حمدي الكيال يحيي ذكرى نجيب الريحاني بلوحات رسمها له منذ 46 عاما

جمع ملامحها وأسرارها من لسان رفيق دربه بديع خيري

الفنان حمدي الكيال
TT

بعد سنوات من العيش في الظل، وبحلول الذكرى الـ61 لرحيل نجيب الريحاني، شارلي شابلن العرب، سلطت الأضواء على الفنان التشكيلي الإسكندري حمدي الكيال، والسبب في ذلك معرض كان قد أقامه الكيال عام 1964 يضم أكثر من 90 صورة، بطلها الريحاني، تجسد مشواره الفني. وحاليا أصبح حمدي الكيال كنزا ثمينا، حيث طلبت إليه مكتبة الإسكندرية أن يقيم المعرض نفسه، الذي أقامه منذ 46 سنة، في الفترة من 2 إلى 5 يونيو (حزيران) الحالي، وستعرض إلى جانبه مقتنيات شخصية وصورا فوتوغرافية.

«الشرق الأوسط» التقطت الكيال في منزله بحي سيدي بشر بالإسكندرية للحديث حول المعرض.

على جدران المنزل تحاصرك صور لفنانين رواد أبرزها صور الريحاني، حيث يحتفظ الكيال الذي جاوز الستين من عمره، بتاريخ الريحاني وأسراره التي دونها خلال جلساته مع الكاتب بديع خيري، الذي باح له بكل ما يعرفه عن الريحاني وما خفي عن أقرب أقربائه، وكان الكيال من عشقه للريحاني يدون هذه الحكايات ويحولها إلى لوحات.

يقول الكيال: «في عام 1961، فكرت في إقامة معرض للريحاني وكان ذلك نابعا من انبهاري به وبعشقي لأدائه التمثيلي الرائع، سواء في الكوميديا أو الدراما، وفي أدواره المختلفة في أفلامه ومسرحياته فهو المضحك الباكي، فكنت متشوقا لمعرفة كيف كانت حياة هذا الفنان العظيم فبحثت عن من يفيدني، وذهبت إلى مسرح الريحاني لمقابلة أعز أصدقائه ومؤلف رواياته الأديب بديع خيري، الذي كان ملازما للريحاني طوال رحلته الفنية».

يقول الكيال إنه توجه إلى بديع خيري في مسكنه الخاص في باب اللوق «كان يقيم في الدور الثالث بإحدى العمارات، وفوجئت عند مقابلتي له أنه مقعَد ويجلس على كرسي متحرك، حيث كان مريضا بالقدم السكري، عرضت عليه فكرة إقامة معرض عن الريحاني، وفي تلك اللحظة مر شريط ذكرياته مع الريحاني ووافق فورا، وأبدى استعداده لرواية كل تفاصيل مشوار نجيب الريحاني الفني كفرصة لتكريمه».

بعد ذلك، تنوعت لقاءات الكيال وخيري ما بين القاهرة والإسكندرية في مسكن خيري في البناية التي تقع أمام مسرح الريحاني بحي كامب شيزار بالإسكندرية، وبالصدفة عرف أن الفنانة ماري منيب تقطن بالعقار نفسه في الشقة التي تعلو شقة بديع خيري، فكانت له لقاءات معها إلا أنه كانت على حد قوله «سيدة حادة عصبية المزاج على عكس ما ظننته، فلم تكن جلساتنا طويلة».

بعد ثلاث سنوات من البحث والتنقيب، أقام الكيال معرضه عن الريحاني الذي افتتح في عام 1964 بمسرح الريحاني في الإسكندرية بمناسبة ذكراه، وحضره الكثير من الفنانين وعلى رأسهم ماري منيب وحسن فايق. ويذكر الكيال أن فايق سالت دموعه عند تفقده للمعرض، حيث أثار فيه الحنين لذكرياته مع الريحاني، كما حضر عدلي كاسب وعدد كبير من أعضاء فرقة الريحاني. ويستطرد الكيال «اليوم أعيد إحياء هذا المعرض ضمن احتفالية لمكتبة الإسكندرية بذكراه مع ابنته جينا الريحاني، التي أصبحت واحدة من أفراد أسرتي، وبدأنا سويا الإعداد لكتاب عن حياته يضم كل ما قصه لي بديع خيري».

يذكر الكيال أن بديع خيري كشف له عن المآسي التي عاشها الريحاني وما تعرض له من استغلال، كذلك مصير ممتلكاته، وما فعله طلعت حسن مدير مسرح الريحاني بمقتنياته، حيث باع كل ما يملكه الريحاني للروبابيكيا.. ولم يستكمل الكيال حديثه، إذ إنه آثر عدم الدخول في تفاصيل تلك الأسرار، لأنه يعد كتابا مع جينا الريحاني عن سيرته الذاتية بعنوان «شارلي شابلن العرب».

وحول قصة لوحة جوزفين بيكر مع الريحاني التي تحمل توقيعها، قال الكيال: «هذه اللوحة عزيزة علي جدا، فقد التقيت جوزفين بيكر لأول مرة في الإسكندرية كانت وقتها تجوب العالم وتحيي حفلات وتجمع معونات للأطفال والأيتام والفقراء، ومن حماسها استضافت عددا كبير منهم في منزلها، وحينما جاءت لمصر قبل الحرب سنة 1936، أقامت حفلا كبيرا في أوبرا القاهرة، وذهبت إليها وقدمت لها الصورة في فندق شبرد بالقاهرة، ففرحت بها كثيرا ووقعت لي بخط يديها لي، وقد حكى لي بديع خيري أنها دائما ما كانت تسهر مع الريحاني ويراقصها في الأوبرج، وكان الملك فاروق يريد أن يجلس معها وهي رفضت لأنها كانت مع نجيب ريحاني، وهو ما أثار غضبه. لذا، قام طلعت حرب بتحذير الريحاني ونصحه بالسفر خوفا من بطش الملك، مما دفعه لأن يرتبط ببديعة مصابني التي اشترطت ضرورة زواجه بها لكي يسافر معها إلى البرازيل».

ومن اللوحات التي يعتز بها حمدي الكيال ويعلقها في بهو منزله، لوحة لعاهل المملكة العربية السعودية، الملك فيصل رحمه الله، بمناسبة زيارته للإسكندرية، التي كان لها قصة يرويها قائلا: «وقتها كان جلالة الملك في مناورة بحرية مع الرئيس الراحل أنور السادات وقدمت له اللوحة في قصر رأس التين الرئاسي، التي أثنى عليها وأعجب بها كثيرا».

ويذكر الكيال أن هناك عدة مصادفات لعبت دورا في حياته كان منها طلب الملحق الثقافي الصيني رسم صورة للزعيم الصيني «ماوتسي تونغ» بجانب الرئيس جمال عبد الناصر، التي قام بتنفيذها في 3 أيام وسافرت لتستقر في الصين. كان معرض الريحاني ثاني معارض الكيال وكان أولها في مقر جمعية خريجي المعاهد التجارية بالإسكندرية، وعقبه قام الكيال بإهداء الرئيس الأميركي «نيكسون» لوحة تحمل اسمه بالخط الكوفي الإسلامي، وفي منتصفها صورة له، كإشادة بالعلاقات المصرية - الأميركية، وقام بإرسالها عن طريق المركز الثقافي الأميركي بالإسكندرية. ويضيف «بعد نصر أكتوبر المجيد، حضر الرئيس الأميركي إلى الإسكندرية في شهر يونيو (حزيران) 1974، وفوجئت بخطاب شكر عن طريق السفير الأميركي يشكرني فيه الرئيس نيكسون على اللوحة، بل ويشكر شعب الإسكندرية كله».

وبكل فخر وزهو، يخرج الكيال صفحات مجلات مصرية وعربية تحمل صورته مع اللوحة التي رسمها للرئيس نيكسون، ويلاحقه أحفاده بخطاب الرئيس الأميركي.

حمدي الكيال صاحب الموهبة الفنية الدفينة حصل على جائزة الخطاط الكبير محمد إبراهيم في الخط العربي، ورغم أنه خريج أحد المعاهد التجارية بالإسكندرية، أراد أن يلتحق بالقسم الحر بكلية الفنون الجميلة، إلا أن عميد الكلية بعد أن شاهد لوحاته نصحه بأن انضمامه إلى الكلية لن يضيف إليه، لأنه في عداد المحترفين، ودفعه للاستمرار في طريقه متنبئا له بشأن كبير. لكن الكيال أخذته الحياة وسافر للكويت لكي يعمل هناك مسؤولا عن قسم الإعلانات بإحدى المجلات، ومن هنا ترك الفن التشكيلي إلا أن أضواء الشهرة طاردته بعد ظهور ابنة الريحاني وإصرارها على إبراز كل ما يتعلق به وبسيرته ومشواره وهو ما يمتلكه حمدي الكيال بين طيات صفحات خطّها عن لسان رفيق الريحاني بديع خيري.