شائعات عن شكوك كرزاي في قدرة الغرب على هزيمة طالبان

الرئيس الأفغاني فقد إيمانه بقدرة الأميركيين والناتو في السيطرة على أفغانستان

TT

كان اثنان من كبار المسؤولين الأفغان يعرضان على الرئيس كرزاي الأدلة على الهجوم الصاروخي المروع الذي تعرض له مؤتمر السلام الشامل بداية هذا الشهر، عندما أخبرهما كرزاي عن اعتقاده بأن طالبان بريئة من المسؤولية عن الهجوم.

وقال عمرو الله صالح، رئيس جهاز الاستخبارات الأفغاني السابق: «لم يبد الرئيس اهتماما بالأدلة - على الإطلاق - وعاملها كأنها أمر لا يستدعي الاهتمام».

ورفض صالح مناقشة دوافع كرزاي وراء هذا الاعتقاد بمزيد من التفصيل، لكن مسؤولا أفغانيا بارزا اطلع على ما دار خلال الاجتماع، تحدث شريطة عدم الإفصاح عن هويته، قال إن كرزاي أشار إلى أن الأميركيين ربما يكونون هم من نفذوا القصف الصاروخي. وبعد دقائق من الاجتماع استقال صالح ووزير الداخلية محمد حنيف عتمار - وهو ما يعد الانشقاق الأكثر دراماتيكية في حكومة كرزاي منذ توليه السلطة قبل تسع سنوات. وقال صالح وعتمار إنهما استقالا بعد تشكيك الرئيس كرزاي في ولائهما. لكن التوتر المتصاعد، بحسب صالح ومسؤولين أفغان وغربيين، دليل على فقد كرزاي إيمانه بقدرة الأميركيين والناتو في السيطرة بشكل كامل على أفغانستان. لهذا السبب قال صالح ومسؤولون آخرون إن كرزاي كان يضغط من أجل عقد الاتفاق الذي صاغه مع طالبان وباكستان الخصم اللدود لبلاده والداعم الأبرز لطالبان. ويرى مسؤول أفغاني بارز سابق أن مناورات كرزاي شملت مفاوضات سرية مع طالبان خارج إشراف مسؤولي الولايات المتحدة أو الناتو.

وقال صالح في مقابلة معه في منزله: «فقد الرئيس إيمانه بقدرة كل من التحالف أو حكومته على حماية أفغانستان. صحيح أن الرئيس لم يعلن أن الناتو سيخسر لكن أسلوبه تجاه الحملة ضد طالبان تؤكد فقده الثقة في قدرتها على العمل». يقول المقربون من الرئيس إنه بدأ يفقد الثقة في الأميركيين الصيف الماضي في أعقاب الانتخابات العامة التي أكد فيها مراقبون مستقلون أن ما يقرب من مليون ورقة انتخابية تم تزويرها لصالح كرزاي. وتزايد الصدع في ديسمبر (كانون الأول) الماضي عندما أعلن الرئيس أوباما عن نيته خفض عدد القوات الأميركية بحول صيف 2011.

وقال دبلوماسي غربي في كابل، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن كرزاي أخبره أنه لا يثق في قدرة القوات الأميركية على السيطرة على الأوضاع في أفغانستان. وأنه يعتقد أنهم سرقوا شرعيته خلال الانتخابات الماضية وأنهم صرحوا علانية بأنهم سيغادرون أفغانستان. تراجع رغبة كرزاي على العمل عن قرب مع الولايات المتحدة واستخدام الجيش الأفغاني في قتال طالبان سيمثل مشكلة لإدارة أوباما التي تقوم استراتيجيتها على طرد طالبان من المدن حتى تتمكن حكومة كرزاي وجيشه من العمل بحرية، مما يسمح للأميركيين بخفض مشاركتهم في حرب مكلفة لا تلقى دعما في الولايات المتحدة. وكانت العلاقات مع كرزاي قد شابها التوتر لبعض الوقت، مما دفع المسؤولين الأوروبيين إلى التعبير عن قلقهم في الماضي ووصفوا تصرفات كرزاي بالغريبة. فقد اتهم كرزاي قوات الناتو في كلمة له الشتاء الماضي بنقل مقاتلي طالبان إلى شمال أفغانستان في مروحيات لهم. وفي أعقاب الانتقادات التي تعرض لها كرزاي في بداية العام الحالي من الإدارة الأميركية قال كرزاي لمناصريه إنه يفكر في الانضمام إلى حركة طالبان.

وقد حاول المسؤولون الأميركيون رأب الصدع مع كرزاي خلال زيارته الأخيرة إلى البيت الأبيض الشهر الماضي. وقد تطابقت وجهات نظر كرزاي مع وجهات نظر القادة الأميركيين حول الكثير من القضايا مثل بدء المفاوضات مع قادة طالبان وإقناع مقاتليها بالتحول إلى صف الحكومة. لكن دوافع كل منهما كانت متناقضة بشكل صارخ، فالأميركيون وقوات الناتو يقومون بالدفع بعشرات الآلاف من القوات إلى أفغانستان لإضعاف متشددي طالبان وإجبارهم على اللجوء إلى طاولة المفاوضات. فيما يعتقد كرزاي أن العملية التي تقودها الولايات المتحدة لن تجدي. وخلال المؤتمر الصحافي الذي عقد في القصر الرئاسي هذا الأسبوع رفض كرزاي الإجابة عن سؤال وجه إليه بشأن دور طالبان في هجوم الرابع من يونيو (حزيران) على مؤتمر السلام وإيمانه بقوات الناتو. وقال كرزاي «من الذي قام بذلك؟ هذا سؤال تجيب عنه مؤسساتنا الأمنية». وعندما سئل عن مدى ثقته في قوات الناتو رد كرزاي بأنه ممتن لهم على الدعم وقال «إن شراكتنا جيدة جدا»، لكنه رفض الإجابة على السؤال. وأضاف خلال المؤتمر الصحافي الذي جمعه بديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني: «نحن نواصل العمل على جميع الأصعدة». وقال مسؤول بالناتو متحدثا عن كرزاي: «ما يقلقني هو قدرة كرزاي على التصرف كقائد حربي». وأشار مسؤول الناتو إلى أن القادة الأميركيين قدموا لكرزاي ملفا يظهر أدلة دامغة على تنفيذ مقاتلين تابعين لجلال الدين حقاني، أحد أبرز القادة الذين يقاتلون تحت راية طالبان، الهجوم على مؤتمر السلام.

وتظهر استقالة صالح وعتمار عمق الصدع بين القادة الأفغان حول الطريقة المثلى للتعامل مع طالبان وراعيتها باكستان. عمل صالح في السابق مساعدا لأحمد شاه مسعود، القائد الأسطوري الذي حارب القوات السوفياتية وطالبان. وقد امتنع الكثير من كبار قادة مسعود السابقين المنتمين إلى عرقية الطاجيك عن المشاركة في مؤتمر السلام، حيث يفضل صالح وأمثاله نهجا متشددا في التفاوض مع طالبان وباكستان. ينحدر كرزاي كغالبية مقاتلي طالبان من عرقية البشتون، وقد أظهر في الآونة الأخيرة ميلا تجاه تبني نهجا أكثر تصالحية.

في نهاية مؤتمر السلام، أعلن كرزاي تشكيل لجنة تراجع كل قضية من قضايا مقاتلي طالبان المعتقلين في السجون وإطلاق سراح من لا يعتبرون خطرين للغاية منهم. اللجنة التي سيقودها الكثير من القادة البارزين في حكومة كرزاي، عدا مديرية الأمن الوطني، ووكالة الاستخبارات التي يديرها صالح. وخلال المقابلة قال صالح إنه رفض هذا الاستثناء، وقال إن مهمته الأساسية هي فهم طالبان، وإن استثناء وكالة الاستخبارات من اللجنة زادت من قلقه من إمكانية إطلاق كرزاي المئات من مقاتلي طالبان.

* خدمة «نيويورك تايمز»