المدفعية الإيرانية تقتل طفلة في قرية «ويزة» الحدودية بكردستان العراق

أسرة «بسوز» تتسلم شهادة تفوقها بعد مقتلها

TT

سهرت ليالي طوالا وهي تذاكر تحت رحمة الكهرباء التي يعاني إقليم كردستان من أزمة حادة في تجهيزها، فتلجأ إلى ضوء الفانوس لتراجع دروسها، فهي مقبلة على الامتحانات السنوية، وكانت «بسوز» ذات الأربعة عشر ربيعا مصرة على أن تتفوق فيها، ووعدت أمها بذلك، بل وطمأنتها بأنها ستكون الأولى على فصلها، وكان لها ذلك، ولكن..!! بهذه الكلمات التي تفطر القلب تحدث جبار أغا محمود والد الطفلة بسوز التي اغتالتها المدافع الإيرانية قبل أسبوعين لـ«الشرق الأوسط» وهو يروي مأساته مع القصف الإيراني الذي أسفر عن مقتل ابنته. ويسترجع الأب المكلوم الذي يمتلك دكانا صغيرا لبيع أكياس النايلون في مدينة رانية بعد أن هجر قريته، تلك اللحظات السعيدة لدى الطفلة وهي تنهي امتحاناتها السنوية وتعود إلى البيت فرحة وكلها ثقة بالتفوق. لم تتحمل بسوز ذلك الانتظار الممل لحين تسلم بطاقة الامتحانات، على الرغم من أنها لم تكن قلقة على نتيجتها، ولكنها أرادت أن تثبت لأمها الوعد الذي قطعته لها بأن تكون الأولى على فصلها. أرادت أن تشغل نفسها بشيء لتتحرر من قلق الانتظار، وهكذا فكرت في زيارة بيت خالتها في قرية «ويزة» الحدودية لتستعيد أجواء الطبيعة وتستنشق هواءها، خاصة أنها في الأصل قروية نزحت مع عائلتها من قرية «زاركلي» في سفح جبل قنديل إلى مدينة رانية، وكانت سعيدة بقرب لقاء بنات وأبناء خالتها واللعب معهم بين الأحراش والبساتين، وأن تمضي جزءا من عطلتها السنوية هناك، وطلبت من أمها أن تتسلم نتيجة امتحاناتها بدلا منها، على شرط أن تخبرها بذلك.

حزمت بسوز أمتعتها في صرة صغيرة وتركت مدينة رانية الحدودية التي تعتبر إلى حد ما آمنة وبعيدة عن القصف الإيراني مع أبيها، وساقها القدر إلى تلك قرية «ويزة» الحدودية التي كانت آمنة في تلك اللحظات، ولم تكن الصغيرة تدري أنها تسير نحو حتفها، بل كانت تشعر بمنتهى السعادة وهي ستلتقي بعد غيبة طويلة ببنات خالتها في تلك القرية الوديعة بعد أن أنهت أسابيع مثقلة بالمذاكرة والسعي ومراجعة الدروس.

المأساة كانت كبيرة على أبيها جبار، الذي يبدو أن شبح القصف المدفعي يطارده هو وعائلته، فقد كانت هذه العائلة في الأصل تسكن في قرية على سفح جبل قنديل الذي كان معرضا بشكل يومي للقصف الجوي والمدفعي التركي، مما أدى بالرجل وعائلته إلى النزوح من هناك واللجوء إلى مدينة رانية الآمنة، ولم يكن يدري أن القصف الإيراني سينجح هذه المرة في اغتيال طفولة ابنته.. لقد هرب من قدر إلى قدر آخر.

ويقول جبار إن ابنته «كانت مطيعة جدا لم تغضبنا يوما، وعلى الرغم من أن لنا ابنتين وولدا آخر في العائلة، لكن بسوز كانت أكثرهم تفوقا في دراستها، وكانت زميلاتها ومعلموها يحترمونها لذلك، وبعد أن استشهدت تأثر جميع من زاملوها في المدرسة وبكوا عليها، كما أقامت المدرسة ومعلموها مراسم خاصة لوداعها».

زينب خدر، أم بسوز التي لا تفارق الدموع عينيها حزنا على فقد ابنتها المدللة تلقت نتيجة امتحانات طفلتها أول من أمس، وتبين أنها حصلت على المرتبة الأولى على صفها المدرسي، فانهمرت الدموع من عينيها وهي تتطلع إلى درجاتها وتتذكر وعد بسوز لها بالحصول على المرتبة الأولى.

لقيت بسوز حتفها في قرية «ويزة» التي تعرضت لقصف مدفعي إيراني مكثف يوم 30 مايو (أيار) الماضي، وما زالت المدفعية الإيرانية تقصف المناطق والقرى الحدودية بشكل يكاد يكون يوميا على الرغم من إنكار السفير الإيراني في بغداد وقوع أي عمليات قصف لتلك المناطق، ويقول، في تصريحات سابقة، إنه «لا أساس للقصف المدفعي على الحدود الكردستانية، ومن يروجون لذلك هم أطراف يتدخلون في الشأن العراقي، ويريدون بتسويق مثل هذه الاتهامات، التغطية على تدخلاتهم ومحاولاتهم لتأزيم العلاقات بين العراق وإيران».