مصر.. إمبراطورية المنتجات الصينية في الشرق الأوسط

من الملابس إلى السيارات مرورا بالذهب: التنين الصيني يغزو القاهرة.. والمنتج المحلي يكتفي بالمشاهدة

TT

نادرا ما تتجول في الأسواق المصرية ولا تصطدم بالمنتجات الصينية، فهي تحاصرك في كل مكان سواء على الأرصفة أو في داخل أكبر المولات والمحلات التجارية، بل إنها تمتد إلى باب منزلك لتجد الصينيين نساء ورجالا يعرضون منتجاتهم عليك.

المنتجات الصينية تغري المستهلكين بأسعارها الزهيدة، فلم تترك تلك المنتجات موضع قدم في السوق المصرية إلا وضعت بصمة عليه، بدءا من الملابس والأجهزة الكهربائية حتى الدراجات البخارية والسيارات. كما أن لها موقعا مميزا بين جمهور المصريين، مما أثر في الصناعات المصرية بشكل لافت فيما يشبه الغزو الاقتصادي.

ويعتبر بداية الموسم الصيفي هو موعد نشاط الصينيين بمنتجاتهم وخيمهم التي ينصبونها لعرض منتجاتهم، كما في مناطق فيصل والعمرانية وشبرا وحلوان وغيرها.

كانت مصر أول دولة عربية وأفريقية أقامت علاقات دبلوماسية مع الصين وذلك في 30 مايو (أيار) 1956، وشهد التعاون بين الدولتين توسعا، كما شهد التعاون الصيني المصري في المجال التجاري والاقتصادي خلال السنوات الخمس الأخيرة تطورا سريعا ومتعدد المستويات، حيث تجاوز معدل نمو حجم التبادل التجاري بينهما 30% سنويا، وذلك رغم الأزمة المالية العالمية. فقد بلغ حجم التبادل التجاري بينهما 6.24 مليار دولار أميركي في عام 2008، وكان من أهم أهداف تطوير العلاقات بينهما أن يصل حجم التبادل التجاري إلى خمسة مليارات دولار أميركي مع حلول عام 2010، وحدثت الزيادة قبل الموعد المحدد بعامين.

المنتجات الصينية متعددة سواء في جودتها أو في أسعارها، إلا أن أسوأها ما يوجد في مصر باعتراف مسؤولي الحكومة الصينية أنفسهم، وهو ما دفع الحكومة المصرية مؤخرا لمنع دخول السلع الصناعية الصينية غير المصحوبة بشهادات الفحص والمطابقة للمواصفات للسوق المصرية، واشترط القرار للإفراج عن السلع الصناعية المشحونة من جمهورية الصين الشعبية والمستوردة للاتجار تقديم شهادة فحص من المكتب المحلي الصيني للفحص والحجز، التابع للإدارة العامة للرقابة على الجودة والفحص والحجز بالصين.

إلا أن هذا الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فقد وقعت مصر مع فرنسا بروتوكولا في مجال حماية المستهلك بهدف الاستفادة من التجربة الفرنسية في مواجهة السلع والمنتجات الصينية غير المطابقة للمواصفات.

يقول مصطفى زكي، خبير الاقتصاد الدولي «إننا نواجه غزوا اقتصاديا، حيث انتشرت السلع الصينية التي لا حصر لها، وامتدت إلى السلع الصينية المقلدة للآثار المصرية والتماثيل والتذكارات الفرعونية».

ويرى الكثير من التجار أن هناك حالة «إغراق» من المنتجات الصينية في السوق المصرية، وهو ما شكك فيه زكي وقال «لا توجد دولة في العالم الآن تكتفي بأن تصدر ولا تستورد، خاصة في ظل النظام الاقتصادي العالمي الجديد الذي ترسم معالمه منظمة التجارة العالمية، وهناك الكثير من الإجراءات المتاحة التي تتخذها الدول لحماية أسواقها مثل التعريفة الجمركية التي يمكن رفعها على السلع المنافسة لنا وخفضها علي السلع الأخرى الضرورية وغير المنافسة للسلعة الوطنية، أما بالنسبة للمنتجات الصينية فلا نستطيع أن نقول إن سعرها مغرق، أي بيع المنتج بأقل من سعر التكلفة، لأنه إذا حدث ووجدت سلع بهذا الوضع فإن الدولة تقوم بمنع هذه السلعة أو تقوم بفرض تعريفة جمركية إضافية تعادل الفرق ما بين السعر العادي والسعر المغرق، وبهذا لا يستطيع منتج أجنبي اكتساح السوق المصرية بإنزال سلعة أقل من التكلفة العادية».

وأضاف أن المنتجات الصينية تغزو أوروبا وأميركا وتنافس منتجاتها المحلية، فالعيب ليس على الصين ولا السلع الصينية، لكن على المستوردين المصريين الذين يقومون باستيراد سلع متدنية في السعر، ومن ثم في الجودة للحصول على أعلى عائد وأعلى مكاسب.

عبد الرحمن ريحان، عضو بالاتحاد العام للأثريين العرب، يقول إن الخطر من كل هذا أن تغزو السوق المصرية (عاديات)، وهي المنتجات التي تباع بخان الخليلي، وتمثل نماذج فنية من أشكال الحضارة المصرية القديمة الفرعونية والمسيحية والإسلامية.

وهذه المنتجات الصينية، وفقا لريحان، من نماذج لتماثيل فرعونية وأشكال مختلفة من منتجات الحضارة المصرية القديمة تغزو سوق العاديات المصرية وتتميز برخص ثمنها، فيقبل عليها السياح ممن لهم خبرة بسيطة عن معالم الحضارة المصرية القديمة.

ويضيف ريحان «أما السائح ذو العشق والفهم للحضارة المصرية القديمة فيمكنه التمييز بين المنتج الفرعوني بالروح الصينية والمنتج ذي الروح المصرية والمصنوع بأيد مصرية، والفارق الفني بينهما كبير».

ويقول إنه رغم ذلك فإن فتح السوق على مصراعيها لهذه المنتجات الصينية سيؤدى إلى طمس الهوية المصرية وضعف الصناعة المحلية وتحويل الصناع المهرة ذوي الخبرة الطويلة لأعمال أخرى وبعدها سنبحث عن صناع صينيين يعيدون لنا قراءة التاريخ المصري.

ويرى البعض أن مصر فشلت في دراستها للسوق، بعكس الصينيين الذين يدرسون السوق بشكل جيد قبل دخولها، وهو ما دفع يحيى المسيري عضو البرلمان المصري للمطالبة بإيجاد مركز متطور لعمل دراسات عن السوق المصرية والأسواق الخارجية.

جمال راشد، أستاذ الاقتصاد بجامعة قناة السويس، يقول إن الفائدة الكبرى للصين في مصر هي أنها خلقت جوا من التنافسية، ليس على مستوى المنتجات المصرية فقط، بل امتدت إلى منافسة السلع المستوردة الأخرى، التي لم يكن بمقدور الأشخاص محدودي الدخل شراؤها، مثل المراوح الكهربائية والتلفزيونات، ويضيف «المنتجات الصينية تتمتع بجودة معقولة وبسعر أقل، وهذا هو ما يتمناه كل مستهلك في السلعة التي يريد أن يشتريها، فارتفاع أسعار السلع والمنتجات الوطنية مقارنة بالمنتجات الصينية، وأيضا الغلاء المعيشي مع قلة المرتبات، أدى إلى لجوء الأفراد إلى الأرخص حتى ولو كان ذا جودة رديئة».

وأشار إلى أن الحل الأمثل للوضع الحالي هو مساندة الصناعات الوطنية، وتدعيم أسعار المواد الخام بالنسبة للصناع، وفتح أسواق للمنتجات المصرية في الخارج.

ويقول على الرغم من أن الصناعات الأكثر تضررا من غزو المنتجات الصينية إلى مصر هي المشروعات الصغيرة والمتوسطة، فإن هذا لفت نظر الحكومة لتلك المشروعات، لكي تهتم بها، وتشجع على تمويلها ورعايتها، لأنها رأت أن هذا الحل الأمثل لمواجهة المنتجات الصينية الرديئة.

وتوصف مصر بأنها إمبراطورية المنتجات الصينية، وكان من الممكن أن يتغير هذا المسمى ليمتد إلى إمبراطورية الأيدي العاملة الصينية، إلا أن تلك التجربة لم يكتب لها النجاح في بعض مجالات، وبدأها الصينيون في مصر بتصفيف الشعر (الحلاقة)، فانتشر خلال العام الماضي مصفف الشعر الصيني، وهو متجول يمكن أن تطلبه بالتليفون المحمول، وإذا تعاملت معه يعرف مواعيد تهذيبك لشعرك ويذهب لك في الموعد، إلا أن تلك التجربة لم تنجح، على حد زعم حسين، صاحب أحد محلات تصفيف الشعر في مصر، الذي أكد أن الصينيين لم يعرفوا الذوق المصري، كما أن كفاءتهم أقل بكثير من المصففين المصريين على الرغم من أنه لن يكلف إلا 5 جنيهات فقط، وهو ثلث ما يطلبه مصففو الشعر في مصر.

إلا أن المصريين فشلوا في مجاراة الصينيين في الترويج لمنتجاتهم.. فيقول منصور عبد القادر، صاحب محل ملابس «إننا حاولنا ترويج منتجاتنا مثل الصينيين، بأن نبعث بمندوبينا إلى البيوت، لكننا فشلنا بسبب أن المندوب يذهب إلى المنازل فيواجه الكثير من المعوقات، منها خوف الناس من أن يفتحوا لهم أبواب منازلهم، إلى جانب يقين المصريين بأن أي شيء مصري يتم ترويجه عبر المندوبين للمنازل فهو سيئ».

وعلى الرغم من أن الاستثمارات الصينية المباشرة في مصر تتزايد بشكل مستمر، فإنها لا تؤدي الغرض منها وهو توفير فرص عمل للمصريين، فدائما يعتمد الصينيون الذين يقيمون مشاريعهم في مصر على الأيدي العاملة الصينية، فحتى الآن، هناك 600 مؤسسة صينية تتعاون مع مؤسسات مصرية للاستثمار في مصر في مجالات كثيرة، من بينها الغزل والنسيج والخدمات البترولية والاتصالات وتصنيع المأكولات والآلات، ويتجاوز حجم الاستثمار الصيني في مصر 500 مليون دولار أميركي، وهناك 58 مصنعا ومؤسسة استثمارية صينية في مصر، إلا أن ما وفرته من فرص عمل محدود، وتقوم حاليا شركة «تايدا – تيانجين» الصينية بتأسيس منطقة التعاون الاقتصادي والتجاري بخليج السويس لتكون منصة لتنمية الاستثمار المشترك بين البلدين.

وغزو المنتجات الصينية لمصر لم يفد الصينيون فقط، بل أفاد المصريين أيضا خاصة الشباب. فنجد أن محمد شاهين، صاحب محل خاص لبيع الأجهزة الإلكترونية وقطع غيار أجهزة الكمبيوتر، أغلب البضاعة المعروضة لديه صناعة صينية، ويقول إنه يذهب كل شهرين إلى الصين لمدينتي قوانغتشو وشن تشن الصينيتين ويمكث 15 يوما، يبرم خلالها عقودا مع العملاء الصينيين لاستيراد عدد من المنتجات الصينية.

وأضاف شاهين أنه يحقق ربحا جيدا شهريا من تجارته، ويرى أن البضائع الأقل جودة يقبل عليها الجمهور ويحقق منها قدرا كبيرا من الربح. ومن بين السلع الصينية التي لاقت رواجا كبيرا في مصر الدراجات البخارية، نتيجة جودة هذه المنتجات وانخفاض أسعارها. فطبقا لإحصائيات مصلحة الجمارك الصينية بلغ حجم صادرات الدراجات البخارية الصينية إلى الأسواق المصرية 83.3 مليون دولار في عام 2008.

وامتدت عدوى انتشار الدراجات البخارية في مصر إلى السيارات الصينية التي اقتصرت في بداية انتشارها على نوعين، ثم تعددت ماركاتها، وجاء مشروع إحلال التاكسي القديم بآخر حديث، لينشر معه السيارات الصينية التي أقبل عليها السائقون، بشكل لافت، وهنا يقول أسامة علي، ويعمل سائق سيارة أجرة «فضلت السيارة الصيني عن السيارات الأخرى، فهي أوسع، وكفاءة محركها أعلى من مثيلتها التي تساويها في السعر، كما أن قطع غيارها رخيصة، وهذا ما أريده».

وبعد الأزمة الاقتصادية التي هزت العالم وبدأ تأثيرها يظهر على مصر بنهاية عام 2008، انتشر الذهب الصيني، ففي حي أرض اللواء بمنطقة بولاق، حيث تقطن به فئات دخلها متوسط وصغير، يبذل مرزوق بخيت قصارى جهده لكي يحافظ على رونق الذهب الصيني الذي اتخذ من اسمه عنوانا لمحله، ويقول إن زبائنه من الطبقات المتوسطة والصغيرة، وهم يفضلون الذهب الصيني، ويرى أن ذهبه لم يؤثر على سوق الذهب الرئيسية في مصر، فهو يعتبر أن الذهب الصيني عبارة عن إكسسوارات لكن القيمة في الذهب الأصلي الذي يزداد الطلب عليه عادة من قبل الشابات المقبلات على الزواج.