحداد الثقافي («الشرق الأوسط»)
TT

قطعة فنية إلى جانب أخرى.. كلها معروضة على طبيعتها دون رتوش أو مساحيق.

هكذا أرادها صاحبها بعدما جمعها قطعة قطعة، بصبر وأناة وكثير من المحبة، من الأسواق الأسبوعية ومن أسواق الخردوات من مختلف مناطق تونس.

بدأت الهواية عند عبد الستار الشواشي منذ ما يقرب من سبع سنوات، بعدما لاحظ في قريته الصغيرة، واسمها شواش، الواقعة على مسافة 75 كلم شمال العاصمة التونسية تونس، أن الأطفال خصوصا، وكثيرا من التونسيين بصفة عامة، يجهلون معظم المعدات والآلات الفلاحية (الزراعية) والصناعية التي استعملها الأجداد في الفلاحة والصناعة والنجارة والحدادة.

وبمرور الأيام، تطورت الهواية عند الشواشي إلى ما يشبه الاحتراف الحقيقي، الذي يمتلك اليوم مجموعات مختلفة ومن الجنس نفسه من آلات ومعدات طبخ تكاد تندثر، أو هي ذهبت حقا إلى غير رجعة بعدما خدمت أجيالا من التونسيين لعقود وقرون كثيرة.

عبد الستار الشواشي عرض حتى يوم أول من أمس جزءا من مجموعاته التراثية الغريبة والعجيبة في نادي الطاهر الحداد الثقافي في وسط المدينة العتيقة بتونس العاصمة، وسط اندهاش كثير من الزوار.

وخلال حديثه مع «الشرق الأوسط» قال الشواشي إن هوايته «بدأت منذ نحو سبع سنوات، حينما علمت بأن عائلتي قد تخلت تدريجيا عن آلة (الجاروشة) التي كانت تستعملها لعقود في درس الحبوب في البيدر. وسارعت بعدها إلى الاحتفاظ ببقية الآلات المستعملة في العمل الفلاحي الصيفي على غرار (المذراة) و(القلبة) التي تكال بها الصابة، و(الخوابي) الفخارية التي كانت مستعملة في تخزين مؤونة الشتاء، ثم سرعان ما انطلقت إلى آفاق أرحب، وخصصت لما جمعته مخزنا كبيرا في مسقط رأسي شواش».. وتمكن الشواشي، حسبما أفادنا، من تكوين عين بصيرة بالمعادن، وهذا ما جعله يحصل على «بابور» طبخ عائلي بثمانية رؤوس، وأصبح لديه خلال السنوات السبع الفائتة أكثر من 25 نوعا من «بوابير» الطبخ التي تعتمد على الجاز (الكيروسين) في تشغيلها وطهو الوجبات الغذائية على نيرانها، وهي ما عادت مستخدمة إلا نادرا بين العائلات التونسية هذه الأيام.

كذلك تمكن الشواشي من جمع مجموعة من مفاتيح الإضاءة قدر عددها بنحو ستة آلاف مفتاح، كما تمكن من جمع أكثر من ثمانية آلاف حامل مفاتيح، مختلفة الألوان والأحجام، زين بها سقف المخزن الذي يؤوي قطعه الفنية. وهو يحتفظ من خلال مجموعته بإحدى السلاسل الراجعة لعائلة أحد بايات (حكام) تونس، وكان يقطن مدينة حمام الأنف (نحو 14 كلم جنوب العاصمة التونسية) التي كان بايات تونس يمضون على شواطئ بحرها أشهر الصيف.

أيضا، ضمن مقتنيات عبد الستار الشواشي قنديل عمره أكثر من 200 سنة، و«بابور» طبخ يرجع تاريخ صنعه في روسيا إلى بداية القرن العشرين وعمره أكثر من 100 سنة. وهو يقول بسعادة ظاهرة إنه نجح في تكوين أكثر من 40 مجموعة من أنواع القطع والمعدات والآلات المختلفة، وتطور مجال اهتمامه خلال الفترة الأخيرة ليشمل قطعا ومعدات لم يكن يعيرها اهتماما كبيرا في السابق، وذلك على غرار مصيدة الفئران وركاب الفرس وآلة الحلاقة التي غدا لديه منها أعداد لا بأس بها. وحسب قوله فإنه يعامل هذه المجموعات «مثل أبنائه الصغار» ويخاف أن يفرط في واحدة منها لأي كان على الرغم من الإغراءات المادية الكثيرة التي تلقاها. وأردف شارحا «القطع المجمعة لا يمكن اعتبارها مجموعة إلا عندما تجاوز عدد مكوناتها الأربعة على الأقل من ألوان وأحجام مختلفة، ولذلك أجدني أتصيد مثل هذه القطع من سوق إلى أخرى، وغالبا ما ينتهز بعض الباعة الفرصة لبيعي بعض القطع بأثمان باهظة».

عبد الستار الشواشي قال إن المجموعات التي جمعها حتى الآن كلفته ما لا يقل عن 50 ألف دينار تونسي (نحو 40 ألف دولار أميركي)، وتابع مؤكدا أنه ليس نادما على هوايته هذه، وهو مبتهج اليوم بعد سلسلة العروض التي نظمها في دور الثقافة التونسية للإطراء الذي وجده من أساتذة جامعيين ومن المهتمين بجمع التراث التونسي، وكونه نجح في فترة وجيزة نسبيا في تكوين مجموعات ومن الآلات والمعدات المختلفة التي ثبت في ما بعد أنها ذات قيمة تاريخية ضخمة.

وقبل أن نتركه، سألناه عما إذا كان سيواصل هواية التجميع في المستقبل، وما هو الهدف من ورائها.. فأجاب بابتسامة عريضة «بالطبع سأواصل، وعالم هذه القطع لا يمكن أن يحد بحدود. هدفي البعيد هو أن أؤسس متحفا في قرية شواش، مسقط رأسي، تكون فوائده ومداخيله - إن وجدت لاحقا - لفائدة أهالي القرية. ويكفيني أن يخلد التاريخ ذكرى صغيرة عني تقول إنني قدمت خدمة لهذه القرية الصغيرة الوادعة».