مسؤولون أميركيون: الرجل الثالث في «القاعدة» المقتول كان يحظى بنفوذ أكبر من سابقيه

إدارة أوباما نفذت حتى الآن ضعف الغارات التي شنها بوش في ولايته الثانية

TT

وصف مسؤولون أميركيون مقتل الرجل الثالث في تنظيم القاعدة، في هجوم قامت به إحدى الطائرات الأميركية من دون طيار، بأنه انتكاسة شديدة للمنظمة الإرهابية. لكن في ضوء تجارب سابقة، فإن هذه الشبكة ليس لديها أي مشكلات في تعيين بديل له.

وفي ما لا يقل عن عشر حالات خلال العقد الماضي، تكبد تنظيم القاعدة خسارة أحد الأعضاء البارزين، الذي كان يُوصف في بعض الأوقات بأنه الرجل الثالث في الهيكل الوظيفي للتنظيم. وفي كل مرة، تحركت الجماعة بصورة سريعة لتعيين خليفة له، مما يدل على درجة من المرونة مكنتها من البقاء على قيد الحياة خلال عشر سنوات من الحرب المفتوحة مع الولايات المتحدة، ومن تحدي التكهنات المتكررة بزوالها.

ويبدو أن «القاعدة» اعتادت ملء منصب الرجل الثالث، وهي وظيفة محفوفة بالمخاطر على نحو خاص وتشمل مهامها الإشراف على المخططات الإرهابية، وتجنيد الأعضاء الجدد، وجمع الأموال وتوفير الأمن الداخلي.

وقالت باربارا سود، المحللة السابقة بشؤون «القاعدة» في وكالة المخابرات المركزية الأميركية وتعمل الآن كباحثة سياسية في مؤسسة راند، «يعرفون أنهم سيتعرضون للضربات، ووضعوا الخطط إلى حد ما لمواجهة ذلك. إننا فقط لا نعرف قائمة البدلاء، ومدى عمقها».

ولقي الرجل الأخير، الذي شغل هذا المنصب، وهو مصطفى أبو اليزيد، مصري عمره 54 عاما، حتفه في غارة صاروخية في وزيرستان الشمالية، وهي منطقة قبلية في باكستان يختبأ بها الكثير من قادة تنظيم القاعدة، وذلك وفقا لما أفاد به مسؤولون أميركيون وباكستانيون، وبيان أطلقه التنظيم يوم الاثنين على الإنترنت.

وكان من بين الأفراد الذين شغلوا منصب الرجل الثالث في التنظيم أبو الليث الليبي، الذي لقي مصرعه في هجوم قامت به طائرة من دون طيار في باكستان في شهر يناير (كانون الثاني) من عام 2008؛ وحمزة ربيع، وهو مصري قُتل في غارة جوية في شهر ديسمبر (كانون الأول) من عام 2005؛ وأبو الفرج الليبي، وهو ليبي ألقت قوات الأمن الباكستانية القبض عليه قبل ستة أشهر وسلمته إلى وكالة المخابرات المركزية الأميركية.

ومن بين الشخصيات الأخرى التي تولت هذا المنصب خالد شيخ محمد، الذي أقر بأنه العقل المدبر وراء هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) من عام 2001 والمسجون حاليا في معتقل خليج غوانتانامو في كوبا، ومحمد عاطف، وهو مصري لقي مصرعه في غارة جوية أميركية في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2001 في العاصمة الأفغانية، كابل.

وفي كل حالة، وصف المسؤولون الأميركيون هذه الخسائر بأنها ضربة قوية لتنظيم القاعدة، ومؤشر على حالة الضعف التي يعانيها التنظيم. وقاد مقتل أبو اليزيد إلى المزيد من التصريحات نفسها.

وقال المتحدث الرسمي باسم البيت الأبيض روبرت غيبس أول من أمس: «إننا نرحب بمقتله». وقال مسؤولون إنه جرى إحاطة الرئيس باراك أوباما علما بشأن مقتل أبو اليزيد يوم الاثنين. وبحسب ما صرح به غيبس، فإن جون بيرنان، كبير المستشارين بالبيت الأبيض في حملة مكافحة الإرهاب، قد وصف هذا الرجل بأنه «أكبر هدف من بين الشخصيات التي تم قتلها أو القبض عليها في خمسة أعوام».

وقال بعض المسؤولين الأميركيين إن أبو اليزيد كان يضطلع بدور أوسع نطاقا وكان يحظى بنفوذ أكبر بالمقارنة بأسلافه، وقد يكون الأمر الأكثر صعوبة على التنظيم العثور على بديل له. وكان نشاطه مركزا على تمويل «القاعدة» وعملياتها، لكن بمرور الوقت، تولى مسؤوليات التخطيط الميداني، والدعاية، وإدارة العلاقة بين التنظيم والشبكة المتنامية من الجماعات التابعة والشركاء، مثل حركة طالبان.

وقال مسؤول أميركي بارز: «لقد كان هذا الرجل يحظى بحضور واسع النطاق». وكان أيضا قناة الاتصال بالنسبة إلى زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن والرجل الثاني في التنظيم أيمن الظواهري.

وقال المسؤولون الأميركيون إن أبو اليزيد قد يكون مضطلعا في الهجوم على إحدى القواعد الميدانية التابعة لوكالة المخابرات المركزية في أفغانستان في نهاية العام الماضي. وبدا أن هذه العملية نظمتها حركة طالبان، لكنها استخدمت انتحاريا من الأردن، الذي عقد هذا الاجتماع المميت مع عملاء الوكالة الاستخباراتية بعد إقناعها بأن لديه وسيلة مباشرة للوصول إلى قادة «القاعدة».

وبعد أيام قليلة من مقتل سبعة موظفين لدى وكالة المخابرات المركزية، أصدر أبو اليزيد بيانا يشير إلى أنه لعب دورا فعالا في الهجوم.

وقال المسؤولون الأميركيون إن أبو اليزيد استغل موقعه في استعادة جزء من الهيكل الوظيفي للتنظيم والنفوذ على الجماعات التابعة.

وقال مسؤول أميركي مطلع على تقارير استخباراتية بشأن التنظيم إنه كان يتبع «أسلوبا سلطويا، وحاول استعادة درجة من السيطرة». وأضاف المسؤول أن أبو اليزيد في بعض الأحيان «تسبب في غضب بعض أعضاء الجماعة».

وعلى الرغم من وجود أنباء عن مقتل أبو اليزيد من قبل، فإن يوم الاثنين الماضي شكل المرة الأولى التي أعلن فيها بيان صادر عن «القاعدة» عن مقتله. وفي يوم الثلاثاء، قال اثنان من المسؤولين بقوات الأمن الباكستانية وأحد قادة حركة طالبان في المناطق القبلية إنهم يعتقدون أن أبو اليزيد كان بين 10 أشخاص لقوا حتفهم في الغارة التي شنتها طائرة من دون طيار في 21 مايو (أيار) الحالي في صيد آباد، وهي قرية في تقسيم داتا خيل بوزيرستان الشمالية. وقال بيان «القاعدة» إن زوجة أبو اليزيد، وأطفاله وحفيدته لقوا حتفهم جميعا في الغارة.

ومنذ أن تولى أوباما الحكم في شهر يناير (كانون الثاني) من عام 2009، شنت الطائرات الأميركية من دون طيار 90 غارة في باكستان، بالمقارنة بنحو 44 غارة في أثناء الولاية الثانية للرئيس الأسبق جورج دبليو بوش، بحسب الأرقام التي جمعتها مؤسسة أميركا الجديدة.

وقال مسؤولون بإدارة الرئيس أوباما إن استراتيجيتهم في مكافحة الإرهاب ناجحة مع تنظيم القاعدة، حيث إنها خفضت الأعداد الرئيسية في التنظيم إلى عدة مئات. لكن حذر مسؤولون آخرون من الإفراط في التفاؤل.

وقال بروس ريدل، المسؤول السابق بوكالة المخابرات المركزية ومستشار أوباما بشأن استراتيجيته في أفغانستان وباكستان، إن التقديرات المتعلقة بعدد الأعضاء المتبقين في تنظيم القاعدة لا يمكن التعويل عليها. وقال في خطاب بمؤسسة «جيمس تاون» في شهر أبريل (نيسان) الماضي: «لا تصدقوا ذلك. ليس لدينا أي معلومات بشأن الأعداد هناك».

وعلى الرغم من أن المسؤولين الأميركيين يصفون «القاعدة» بأنها العدو الضعيف، فإنهم يدركون، على حد قولهم، أنهم لا يمكنهم هزيمة الجماعات الإسلامية المتشددة عن طريق القوة وحدها.

وقال مسؤول أميركي بارز في مكافحة الإرهاب: «عندما يجتمع الأفراد البارزون في الإدارة ويدرسون ظاهرة الإرهاب، فإنهم يصلون إلى النتيجة نفسها، وهي أننا لن نحيد عن هذا الطريق».

* شاركت في هذا التقرير المراسلة كارين بروليارد من كابل والكاتبة آن إي كورنبلوت والباحثة جوليا تيت من واشنطن

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»