الخلاف الأوروبي الأميركي بشأن الإصلاحات المالية العالمية يثير رعب المستثمرين

الانقسامات ساهمت جزئيا في خسائر أسواق الأسهم في الأيام الأخيرة

تتصاعد الخلافات بين قادة العالم حول كيفية المحافظة على الوعد الذي قطعوه في ذروة الأزمة المالية وهو: التعاون معا لإعادة تشكيل تنظيم النظام المالي (رويترز)
TT

تحيد الحملة الدولية من أجل تنسيق القواعد بالنسبة للشركات المالية عن مسارها بصورة مفاجئة، مما يهدد الجهود الرامية إلى الحد من الرهانات المحفوفة بالمخاطر التي هزت الاقتصاد العالمي قبل عامين.

وفي الوقت الذي وصل فيه وزير الخزانة الأميركي تيموثي غايتنر إلى أوروبا يوم الأربعاء، تتصاعد الخلافات بين قادة العالم حول كيفية المحافظة على الوعد الذي قطعوه في ذروة الأزمة المالية، وهو: التعاون معا لإعادة تشكيل تنظيم النظام المالي. وكان هدفهم هو تجنب حدوث اضطرابات أخرى عن طريق جعل القواعد المالية متسقة عبر الحدود، وسد الثغرات.بيد أن الولايات المتحدة وأوروبا تواصلان بصورة متزايدة الطرق الخاصة بهما في الإصلاح - التي تكون في بعض الأحيان متضاربة - وهو الشيء الذي من المحتمل أن يقوض الإصلاحات التنظيمية التي تتشكل حاليا على جانبي الأطلسي.

وإذا استمر هذا الوضع، فقد يسمح الخليط الناتج من الإصلاحات للشركات بمواصلة استغلال الخلافات الوطنية عن طريق نقل العمليات إلى دول تكون فيها الأوضاع أكثر تفضيلا، وإحباط الجهود التي يقوم بها المنظمون من أجل اكتشاف التهديدات المالية في وقت مبكر. وقد تكون النتيجة، على سبيل المثال، طرق مختلفة للغاية من النظام المصرفي في نيويورك والعواصم المالية في أوروبا، مما يشجع الشركات الأميركية الرائدة على نقل أنشطتها الأكثر مخاطرة إلى الخارج بعيدا عن نطاق سلطة المنظمين الأميركيين.

ويقول المحللون إن الانقسامات المتنامية تثير رعب المستثمرين وتسهم - إلى جانب أزمة الدين الأوروبي وأزمة اليورو - في الخسائر الحادة في الأيام الأخيرة في أسواق الأسهم من نيويورك إلى فرانكفورت وطوكيو.

وقالت أنجيلا نايت، المديرة التنفيذية لرابطة المصرفيين البريطانيين: «ذكرت كل دولة للأخرى أنها ستتعاون بشأن هذا الأمر، لكن في الواقع، لا نرى ذلك».

وفي الوقت الذي يصل فيه غايتنر إلى المنطقة لإجراء محادثات مع نظرائه في بريطانيا وألمانيا، على سبيل المثال، يعرب الأوروبيون عن الاستياء بشأن بعض الفقرات من مشروع القانون المتعلق بالإصلاحات المالية التنظيمية الذي صادق عليه مجلس الشيوخ الأميركي الأسبوع الماضي.

وأثار قلق الدبلوماسيين الأوروبيين مشروع القانون الذي قدمته السناتور سوزان كولنيز (الجمهورية من ولاية مين)، الذي، على حد قولهم، قد يضطر الشركات المالية الأوروبية إلى نقل قدر كبير من رؤوس الأموال إلى فروعها في الولايات المتحدة لتغطية خسائرها المحتملة.

كما يشعر الأوروبيون بالقلق إزاء فقرة في مشروع القانون قد تجبر المصارف الأميركية على التوسع في تجارتها المدرة للأرباح في الأدوات المالية المعروفة باسم المشتقات. والأوروبيون، الذين يبنون ثقافة النظام المصرفي الشامل الذي يسمح للشركات بإجراء مجموعة كبيرة من العمليات التجارية تحت مظلة واحدة، مستعدون لمقاومة أي جهد يهدف إلى وضع سابقة عالمية تستثني المصارف من الاشتراك في نشاط المشتقات. وحتى في الولايات المتحدة، هناك معارضون نافذون للفقرة المتعلقة بالمشتقات التي طرحها السناتور بلانش لينكولن (الديمقراطي من ولاية أركانسو) في الحكومة والصناعة المالية، وقد يتم إزالتها من النسخة النهائية من مشروع القانون.

ووبدورهم، يشعر المسؤولون الأميركيون بالقلق بشأن الخطوة التي اتخذتها ألمانيا الأسبوع الماضي بهدف القيام بإجراءات صارمة ضد أحد أشكال التداول المعروفة باسم «البيع على المكشوف» (بيع أوراق مالية مقترضة). وبصورة قاسية على غير العادة، وصف مسؤول بارز في وزارة الخزانة الأميركية التحرك الألماني بأنه مضر بالأسواق وسيقود إلى نتائج عكسية. كما يعارض المسؤولون الأميركيون الحملة الأوروبية لزيادة الرقابة على صناديق التحوط ويقولون إن ذلك قد يمنع الصناديق الأميركية من جذب العملاء الأوروبيين.

وبالإضافة إلى ذلك، يتهم المسؤولون الأميركيون الأوروبيين بالإخفاق في إجبار المصارف على تعزيز ميزانياتها بمزيد من رأس المال. وقامت الولايات المتحدة بمطالبة المصارف لديها بالقيام بذلك. وينبغي للمسؤولين الأوروبيين أن «يوومن حيث المبدأ، وجد القادة الأميركيون والأوروبيون كثيرا من النقاط المشتركة. فعلى سبيل المثال، يتفق هؤلاء القادة على أن الأسواق والمصارف تحتاج إلى مزيد من الرقابة، وأن المستثمرين والمودعين والصناعة المالية بصفة عامة - وليس دافعي الضرائب - ينبغي أن يدفعوا ثمن الأزمات المستقبلية. وفي يوم الأربعاء، من المقرر أن يمهد غايتنر الطريق للتوصل إلى اتفاقية حول الأهداف المشتركة يتم توقيعها في قمة اقتصادية تعقد في تورنتو الشهر المقبل.

وفي بريطانيا، على سبيل المثال، تشكل الحكومة الائتلافية، التي جرى انتخابها الشهر الحالي، لجنة من أجل دراسة ما إذا كان يتعين تقسيم الشركات المالية الكبرى لضمان أنها ليست أكبر من أن تتعثر. بيد أن البريطانيين، الذين لا يريدون أن يكونوا في وضع تنافسي غير موات، ليس من المحتمل أن يتبنوا هذا النهج إذا لم يتبناه الأميركيون. ولن يمس التشريع الأميركي المصارف بصورة كبيرة، وذلك بدلا من تعزيز الرقابة الفيدرالية.

وقال راي باريل، مدير قسم الاقتصاد الكلي في المعهد الوطني للأبحاث الاقتصادية والاجتماعية في لندن: «إذا لم يفعل الأميركيون ذلك، ينبغي لنا أن نقبل الحقيقة، فلن نفعله نحن أيضا».

* شارك برادي دينيس في التقرير من واشنطن

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»