جمعية يدعمها تجار أتراك محافظون وفرت أموال شراء سفن «أسطول الحرية»

«حركة غزة الحرة» تحولت إلى تحالف منظمات ونشطاء لا يوجد ما يجمعهم سوى معارضة الحصار الإسرائيلي

TT

منذ عام 2007، حاولت مجموعة صغيرة من الناشطين البارزين مرارا الإبحار بسفن محملة بحمولات من المساعدات إلى غزة في محاولة لكسر الحصار الذي تفرضه إسرائيل على القطاع. إلا أنه عندما تعاونت «حركة غزة الحرة» مع منظمة تركية أكثر ثراء منها بكثير بهدف حشد أسطول صغير، تحول الأمر إلى أكثر من مجرد مصدر مضايقة هين، حيث نظرت إسرائيل إلى الأمر باعتباره تهديدا خطيرا ومتناميا بالنظر إلى الأموال التي تمتعت بها المجموعة والقوة البشرية والصدى الرمزي الذي تحمله جهودها.

في أعقاب غارة إسرائيلية خرقاء أسفرت عن مقتل تسعة ناشطين، ثارت موجة صخب دولية، الأمر الذي كثف الضغوط على إسرائيل لرفع الحصار. وقد اتبعت الحركة استراتيجية قامت على فكرة أنها حتى حال إخفاقها في الوصول إلى أهدافها، فإنها ستلقى نجاحا على الصعيد التكتيكي، حيث سيعاين العالم استخدام إسرائيل للقوة العسكرية ضد مدنيين.

داخل أحد أحياء اسطنبول التي تعج بالحركة، احتفلت المنظمة التركية (الثلاثاء) بنجاح غريب من نوعه. في هذا السياق، قال عمر فاروق، عضو مجلس إدارة منظمة «إنساني يارديم فاكفي»، التي تعرف بالأحرف التركية الأولى من اسمها «آي إتش إتش»: «لقد أصبحنا مشهورين. نشعر بامتنان بالغ للسلطات الإسرائيلية».

كانت المنظمة قد جمعت قوارب ضخمة وملايين الدولارات في صورة تبرعات من أجل قضية ناضلت من أجل لفت الانتباه إليها وتقديم مساعدات إلى الفلسطينيين. أما الأمر الذي أثار حنق إسرائيل على نحو خاص فهو انتماء مجموعة النشطاء إلى تركيا، وهي دولة حليفة لإسرائيل، لكن أصابت علاقاتهما توترات متنامية.

من جهتها، قالت السلطات الإسرائيلية إن «آي إتش إتش» تساند حماس التي تتولى إدارة قطاع غزة وترى تل أبيب أنها تتمسك بعقيدة تقوم على تدمير دولة إسرائيل. كما اتهمت السلطات المنظمة بوجود صلات بينها وبين تنظيم القاعدة، وأنها اشترت أسلحة، وهي اتهامات تنفيها المنظمة.

جدير بالذكر أن المنظمة تعتمد في تمويلها على التبرعات بصورة كاملة، حسبما ذكر أعضاؤها. وتأتي التبرعات في معظمها من طبقة التجار التركية المتدينة التي تشكل قطاعا ميسور ماديا من المجتمع التركي نجح في دفع حزب رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان إلى السلطة.

وداخل مبنى المنظمة المؤلف من ثلاثة طوابق في وسط اسطنبول (الثلاثاء) دفعت سيدات يرتدين أغطية ملونة للشعر أموالا وحصلن مقابلها على إيصالات. وبالفعل، اشترت المنظمة ثلاث سفن، بينها «مافي مرمرة»، التي تعرضت لغارة ضدها، من شركة مملوكة لحكومة مدينة اسطنبول مقابل 1.8 مليون دولار. وحملت السفن مساعدات تضمنت مواد للبناء، مثل الإسمنت والحديد والصلب، تحظرها إسرائيل لأنها تقول إنها من الممكن استغلالها في استخدامات عسكرية. وبلغت قيمة مواد البناء، حسبما أعلن أعضاء بالمنظمة، قرابة 10 ملايين دولار.

وشدد فاروق على أن منظمته اضطلعت بدور محوري في مساعدة جذب الانتباه إلى قضية «غزة الحرة»، وقال «لقد غيرنا التوازن القائم».

وأوضح أعضاء المنظمة أن المجموعة التركية تشكل منظمة خيرية. إلا أن «مشروع إسرائيل»، وهي جماعة ضغط خاصة غير هادفة للربح، بعثت إلى صحافيين برابط على شبكة الإنترنت لمادة وصفتها بأنها تعبر عن «التوجه الإسلامي الراديكالي المناهض للغرب» الذي تنتهجه المنظمة. وتزعم المواد التي يحملها الرابط بأن المنظمة تدعم حماس. ويأتي هذا الدعم في جزء منه عبر فرع لها افتتح داخل القطاع، وأموال التبرعات التي ترسلها إلى الجماعة والاجتماعات التي يعقدها بولنت يلديريم، رئيس المنظمة، مع مسؤولي حماس، والخطب التي يلقيها.

من جانبها، قالت السلطات الإسرائيلية في دعايتها المضادة إن السلطات التركية داهمت المنظمة عام 1997، حيث كشفت الغارة عن وجود أسلحة بأحد مكاتب المنظمة. من جانبه، قال علي أداكوغلو، عضو آخر بمجلس إدارة المنظمة، إن مداهمة حدثت بالفعل لمنزل أحد أعضاء المنظمة عام 1997، لكنه استطرد بأن المداهمة جاءت بدوافع سياسية نظرا لأنها جاءت خلال العام الذي شهد شن حملة صارمة من جانب المؤسسة العسكرية التركية ضد جماعات إسلامية. ونفى أن تكون قد كشفت عن وجود أسلحة.

جدير بالذكر أن المنظمة تأسست في مطلع تسعينات القرن الماضي، في البداية كمنظمة خيرية تخدم فقراء إسطنبول، أكبر المدن التركية، ولاحقا لخدمة ضحايا الحرب البوسنية. وتتولى المنظمة حاليا إدارة أعمال خيرية وجهود إغاثة داخل أكثر من 100 دولة، بينها هايتي ودول أفريقية، طبقا لما أوضحه نائب مدير المنظمة يافوز ديدي.

يذكر أن «حركة غزة الحرة» تأسست في سبتمبر (أيلول) 2006، على يد مجموعة من أنصار الفلسطينيين المتحمسين، الذين منع معظمهم من معاودة الدخول إلى إسرائيل. وقالت المنظمة إنها تلقت معظم أموالها في صورة تبرعات.

من ناحيتها، قالت غريتا بيرلين (69 عاما)، أحد مؤسسي المنظمة والمتحدثة الرسمية باسمها «لقد سألنا أنفسنا: ما الذي يمكن أن نفعله ويحقق اختلافا؟. وقلنا: دعونا نبعث بقارب إلى غزة».

كانت تلك فعليا بداية الأمر. في البداية، لم يبد أحد اهتماما كبيرا. وأبحرت «حركة غزة الحرة» خمس مرات من قبرص، حيث يوجد مقرها، إلى غزة. وفي النهاية، تولدت قناعة لدى إسرائيل بأن هناك تهديدا آخذ في التشكل، وساورها الخوف من إمكانية أن تنقل السفن التي تدخل للقطاع أسلحة. وقال مسؤولون إسرائيليون إنهم يخشون من إمكانية أن تصبح حماس على قدر كبير من التسلح على غرار حزب الله في جنوب لبنان.

يذكر أن جذور «حركة غزة الحرة» تضرب في «حركة التضامن الدولي»، وهي منظمة أخرى سعت لاتخاذ إجراءات مباشرة دفاعا عن الفلسطينيين، عبر اتباع استراتيجيات غير عنيفة لإعاقة الأعمال العسكرية الإسرائيلية داخل المناطق المحتلة. وغالبا ما عمل أعضاؤها كدروع بشرية.

ففي عام 2003، سحق بلدوزر يتبع الجيش الإسرائيلي حتى الموت امرأة أميركية تدعى راشيل كوري، جثت على الأرض في محاولة لمنعه من تدمير منزل فلسطيني.

واستغرق الأمر عامين لجمع الأموال اللازمة لشراء أول قاربي صيد وصيانتهما وتوفير الوقود لهما، حسبما قالت بيرلين. لكنها استطردت بأنه بعد رسو القارب الأول، سرعان ما تلقت المنظمة تبرعات كافية لشراء يخت صغير أطلقوا عليه اسم «ديغنيتي» (الكرامة). مع توافر القارب الجديد، سمحت إسرائيل بدخوله إلى غزة أربع مرات.

في المحاولة السادسة، كان الكيل قد طفح بإسرائيل. وجاء التحول في أعقاب غزو إسرائيل غزة في ديسمبر (كانون الأول) 2008، مبررة ذلك بحاجتها إلى الانتقام لسقوط آلاف الصواريخ على أحياء مدنية بها.

وملأت المنظمة السفينة بنشطاء، وتوجه القارب صوب غزة. وقالت بيرلين إن الوقت كان مظلما عندما ضربت سفينة إسرائيلية القارب ثلاث مرات حتى أجبرته على التراجع نحو لبنان. ولدى وصول هذه السفينة في النهاية إلى ميناء بقبرص، غرقت في البحر.

وجمعت المنظمة مزيدا من الأموال، ونجحت في شراء مركب صغير بمقدوره حمل 30 راكبا، وأطلقت عليه «سبيريت أوف هيومانيتي» (روح الإنسانية). وحاولت التوجه إلى غزة ثلاث مرات أخرى من دون أن يحالفها النجاح. في المحاولة الأخيرة، في يوليو (تموز) 2009، قالت بيرلين إن إسرائيل شنت غارة ضد المركب واحتجزت ركابه. وأضافت أن إسرائيل لم تعد المركب قط. وقالت «لقد شعرنا بصدمة بالغة لأنه لم يعد لدينا قوارب ولا أموال».

وأضافت أن مسؤولين ماليزيين سابقين ومنظمة «بيردانا» للسلام العالمي، التي تصف نفسها على موقعها على شبكة الإنترنت باعتبارها تناهض الحرب، ساعدوا في جمع أموال كافية لشراء يختين وسفينة شحن. بعد ذلك، قرروا التعاون مع منظمات أخرى لتنظيم أسطول صغير يضم عدة سفن. وبالفعل، تحولت الحركة إلى تحالف متنوع من منظمات ونشطاء، غالبا ما لا يوجد بينهم ما يجمعهم سوى معارضة الحصار الإسرائيلي على غزة، الأمر الذي جعل من العسير طرح تفسير عام لمصدر تمويل أو وجهات نظر أو الصلات بين هذا الائتلاف، طبقا لما ذكره كثير من المحللين.

من ناحيته، قال إيفان إف كولمان، المحلل المخضرم لدى «فلاشبوينت غلوبال بارتنرز» في نيويورك، إن دبلوماسيين وسياسيين أميركيين وناجين من المحارق النازية بحق اليهود وكتابا يساريين عرضوا المشاركة بأسمائهم أو وقتهم أو أموالهم لصالح هذه القضية، متجاهلين دور العناصر الأخرى المشاركة ذات الروابط الأكثر راديكالية.

يذكر أن بيرلين التي شاركت في إنشاء المنظمة تنتمي في الأصل إلى لوس أنجليس. وتزوجت لمدة 14 عاما من فلسطيني، أنجبت منه طفلين، ثم تزوجت لـ14 عاما أخرى من أميركي يهودي. وتحب دوما أن تمزح بهذا الشأن وتقول إن هذا يجعلها أكثر الشخصيات المؤهلة لتهمة «العداء للسامية».

إلا أنها عندما تتحدث بجدية تشير إلى أن منتقديها داخل إسرائيل على صواب، ذلك أنها لا تقبل إسرائيل كدولة يهودية، وإن كانت تعترف بأن هذا يرجع في جزء منه إلى فلسفة أكبر تعارض جميع الحدود الوطنية. وقالت «تقرر خلال حياتك القضايا التي تؤمن بها. وأنا تصادف أنني آمنت بالفلسطينيين الذين خسروا جميع حقوقهم منذ عام 1948».

* خدمة «نيويورك تايمز» سابرينا تافرنيز من إسطنبول ومايكل سلاكمان من القدس.. وشارك في التقرير سكوت شين من واشنطن وسيبنيم أرسو من اسطنبول