إيران: نيران الغضب لا تزال مشتعلة تحت الرماد

الكثير من الإيرانيين يشعرون بالإحباط.. ولكن آخرين يرون أن التضحية ستأتي بثمارها

TT

بعد مرور عام على الانتخابات الإيرانية المتنازع على نتائجها، عاد إيقاع الحياة المألوف من جديد. ومن خلال إجراءات صارمة واسعة النطاق، وفي بعض الأحيان اتسمت بالوحشية، نجحت الحكومة في إخماد حركة احتجاجية هزت أرجاء البلاد لأشهر بعد إعادة انتخاب الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في انتخابات قالت المعارضة إنها تعرضت إلى التزوير.

ولكن، يختبئ تحت هذا الهدوء ما يصفه الكثيرون داخل طهران بـ«نار تحت الرماد». نعم، انقضت المظاهرات والاحتجاجات الكبرى، ولكن ما زالت المشاعر القوية باقية وتسري في مختلف أنماط الحياة اليومية. وتقول امرأة شابة تطوعت لأعوام في مستشفى أطفال، إنها ترى حاليا عملها التطوعي «وسيلة مقاومة» لأنه يظهر عجز الحكومة عن توفير الرعاية الصحية المناسبة. وقال ابن مسؤول بارز لصديق إنه لم يعد يأخذ أموالا من والده لأنه يعمل لدى الحكومة التي يراها الابن حكومة فاسدة.

واختار أستاذ جامعي في كلية طب مؤخرا استخدام قلم أخضر لتدوين الملاحظات على سبورة بيضاء لطلابه، وبعد ذلك قال مبتسما إنه سيستخدم لونا آخر، إذ ربما يلقى القبض عليه لاستخدام القلم الأخضر لأنه يمثل لون المعارضة السياسية.

ويقول مدرس يبلغ من العمر 30 عاما، طلب عدم ذكر اسمه مثل معظم الأشخاص الذين أجريت معهم مقابلات خشية العقاب من قبل الدولة: «ربما يبدو من الظاهر أن كل شيء قد انقضى، ولكن يحافظ الجميع على النار مشتعلة تحت الرماد، حتى يمكنهم استخدامها مرة أخرى عندما تتاح الفرصة».

لقد تغيرت إيران منذ الأزمة السياسية التي نشبت في 12 يونيو (حزيران) 2009. وخلال عشرات المقابلات التي أجريت على مدار الأشهر الكثيرة الماضية مع إيرانيين من جميع أطياف المجتمع داخل وخارج إيران، ظهرت صورة واضحة عن مجتمع أكثر وعيا من الناحية السياسية، مع اتساع الخلافات بين الطبقة الوسطى والفقراء وظهور منشقين يعارضون الجمهورية نفسها، للمرة الأولى في تاريخ الجمهورية الإسلامية الذي يمتد إلى ثلاثة عقود.

وقد امتزجت الشكاوى السياسية بمباعث قلق أكثر ارتباطا بالحياة العملية، مثل معدلات البطالة المرتفعة والتضخم الذي أصبحت نسبته من رقمين، علاوة على حالة الاستياء.

ويقول موظف حكومي يبلغ من العمر 59 عاما: «كنت في الحافلة مؤخرا، وكان هناك رجل لديه معلومات كثيرة جدا، وتحدث عن احتياطي العملة الأجنبية في دول مختلفة وأخذ ينتقد الحكومة». ويقول خبراء سياسيون إن أحمدي نجاد والمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي أقوى في الوقت الحالي بالمقارنة بوضعهما قبل عام، على الرغم من تضاؤل قاعدة دعمهما. ويعتمد الاثنان بدرجة كبيرة على استخدام القوة والترويع وعمليات الاعتقال وأحكام السجن والرقابة والإعدام من أجل الحفاظ على نفوذهما. وقاما بإغلاق صحف وحظر أحزاب سياسية وأسكتا الجميع، فيما عدا من يفكر على طريقتهما، ورحل الآلاف من المعارضين عن إيران خشية تعرضهم إلى السجن. وقد ماتت حركة الإصلاح كتنظيم سياسي رسمي. وعلى الرغم من أن زعيمي ما تسمى بـ«الحركة الخضراء» - المرشحان الرئاسيان السابقان، رئيس الوزراء السابق مير حسين موسوي ورئيس البرلمان مهدي كروبي - لم يتراجعا عن مطالبتهما بمقدار أكبر من الحرية السياسية، فقد أسقطا سياسة المواجهة المباشرة مع الحكومة، قائلين إن ذلك لا يستحق الثمن الذي يدفع بالدم وأحكام بالسجن، وألغيا مظاهرات كان من المقرر تنظيمها اليوم بعد أن فشلا في الحصول على تصريح.

وأوضحت الهيئات الأمنية في الأيام التي سبقت الذكرى السنوية للانتخابات الرئاسية، أن أي شخص ينزل إلى الشارع سيتم التعامل معه بحزم بالغ. وأول من أمس، أشار أشخاص في طهران إلى أنه جاءتهم رسائل نصية على أجهزة الهاتف الجوال الخاصة بهم، تقول: «عزيزي المواطن، لقد خدعتك وسائل إعلام أجنبية، وأنت تعمل لصالحها. وإذا فعلت ذلك مرة أخرى، ستعامل طبقا لقواعد الشريعة الإسلامية».

وقبل يوم من ذلك، استعرضت الشرطة قوتها وجاب ضباط شرطة يرتدون ملابس سوداء وضباط يرتدون الزي الرسمي، الشوارع على درجات نارية، ووضعوا حواجز في الطرق. لقد سارعت الأزمة وأضفت طابعا مؤسسيا على عملية نقل السلطة بدأت بانتخاب أحمدي نجاد لأول مرة عام 2005. وكان ذلك تحولا من ثوريين إلى جيل نضج خلال الحرب بين إيران والعراق التي استمرت ثمانية أعوام، وهم متشددون يعارضون بشدة إصلاحات ليبرالية نوعا ما يدعو إليها الرئيس السابق محمد خاتمي. ويأتي في طليعة النخبة السياسية الجديدة قوات الحرس الثوري، التي تشرف على برامج الصواريخ والبرنامج النووي الإيراني، ووسعت هذه القوات من سيطرتها على الاقتصاد وعلى منظومة الحكم داخل إيران. كما عزز الحرس الثوري من قوته للسيطرة على الشوارع ومراقبة الاتصالات الإلكترونية ومتابعة الحرم الجامعي. ويتولى أشخاص كانوا في الحرس الثوري قيادة الأجهزة الأمنية الحكومية. وقد تعهدت قيادات الحرس الثوري بالتعامل بحزم مع حركة المعارضة، ومنذ فبراير (شباط) - عندما قمعوا احتجاجات كان من المقرر إقامتها في الذكرى الحادية والثلاثين لإنشاء الجمهورية الإسلامية - نفذت التحذيرات.

وقالت امرأة تبلغ من العمر 80 عاما بينما كانت تجلس في مطبخها تطهو البصل وتعد طبق أرز: «لدى المواطنين وعي أكثر من أي وقت مضى، ولكنهم يلتزمون الهدوء خشية الموت، فقد قتلوا عددا كبيرا من الشباب. لم يقتل الشاه عددا مثل ذلك. إنهم يحكمون الشعب بسن السيف، ولكن الشعب لا يريدهم».

وينتشر الخوف على نطاق واسع وفي الاتجاهات كافة، وخلال الأسابيع الأخيرة، دشنت القيادة إجراءات أخلاقية صارمة واسعة النطاق تجاوزت في المدى والتكتيكات ما كان يحدث في السابق. وينظر إلى ذلك داخل إيران على أنه سعي لبذر الخوف استباقا لذكرى الانتخابات الرئاسية التي تحل في 12 يونيو.

وبدأت السلطات تصوير نساء تعتبر ملابسهن غير كافية لاستخدامها أدلة في المحاكم. وبدأت الشرطة إصدار غرامات يقول بعض المواطنين إنها تتجاوز 1000 دولار للمكياج الذي يرونه غير مناسب. وتوضع نساء ترتدين ملابس مثيرة على زوايا الطريق، والذي يقف لمغازلتهن يجري اعتقاله. ويقول حلاق يبلغ من العمر 25 عاما: «كان رأي الناس في الحكومة سلبيا، ويجعلونه أسوأ حاليا».

وفي الوقت الذي يشعر فيه الكثير من المواطنين بالإحباط، يقول آخرون إن عام الألم والتضحية يؤتي ثمرته. ويقول طالب في كلية الطب يبلغ من العمر 20 عاما: «لقد حصل المواطنون على شيء؛ درجة معينة من الاستقلالية الفردية. وقد بدأوا يختارون الخروج للاحتجاج ويتابعون الأخبار. لقد حدث ذلك للجميع. وينفد صبرهم في مجالات مختلفة من الحياة، ومن غير المحتمل أن يقبلوا أوضاعا لا يفضلونها».

* خدمة «نيويورك تايمز»