إدارة أوباما تحضر لخطط بديلة للتعاطي مع إيران إذا فشلت العقوبات في ردعها

مستشارو الرئيس مقتنعون بأن النظام لن يرتدع.. والعقوبات فقط تؤخر يوم الحساب

نجاد يضرب على رأسه بعد خروجه من معرض شنغهاي أمس (أ.ف.ب)
TT

لا أحد في البيت الأبيض في إدارة باراك أوباما يصدق أن الجولات الجديدة من العقوبات ضد الشركات التي يديرها الجيش الإيراني وخطوط الشحن والمؤسسات المالية التابعة له، في حد ذاتها، ستجبر طهران على إيقاف برنامجها النووي. فما الذي يعتزم أوباما القيام به إذا ما حدث ما يتوقعه الجميع، وهو فشل هذه العقوبات، شأنها شأن العقوبات التي سبقتها؟

هناك خطة بديلة – في الواقع خطة أولى وثانية وثالثة – بدأت أجزاء منها تتكشف بالفعل عبر الخليج العربي. لا تتحدث الإدارة عن هذه الخطط كثيرا، على الأقل بصورة علنية، لكنها تشمل احتواء عسكريا من النمط القديم، وعملية تعرف بصورة غير رسمية في وكالة المخابرات المركزية الأميركية باسم «مشروع استنزاف العقول» لجذب الكفاءات النووية الإيرانية بعيدا عن البلاد. بشهادة الجميع، عزز أوباما برنامجا سريا، يرجع إلى عهد الرئيس السابق جورج بوش، من أجل تقويض البنية التحتية لتصنيع الأسلحة النووية في إيران. وبصورة هادئة وعلى الصعيد الدبلوماسي، استغل التهديد الكامن لإسرائيل للقيام بعمل عسكري في حال إخفاق الدبلوماسية والضغوط.

بيد أنه بسؤال المصممين والمنفذين لهذه البرامج ماذا نتج عن جميع هذه البرامج، تؤول الإجابة حتما إلى أنها «غير كافية». ويقول المسؤولون إنه بالنظر إلى هذه البرامج مجتمعة، فإنها قد تؤدي إلى إبطاء التقدم الإيراني تجاه تصنيع الأسلحة النووية، والذي وصل بالفعل إلى تباطؤ تقني أكبر بكثير مما توقع أي فرد. وإذا تعززت هذه الضغوط، فقد يتم دفع إيران إلى طاولة المفاوضات، وهو الأمر الذي تجنبته منذ أن تولى أوباما السلطة وعرض «المشاركة».

لكن أوباما، في تصوره للسبب وراء أن الدبلوماسية لم تتمخض عن أي شيء حتى الآن، قال: «نعرف أن الحكومة الإيرانية لن تغير سلوكها بين عشية وضحاها». ووصف كيف أن العقوبات بدلا من ذلك ستقود إلى «تكاليف متزايدة». ويبدو كأن هذا التقييم يشبه المزيج الذي أصبح مألوفا الآن من الواقعية والصبر الذي حاول أوباما أن يجعله السمة المميزة للنهج الذي يتبعه في السياسة الخارجية. إلا أنه في حالة إيران، يتحرك ضد عقارب الساعة. وكما أشار في شهر أبريل (نيسان) الماضي، بمجرد أن تجتاز إيران نقطة معينة، قد يكون مستحيلا معرفة متى اتخذت الخطوات الأخيرة لتصنيع الأسلحة النووية.

يوم الخميس الماضي، ردت إيران على العقوبات الجديدة بتهديدها بحجب برنامجها النووي عن الرقابة الدولية عن طريق مراجعة علاقاتها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة. ونقلت القناة التلفزيونية الإيرانية التابعة للحكومة «برس تي في» عن علاء الدين بوروجردي، رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، قوله إن المشرعين سيلتقون يوم الأحد «للضغط تجاه سن تشريع يهدف إلى خفض مستوى العلاقات بين إيران والوكالة الدولية».

ويقول بعض كبار المسؤولين في البنتاغون ووكالات المخابرات الأميركية، إنهم يتساءلون عما إذا كان البيت الأبيض في الحقيقة تصدى لمسألة إلى أي مدى من الممكن السماح لإيران المضي قدما، وما هو نوع المخاطر التي يستعد أوباما للقيام بها بعد العقوبات.

وقال مسؤول بارز، شارك في الكثير من المناقشات حول خيارات أوباما، «ليس هذا هو النوع من الأسئلة التي تكسب الكثير من النقاط بطرحها، لأنك بمجرد وضع حد معين يتعين عليك أن تقرر كيف ستتعامل مع الأمر إذا ما تجاوز الإيرانيون هذا الحد». ويبدو أن الحاجة إلى مواجهة هذه القرارات كانت الرسالة الكامنة في مذكرة سرية أرسلها وزير الدفاع روبرت غيتس إلى البيت الأبيض في شهر يناير (كانون الثاني)، والتي طرح فيها أسئلة حول التكتيكات والاستراتيجية التي تفترض مقدما أن الجولة الرابعة من العقوبات لن تكون كافية.

وعلى الرغم من أن غيتس قال في وقت لاحق إن هذه المذكرة محاولة روتينية للتطلع إلى المستقبل، فسرها بعض المسؤولين على أنها محاولة لفرض النقاش حول أصعب الأسئلة.

وتمثل العقوبات أداة مغرية بالنسبة إلى أي رئيس، حيث إنها تفرض مزيدا من الضغوط عوضا عن عدم القيام بأي شيء أو إصدار إدانات دبلوماسية مألوفة، وتجنب خيار المواجهة العسكرية. ولسوء الحظ، عندما يتعلق الأمر بمنع الدول من الحصول على القنبلة النووية، يشير التاريخ إلى أنها نادرا ما تكون فعالة.

وأقسمت واشنطن لسنوات أنها ستمنع الهند وباكستان من الانضمام إلى النادي النووي وأوقفت المساعدات الموجهة إليهما لفترة وجيزة. والآن، تتعاون سرا مع باكستان من أجل تأمين الترسانة الخاصة بها، ووقعت معاهدة مع الهند تسمح لها بشراء المواد النووية. وخضعت كوريا الشمالية للعقوبات لسنوات، وتعاني كذلك من الإفلاس؛ ولم يمنعها ذلك من إجراء اختبارات نووية غير متقنة. وفي حين تم إقناع بعض الدول بالتخلي عن أسلحتها أو أحلامها بامتلاك الأسلحة النووية – ومن بين هذه الدول جنوب أفريقيا وليبيا وكوريا الجنوبية – فإن الظروف كانت مختلفة تماما عما هي عليه الآن في حالة إيران.

وقال رولف موات لارسين الذي تتبع البرامج النووية حول العالم لصالح وكالة المخابرات المركزية الأميركية ووزارة الطاقة الأميركية قبل أن ينتقل إلى التدريس بجامعة هارفارد قبل عامين: «لن يكون للعقوبات في صورتها الحالية أي تأثير ملموس على إيران. لن تفعل ذلك. ويقول الواقع إنه ليس هناك خيار عسكري أكثر قابلية للاستمرار». ويقول مستشارو أوباما إنهم يعرفون أن العقوبات أداة محدودة وأن الخيارات العسكرية هي الخيارات الأخيرة والأكثر مخاطرة، لذا فقد توصلوا إلى خيارات أخرى. وجرى نشر أنظمة مضادة للصواريخ تسيطر عليها أميركا بصورة سرية في الدول العربية المطلة على الخليج العربي. وهذا نوع من الاحتواء الكلاسيكي، لكن ليس له أهمية تذكر ضد البرنامج النووي. وفي حين تمتلك إيران ترسانة متنامية من الصورايخ التقليدية، فإن خبراء المخابرات يعتقدون أن الأمر سيستغرق سنوات قبل أن تتمكن من صناعة سلاح نووي يمكن حمله فوق الصواريخ. إلا أن مخاوفهم تكمن في صنع صاروخ يمكن تسليمه إلى حركة حماس أو حزب الله عبر شاحنة، وهو التهديد الذي لا تصلح معه الأنظمة المضادة للصواريخ. وواصلت الإدارة الأميركية دعم جماعات المعارضة في إيران، لكنها تتحرك بحرص خشية أن تبدو كأنها تتدخل في السياسة الداخلية لإيران. ويوم الخميس الماضي، أيد السيناتور جون ماكين مجددا تغيير النظام الحاكم، لكنه كان حريصا على أن يقول إنه يجب أن يكون «تغييرا سلميا، يختاره ويقوده الشعب الإيراني». وهذا هو النوع من التغيير الذي لا يستطيع البيت الأبيض السيطرة على توقيته. وقد اجتذب برنامج استنزاف العقول المنشقين إلى خارج البلاد، وبحوزتهم في بعض الأحيان أجهزة كومبيوتر محمولة مليئة بالمعلومات عن التقدم الذي تحرزه إيران. وظهر أحد آخر المنشقين على موقع «يوتيوب» في الآونة الأخيرة، وادعى في بادئ الأمر أنه تعرض للاختطاف، وأقر بعد ذلك أنه يدرس في الولايات المتحدة. وليس هناك شك في أنه جزء من هذا البرنامج، لكن لا يزال هناك الكثير من الأسئلة حول كم المعلومات التي لديه وكيف تستطيع هذه المعلومات مساعدة الولايات المتحدة. وقال مسؤول سابق بالمخابرات: «التأثير الكبير هو تأثير نفسي. يقول للإيرانيين إننا داخل برنامجكم».

وتفعل ذلك أيضا الجهود السرية الرامية إلى جعل المعدات تفشل، وهو ما يُعتقد أنه حقق بعض النجاحات. لكن، شأنها شأن العقوبات، ليس من المحتمل أن تفعل هذه الجهود شيئا أكثر من تأجيل يوم الحساب، ما لم يكن أوباما محظوظا.

* خدمة «نيويورك تايمز»