الجعفري: رئيس الحكومة القادم لا يقاس بعدد المقاعد ولكن بنوعيتها.. وأنا أهيئ لوزارة قوية

رئيس الوزراء السابق لـ «الشرق الأوسط»: لا نستبعد مواجهة تحديات ومشكلات وخلافات في تحالفنا مع المالكي

إبراهيم الأشيقر الجعفري
TT

للقاء الدكتور إبراهيم الأشيقر الجعفري، الرئيس السابق للحكومة العراقية، كان يجب الدخول إلى المنطقة الخضراء، أو المنطقة الدولية، حسب التسمية الرسمية، التي باتت حراستها بأيدي القوات العراقية التي لم تفتشنا بل سألت فقط عن بطاقة الهوية أو أي بطاقة تعريفية، ولكن للوصول إلى مقر الجعفري تطلب الأمر الكثير من الإجراءات الأمنية المشددة، بل المشددة للغاية، فبالرغم من أن إحدى سيارات مكتبه هي التي أقلتنا إلى هناك، وكان يرافقنا أحد موظفي مراسم المكتب، إلا أنه كان علينا أن نجتاز ما يقرب من ثلاثة حواجز إسمنتية مسلحة، ونقاط حراسة لنكون بمواجهة بوابة سوداء ضخمة مصنوعة من الحديد السميك، عريضة جدا وعالية للغاية، في الحقيقة هذه البوابة تشبه بوابات المدن وليست بوابة لبيت أو مكتب أو مقر لرئيس سابق للحكومة العراقية. عند استعلامات مقر الجعفري (نبش) موظف أمني عراقي حقيبتنا الصغيرة وأخرج كل الأوراق التي بداخلها وجهاز اللاب توب ومسجلات الصوت كما فتح علبة السجائر وتنفس رائحتها، حتى أنه تفحص الأقلام.

قادنا موظف المراسم عبر ممر يقع على حافة بركة صناعية كان الرئيس العراقي السابق صدام حسين يستقبل عندها بعض زواره.

وتحت سقف قبة كان يجلس فيها صدام حسين وضيوفه، استقبلنا الجعفري الذي يزدحم مكتبه بمؤلفات عنه (حزام النار) و(تجربتي في الحكم) إلى جانب المئات من الأقراص المدمجة التي تضم لقاءاته، حيث سيكون لقاؤنا ضمنها بعد زمن قليل.

الجعفري، الأمين العام السابق لحزب الدعوة قبل أن ينشق عنه رئيس تيار الإصلاح الذي انضم إلى الائتلاف الوطني العراقي الذي يقوده عمار الحكيم، تحدث في حوار لـ«الشرق الأوسط» عن جهوده «لتشكيل رئاسة وزراء قوية»، ودافع عن حقه في رئاسة الحكومة القادمة، واصفا حكومته السابقة بأنها كانت «الأقوى في تاريخ العراق». وفيما يلي نص الحوار:

* أعلنتم عن تحالفكم مع ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي، هل تعتقدون أن هذا التحالف ماض بقوة إلى الأمام؟ وهل سيصل إلى حد الاندماج مثلما ينص الدستور كي تكونوا الكتلة الكبرى؟

- هناك فرق بين الاندماج والتحالف، في التحالف يبقى الائتلافان لكن ضمن تحالف واحد. وفي الاندماج يذوب الائتلافان في ائتلاف واحد، وما هو مطلوب تحالف وليس اندماجا. فسرت المحكمة الاتحادية المادة 76 بأن رئيس الجمهورية يكلف مرشح الكتلة الأكثر عددا، والتفسير جاء إما، أو، إما الكتلة التي تتشكل بالتحالف أو الكتلة التي هي أكثر عددا. ونحن مع دولة القانون وفي الأمس القريب كنا واحدا ضمن الائتلاف الوطني العراقي، نحن خارجون من الأصل، وأنا كنت أوصي بإبقاء الباب مفتوحا مع دولة القانون، وعندما انتهت الفترة وأعلنت المفوضية عن تسجيل الكيانات، وبقينا نصر أن ما عجزنا عن تحقيقه في مرحلة الائتلاف يجب أن يتحقق في مرحلة التحالف، والحمد لله تحقق هذا الأمر وكان لي عمل إلى جانب إخواني وأشكر الله لأنه تحقق. وهذا ليس لنا فقط فلو قالوا لي إن الصف الكردي تصدع سوف أحزن ولو أقدر على تقديم جهد لن أتأخر، العراق القوي يحتاج إلى تحالفات قوية، والبرلمان القوي يقوم على كتل قوية، والكتل القوية تحافظ على أطرافها، ولا معنى لعراق قوي بلا كتل قوية، ولا معنى لبرلمان قوي وأطرافه متناحرة.

* هذا يعني أنكم تعتبرون أن هذا التحالف قوي! - لا يعني ذلك أنه لن يواجه تحديات ومشكلات واختلافات، هذه الحركية ستبقى في وعي الإنسان، ولكن عندما نجيد فن التعامل والاتفاق على المشترك فسوف نستطيع أن نحفظ وحدته.

* لكن هناك الاختلاف على اسم رئيس الوزراء، المالكي مصر بقوة على البقاء في منصبه، والائتلاف الوطني رشحكم إلى جانب عادل عبد المهدي، وآليات اللجنة المكلفة من الائتلافين لاختيار رئيس الوزراء صعبة، هناك سبعة أعضاء من كل جانب، وهذا يعني إذا رفض جماعة الائتلاف مرشح دولة القانون، فإن جماعة دولة القانون سيرفضون مرشح الائتلاف، وهكذا سنجدها لعبة لن تنتهي؟

- صحيح هذا الاختلاف موجود لكن الهيئة محكومة بسقف زمني محدد. أنا لا أقر هذا المبدأ وكنت أتمنى أن يختار العراقيون قائدهم مثلما اختار الشعب الفرنسي ساركوزي وأميركا اختارت أوباما، ونحن لا نختار القائد الذي نريده. لماذا هذه المغالطات الدستورية؟ يجب على الديمقراطية أن تأتي بالكبير اجتماعيا ليكون كبيرا في الحكومة، قد يصل كبير اجتماعيا ويدخل في البرلمان ومتاهاته لكن نضع كبيرا في الحكومة وهو ليس بكبير في المجتمع، هذه مغالطة كبيرة، بغض النظر من سيكون رئيس الوزراء. ولنكن واقعيين، هذا الدستور بمغالطاته، وعلينا أن نفقه الدستور بتعديله دستوريا، ولا يبرر ذلك أن نخرق الدستور، بل هذا يبرر تصليحه، والدستور ليس كتابا مقدسا، وهو ليس القرآن أو الإنجيل، وغالبية دول العالم غيرت دساتيرها. أميركا غيرت دستورها حتى عام 1971، وفرنسا غيرت دستورها لخمس مرات، وعلينا اليوم أن نتعاطى مع الواقع. يجب أن نتعامل ضمن المسموح الدستوري وعند ذلك لا خشية على الدستور. ويجب أن نقبل بالمعادلة الوطنية، وإذا لم يتحقق طموحك الشخصي فلن يتحقق طموحك الوطني، ويجب أن نقبل بما اختاره شعبنا، إذا لم يكن اليوم فغدا، وهذا ليس بعيب، وأنا لا أفهم الوطنية باعتبارها صفقة شخصية، إما أن أكون الشخص الأول أو لا. لذلك أتمنى من كل الإخوة في الكتل السياسية العراقية ودولة القانون والتحالف الكردستاني والائتلاف الوطني أن يشاركوا بقوة في العملية السياسية. العراق يحتاج إلى كل هؤلاء ومن المؤسف أن نعمل بمبدأ الإقصاء وأن أحدنا لا يتحمل الثاني، وأنا أعتبر هذا مفارقة سياسية لا تشرف أحدا.

* قلتم إن من يختاره الشعب هو الذي يجب أن يحكم؟

- هذا صحيح.

* الشعب اختار القائمة العراقية وفازت بـ91 مقعدا في البرلمان، لماذا لا تعطونها المجال لأن تحكم؟

- لو كان الدستور يُفسر من قبل الجهة ذات الصفة المشروعة وليس الشرعية، وتقول إن المادة 76 تنطبق فقط على «العراقية» ولا بديل للتحالف لدافعت عنها (العراقية).

* لكن المحكمة الاتحادية سيست في مواضيع سابقة، ففي موضوع إعادة فرز الأصوات كانت جميع الكتل تقريبا طلبت إعادة الفرز والعد لكن المحكمة أخذت فقط بطلب قائمة رئيس الحكومة، دولة القانون، وأهملت الاعتراضات الأخرى، وبعد تضحية أشهر من عمر العراقيين جاءت النتائج مثلما هي؟

- هناك سؤالان، الأول هو موقع المحكمة الاتحادية، وأنا لا أفهمها باعتبارها «زهرية»، عندما أحتاج إليها أستخدمها وبعكس ذلك أركنها جانبا. المحكمة الاتحادية ليست كذلك، هذه المحكمة لها أساس دستوري وقانوني، إما أن لها صفة الإلزام فألتزم بقراراتها، أو أشتكي عليها بطريقة دستورية، فالمحكمة الاتحادية سبق أن حسمت عدة قضايا أحيلت إليها وتقبلنا قراراتها، فأما أن نقول مرة نعم للمحكمة الاتحادية، وأخرى نقول لا نريد اللجوء إليها فهذا لا يجوز. إذا كان ثمة إشكال على هذه المحكمة فلنفتح ملفا اسمه المحكمة الاتحادية ونحدد لها مصيرها بطريقة دستورية، وأنا لا مشكلة لدي مع هذا الاقتراح، ولو فرضنا جدلا أن قرار المحكمة الاتحادية جاء مدافعا عن «العراقية» لوقفت إلى جانبها. أنا لا أدافع عن طرف معين، بل أدافع عن دستور، وقد يكون هناك أخطاء في الدستور لكن وفائي لوطني، وأنا أقيس وفاء أي مسؤول للوطن بمقدار التزامه بالدستور، ولا نحمل الدستور قناعاتنا الشخصية، ويجب أن نضغط على أنفسنا من أجل تطبيق الدستور، هكذا أفهم الوطنية، الوطني الذي يلتزم بالدستور، قد يكون هناك خطأ، وأنا أقول إن هناك أخطاء في الدستور لكن هذه الأخطاء تصحح دستوريا. هذا فيما يتعلق بالنقطة الأولى، أما فيما يتعلق بالانتخابات فنحن، تيار الإصلاح الوطني، أكثر طرف ضحية في انتخابات مجالس المحافظات والانتخابات التشريعية. هل رأيتم حجم كيان يحصل على 220 ألف صوت إلا بضعة مئات يحصل على مقعد واحد، أي نوع من نظام انتخابي هذا؟ هل يمكن احترام نظام انتخابات مثل هذا.

* لماذا احترمتموه ووافقتم عليه؟

- من قال إننا وافقنا عليه؟ ومن جاء وسألنا عن رأينا؟ حتى في التزوير الذي حصل بالانتخابات فنحن دفعنا ثمنا فيه.

* هل كان هناك تزوير في الانتخابات؟

- قد يكون هناك تزوير. وتزويرهم على كل المستويات، هناك تزوير، ليس عندي جهاز مراقبة خاص بي، لكن هناك تزوير حصل.

* السيد الجعفري له مقعد واحد في البرلمان ويجد نفسه مرشحا لرئاسة الحكومة، والدكتور إياد علاوي حصل على 91 مقعدا في البرلمان وتجدونه بعيدا أو غير مرشح لرئاسة الحكومة، أي ديمقراطية أو شرعية تتحدثون عنها؟ هذا ما يتحدث عنه الشارع العراقي؟

- لماذا نظرت لي كفرد في قائمة الائتلاف الوطني ولم تنظر إلى الأخ علاوي كفرد في القائمة العراقية؟

* أنا نظرت إليكم باعتباركم تيار الإصلاح الوطني الذي حصل على مقعد واحد في البرلمان، وإلى علاوي باعتباره رئيسا لقائمة حصلت على 91 مقعدا؟

- نحن عندما نقول إن الأخ المالكي حصل على 89 مقعدا فهل هذا يعني أنه حصل على كل هذه المقاعد بنفسه بل هناك معه كتل مختلفة، وعندما نحسب ماذا يمثل، نجد أنه يمثل كتلة واحدة وهو على رأسها فنقول إن هذه الكتلة أو هذا الشخص هذا استحقاقه، أما بالنسبة لعلاوي فهو من القائمة العراقية وليس «العراقية» من علاوي. الدكتور إياد علاوي مع مجموعة من الشخصيات كلها تشكل «العراقية»، لهذا «العراقية» أكبر من علاوي، ودولة القانون أكبر من المالكي، والائتلاف الوطني أكبر من الجعفري. وفي باب التقييم إما أن نأخذ فردا مقابل فرد، أو كتلة مقابل كتلة، أو قائمة مقابل قائمة، أنت أخذت من علاوي 91 مقعدا ومن الجعفري مقعدا واحدا فقط. أنا أعتقد أن عدد المقاعد يختلف عن نوعية المقاعد، لنأخذ من لبنان مثلا، ولنرجع إلى حدث تاريخي هناك، المارونيون يأخذون رئاسة الجمهورية، والسنة رئاسة الوزراء والشيعة لهم رئاسة البرلمان، لكن الدروز لا يأخذون أي رئاسة، لا يأخذون أي شيء، لكن كمال جنبلاط، درزي، كان رئيسا للوزراء، هل يستطيع أحد أن يتجاوز كمال جنبلاط؟ صحيح أنه كان له مقعد واحد لكنه أخذ رئاسة الحكومة، إذن نحن لسنا أمام عدد المقاعد وإنما أمام نوعية المقعد، يعني هناك إنسان مرتبط بكم، وإنسان آخر مرتبط بنوعية الأداء. والآن حسم الأسماء سيتم بطريقة ديمقراطية، هناك الأخ علاوي والأخ المالكي والأخ عادل عبد المهدي، ومرشحون آخرون مطروحون لرئاسة الوزراء والعملية سوف تحسم بطريقة ديمقراطية.

* هل تهيئون أنفسكم لرئاسة الحكومة القادمة؟

- أهيئ لرئاسة وزراء قوية قادمة، أفضل من أن أكون رئيسا للوزراء، إحساسا مني بأن رئاسة الحكومة القادمة ستكون مهمة ومحفوفة بمجموعة تحديات وأمامها أهداف معطلة كثيرة جدا، ووعيي لطبيعة الحاجات ينقلني إلى وعي من ينبغي أن يكون أو كيف ستكون رئاسة الوزراء. رئاسة الوزراء إذا أردناها أن ترتقي إلى طموحات الشعب العراقي والتحديات التي فرضت عليه يجعلني أن أحرص أشد الحرص على أن تكون رئاسة الوزراء قوية جدا وأن لا تكون ضعيفة، ولا يعني ذلك أن تكون على حساب الديمقراطية أو على حساب المشاركة المتجانسة والمتعددة وأن تكون بمنأى تماما عن الدكتاتورية.

* لم أفهم جوابكم جيدا، أنتم تهيئون لرئاسة وزراء بغض النظر عمن سيكون رئيسا للوزراء؟

- أنا أهيئ من أجل رئاسة وزراء قوية، ويبقى من سيكون رئيسا للوزراء، فهذا خيار سيتفق عليه البرلمان الذي يعبر عن رأي الشعب، فجهدي الشخصي غير منصب لأن أكون رئيسا للوزراء وإنما لأن تكون هناك رئاسة وزراء قوية يحتاجها البلد وتجيد فن التعامل مع التنوعات المختلفة دون أن تجنح إلى حالة طائفية أو حزبوية أو عنصرية.

* هل تعتقدون أن رئاسة حكومتكم كانت قوية، أو أن الفرصة لم تتح لها تحقيق ما تريدون؟

- الاثنين، كانت قوية، وأنا وصفتها في كلمة أمام البرلمانيين العراقيين بأنها كانت أقوى وزارة في تاريخ العراق، وأتمنى أن لا تكون الأقوى في مستقبل العراق. ولم أصفها كذلك انطلاقا من شعور عاطفي وإنما من خلال تماسك الوزراء في حضور الاجتماعات واتخاذهم للقرارات ومواجهتهم للتحديات وتصديهم للملفات المعقدة وفي مقدمتها الفساد المالي من خلال لجنة العقود، والمفاجآت التي جابهتها الحكومة بتماسك، المشكلة التي حدثت في جسر الأئمة والتفجيرات في سامراء، ووفائها بجدولة وتنفيذ المهام التي شكلت من أجلها وهي الدستور والبرلمان بتاريخ محدد.

وأن نقول إن الوقت لم يكن كافيا فهذا صحيح، الحكومة شكلت في مايو (أيار) 2005 وكان عليها أن تمتد حتى نهاية العام، وهذا يعني أن ستة أو سبعة أشهر من عملها ثم تحولت إلى حكومة تصريف أعمال ولو امتدت لأكثر من ذلك لحققنا الأكثر.

* كأن تمدد لدورة كاملة مثلا؟

- لا. مدة الحكومة انتهت ولكن أعيد انتخابي مرة أخرى ثم حصل الذي حصل من الملابسات.

* ماذا حصل؟

- وقتها حصلت صراعات انتخابية ومحاصصة استبدت بالبلد وبدأت حالة من التعاطي والمساومات على رئاسة الوزراء بعد أن حصلت الانتخابات وانتهى كل شيء، وتورطت الإدارة الأميركية والبريطانية في حينها فتفاعلت مع المنحى التحاصصي السيئ حيث وردت إشارات من كونداليزا رايس (وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك) وجاك سترو (وزير خارجية بريطانيا آنذاك) بأن الفترة طالت لتشكيل الحكومة ويبدو لي بأنهم لم يفهموا أن الدستور العراقي ينص على اختيار رئيس البرلمان ورئيس الجمهورية قبل اختيار رئيس الوزراء، وقد أجبتهما (وزيري خارجية أميركا وبريطانيا) بأن هذا الموضوع يخص الشعب العراقي وأنا جئت بطريقة ديمقراطية ولن أنسحب إلا بطريقة ديمقراطية، إما البرلمان لا يصادق على رئاستي للحكومة أو أن يسحب الائتلاف الوطني ترشيحه لي، أو الموت.

* أو؟

- الموت.

* الموت؟! - نعم.

* ماذا تعني بالموت، القتال أو ماذا؟

- مفهوم الموت هو مفهوم واسع، وهم فهموا ما أعني (يضحك بعمق)، لم يكن هناك غير هذا الاختيار، وقلت لهم أنتم تتحدثون مع إنسان هذه هي طبيعته، وواصلت إصراري على موقفي ثم شعرت بأن الائتلاف الوطني يتعرض للتصدع ولم أرد أن أضع الشعب الذي اختار أكبر كتلة أن يواجه كتلة متصدعة ويقترن ذلك باسمي رغم أني انتخبت بطريقة ديمقراطية وأعدت الأمانة لأهلها.

* لكن ليس بهذه السهولة؟

- لا، بكل سهولة. أنا عندما تقبلتها، تقبلتها كمسؤولية وليست كغنيمة، فأنا لست من أصحاب الغنائم في الحياة. هذه مسؤولية، ماذا يعني أن تكون رئيسا للوزراء، يعني أنك لا تأكل ولا تنام كالآخرين، لذلك الذين يعدون أنفسهم لرئاسة الوزراء في هذه الظروف عليهم أن يحسبوا للمسؤولية حسابا، وأن لا يتعاملوا مع وقت رئاسة الوزراء ليس بوقت الرغبة، وليس بوقت الاسترخاء بل بوقت المواجهة البناءة، ووقت الثقة بالله وبالشعب وبقدراته حتى يستطيع أن يحول هذه الطموحات إلى واقع على الأرض وهذا يحتاج إلى ثقة بالمستقبل وبالنفس والتفاني من أجل هذا الشعب ومن يفهم المسؤولية بهذا الشكل يجد أنه يتصدى لها بسهولة، وإذا شاءت مصلحة البلد فيتخلى عنها. أنا بالطبع لم أتخل عنها وإنما أرجعت هذه المسؤولية وهذا التخويل إلى الائتلاف ليرى ما يراه.

* لكنك قلت إن هذا تكليف شرعي (وجودكم في رئاسة الوزراء)؟

- أنا أحس به في داخلي بأنه تكليف وأنني عندما آخذ أي أمر على مسؤوليتي لا آخذه فقط لأني عندي رغبة فيه. عندما ألعب كرة الطاولة أستمتع بها، وعندما آكل ألتذ بالطعام، ولكني عندما أتقبل مسؤولية بلد بأكمله فإني أحسب للدماء حسابا، كيف أحقن دماء الأبرياء وكيف أرفع من مستوى الفقراء، وأحسب للمكونات السياسية حسابا وكيف أعتبرهم جميعهم أبنائي، من كل الطوائف الإسلامية، ومن كل المواطنين، وكيف أنتقل من حيث الرغبة إلى المسؤولية، وأصعب أنواع المسؤولية التي يحاسبني ربي عليها، إذن هذه هي المسؤولية الشرعية.

* هل حُقنت الدماء وروعي الفقراء في حكومتكم؟

- من دون شك.

* ماذا عن ضحايا جسر الأئمة، وضحايا ملجأ الجادرية الذي وعدتم بتشكيل لجان تحقيق حولهما ولا أحد يعرف بنتائج هذه اللجان، كانت تستخدم أنواع من التعذيب في ملجأ الجادرية وظهر وقت ذلك فن التعذيب بالدريل (المثقاب الكهربائي)، والجثث التي كانت تلقى بالشوارع، ووصل العراق إلى حد الاقتتال الطائفي والقتل على الهوية، هذا كله حدث في حكومتكم؟

- ما يتعلق بجسر الأئمة فإن مفاجأة حصلت على الجسر وهي أن أحدهم أخبر الناس أن هناك تفجيرا سيحصل، فهرع الناس المشاة المتوجهون إلى الإمام الكاظم (عليه السلام) وسقطوا من الجسر، وسقوطهم لم يكن بسبب حرب طائفية، وخذ بنظر الاعتبار أن جسر الأئمة لا يربط فقط بين ضفتين جغرافيتين هي الأعظمية والكاظمية، بل يربط بين مجتمعيتين مذهبيتين هي السنة والشيعة.

* ولكنهم يعيشون ويتعايشون هكذا منذ مئات السنين؟

- وهو كذلك. ولكن ماذا فعلنا نحن لنمنع أي تداعيات طائفية يستغلها الطائفيون من السنة أو الشيعة، سألنا هل هناك من الضحايا السنة، فوفقنا أن نلتقط اسم عثمان علي العبيدي الذي من بين ألف شيعي رددت اسمه في الفضائيات ورددته نشيدا في كل مكان، العبيدي السني الذي أنقذ ستة من الشيعة ومات خلال إنقاذه للضحية السابعة. هذا كان إجراؤنا في مواجهة الطائفية، ولو كان ذلك قد حدث في غير حكومتنا ربما لاستعرت نار الطائفية في كل مكان. والأمر ذاته حدث مع سامراء وكان المواجه لمنع نار الطائفية من الاشتعال. عندما شكلنا الحكومة في 2005 كان هناك بعض الفرقاء السياسيين لم يريدوا للإخوة السنة من المشاركة في الحكومة، وأرادوا لهم أن يأخذوا حجمهم الذي يتناسب مع وجودهم في البرلمان وكانوا 17 من مجموع 225 عضوا لكنني صممت ولثلاثة أشهر على أن يأتوا بعدد من الوزراء السنة يتناسب مع حجمهم الاجتماعي وليس حسب تمثيلهم البرلماني، وعندما لاحظوا أن إصراري لا مجاملة فيه أذعنوا وشكلت الحكومة وطارت بأجنحتها وكانت حكومة فاعلة بطرفها السني العربي. أضف إلى ذلك أن الوزراء السنة الذين عملوا معي في الحكومة بفاعلية هم اليوم أقطاب سياسيون ومنهم الإخوة، أسامة النجيفي وعبد مطلك الجبوري والدكتورة أزهار الشيخلي والدكتور سعدون الدليمي.

* وماذا عن ملجأ الجادرية؟

- موضوع ملجأ الجادرية لم أعلم به حتى الدقائق التي جاءني بها السفيران الأميركي والبريطاني برفقة جنرال عسكري وحدثاني عن الموضوع.

* لكننا كشفنا عن ممارسات ملجأ الجادرية وكتبنا في «الشرق الأوسط» قبل ذلك بأكثر من شهر؟

- دعني أقول لكم إنني لم أسمع عن ملجأ الجادرية إلا عن طريق السفيرين الأميركي والبريطاني وسألتهم عما يحدث فتحدثوا عن التفاصيل، وخلال وجودهم معي شكلت لجنة برئاسة الدكتور روز شاويس وكان نائبا لرئيس الوزراء، وحددت فترة للانتهاء من التحقيق، ولم يُستكمل التحقيق بسبب وفاة والدته (روز) وطلب التمديد وتم التمديد لمدة أسبوع ثم جاءني التقرير خاليا من توقيع أحد أعضاء اللجنة الذي اعتذر عن التوقيع فقلت لهم ليوقع مع التحفظ، ولم يوافق عندها، فحولنا التقرير مع استكمال التحقيق إلى السلطة القضائية. وفهمت فيما بعد أن اقتحام القوات الأميركية لملجأ الجادرية لم يحصل بسبب قضية عراقية وإنما لوجود إحدى الشخصيات التي تحمل جنسية أميركية كانت موجودة في الملجأ. تفاصيل هذه القضية لم أكن أعرف بها، واستنادا على ذلك طلبت الدخول إلى كل السجون ومراعاة ظروف السجناء، وحسب اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1948 التي تتعلق بحقوق الإنسان ومراعاة ظروف السجناء لنعرف إن كانت ظاهرة ملجأ الجادرية، أو جزء منها موجودة في السجون العراقية. وأحيطكم علما أن صدام حسين كان قد أضرب عن الطعام عام 2005، وجاءني ثلاثة من الأميركيين المسؤولين عن سجنه وقالوا إنه يطالب بتوفير بعض الأمور.

* ماذا كانت طلباته؟

- أمور تتعلق بتوفير بعض الأثاث في غرفته وإجراء الاتصالات، فقلت لهم أعطوه كامل حقوقه وكذلك الحقوق التي تنص عليها اتفاقية 1948 وفوجئوا، فقلت لهم أنا طبيب وإذا جاءني صدام حسين لأغراض العلاج فسوف أعالجه لكن عندما يتحول إلى القضاء فلا دخل لنا وسيأخذ جزاءه العادل عن طريق القضاء.

* في عام 2005 مررتم بتجربة قد تكون مرة بالنسبة لأي سياسي عراقي، مفادها أن مساعدكم في حزب الدعوة، نوري المالكي، رئيس الحكومة المنتهية ولايتها، كان قد أخذ منكم منصب رئاسة الحكومة بدعم من الصدريين الذين أنت اليوم مرشحهم لرئاسة الحكومة القادمة، ثم سيطر (المالكي) على رئاسة حزبكم، الدعوة، كيف تقبلتم ذلك؟

- علي أن أعيد لكم الذي حصل، وما حصل يختلف عما تفضلتم به، يوم 12 فبراير (شباط) 2006 جرى إعادة انتخابي لرئاسة الوزراء، وحصلت بعض الموانع المفتعلة من بعض الأطراف العراقية وتورطت بها الإدارتان الأميركية والبريطانية. بعد ذلك عرضوا علي بأن رئاسة الجمهورية أو رئاسة المجلس السياسي للأمن الوطني مفتوحة أمامي، فقلت لهم إن ما يحدده الشعب العراقي هو المجال المفتوح أمامي، الشعب الذي اختارني رئيسا للوزراء هو الذي يقرر، وإذا أغلق هذا الطريق فإنني أعود إلى البرلمان وهو بيت الشعب. قلت الشعب هو من يحدد وليس أنتم، ورفضت منصبي رئاسة الجمهورية والمجلس السياسي للأمن الوطني، وحتى يرضوني طلبوا مني أن أختار شخصا من حزب الدعوة لرئاسة الحكومة فكان الأخ المالكي هو اختياري ولم يكن مفروضا علي، هم تعاطوا معي باعتباري من حزب الدعوة وأعطوا الحق للحزب واخترت المالكي، وأرجو أن تصحح هذه المعلومة، ثانيا أن الصدريين كانوا قد صوتوا لي في الدورة الأولى، داخل الائتلاف العراقي الموحد، كرئيس للوزراء، فانتقل التصويت إلى المالكي باعتباره مرشح حزب الدعوة. أما بالنسبة لرئاسة حزب الدعوة فأنا حضرت المؤتمر وكانت لدي ملاحظات أساسية على ما حصل في المؤتمر وهذه أمور داخلية تخص الحزب، فتحفظت عليها ولم أتفاعل مع النتائج، طلبوا فترة لستة أشهر ثم يعيدون المؤتمر فقلت لا، السياق من الآن حتى ستة أشهر لا أقبل به وهذه ملاحظاتي يجب أن يؤخذ بها، فاختلفت معهم وتركت تنظيم حزب الدعوة الإسلامي بتركي للمؤتمر بقرار مني ومن دون ضغط من أحد واحتفظت لنفسي بما لدي من ملاحظات.

* وأنا أدخل إلى مقركم قرأت شعار تياركم (الإصلاح) والذي يقول (احترام الإنسان ورعاية الفقير)، هل راعيتم الفقراء في حكومتكم؟

- بالنسبة لنا، ولأن الغالبية من العراقيين هم في حالة فقر لهذا وضعنا الفقر كعدو.

* أليس غريبا أن يكون غالبية العراقيين فقراء وبلدهم غني؟

- هذه جريمة. بلد غني مثل العراق هو أغنى بلد وشعبه أفقر شعب، هذه مفارقة أشرناها، وشعارنا الذي قرأته أنت هو شعار مرحلي يبدأ برعاية المواطن وينتهي بصيانة المواطن، ويبدأ بمساعدة الفقير وينتهي بإغناء الفقير، وإلا ماذا يعني أن تحترم أو ترعى الفقير، ماذا سيتغير، نحن نريد إغناء الفقير، وهذا ليس شعارا وإنما واقع ينتظر تدوير الثروة، وكيف نجعل 70 مليار دولار في خدمة شعب تعداده 30 مليون نسمة، ونستطيع بكل جدارة الوصول إلى هدفنا إذا تخلصنا من المحاصصة السيئة الصيت والفساد المالي والإداري المستشري. كنا ننتظر كل فرصة لنوزع فيها هدايا على الشعب في الأعياد، وكنا نوزع كل مفردات البطاقة التموينية وإذا نقصت مادة نعوضها بالمال، وفي شهر رمضان المبارك كنا نضع هدية إلى المواطنين، كمعجون الطماطم مثلا، وعندما كانت تحدث الانفجارات، وهي انخفضت في حكومتنا عما كانت عليه في الحكومة السابقة، كنا نهدي مبلغا من المال لعوائل الشهداء ونصف هذا المبلغ للجرحى، إضافة إلى ذلك كنا نلبي طلبات وفود المناطق الفقيرة. كل هذه الإجراءات كانت آنية. وخططنا كانت تجري لمكافحة الفساد من خلال لجنة العقود التي خفضنا الفساد فيها إلى 95%، وكانت صلاحية الوزير التوقيع على عقود مبالغها 3 ملايين دولار وأكثر من ذلك فإن العقود تذهب إلى لجنة العقود التي عقدت 75 اجتماعا، بمعدل ثلاثة اجتماعات لكل أسبوعين، وفتحنا أبواب التعيينات ضمن موازنة حاجة البلد وتم تعيين 59 ألف موظف في وزارة التربية، و50 ألفا في وزارة الصناعة وتعيين 5 آلاف إعلامي تم الاستغناء عنهم بسبب إلغاء وزارة الإعلام إلى وزارة الثقافة، وتسلمت القوات المسلحة بعدد أقل من الثلث وسلمتها بأكثر من الثلثين.

* هل تعتقدون أن موضوع تشكيل الحكومة سيأخذ الكثير من الوقت؟

- أعتقد سيأخذ بضعة أسابيع، والبضع في اللغة العربية من 3 إلى 9.