شركات النفط تتجاهل «السياسة» وتتوسع في جنوب العراق

قطاع النفط في البلد يشهد طفرة رغم التخبط السياسي

يوجد في العراق ثالث أكبر احتياطيات نفط في العالم («الشرق الأوسط»)
TT

يعج حقل الرميلة، العمود الفقري لصناعة النفط العراقية وأكبر حقول العراق المنتجة، بالنشاط؛ حيث يبدأ مسؤولو الشركات والمهندسون وشركات الحفر إصلاحا هائلا لزيادة إنتاج الحقل إلى ثلاثة أمثال إنتاجه الحالي، الذي يقترب الآن من مليون برميل يوميا. ففي مطار البصرة عاصمة جنوب العراق يكافح المسؤولون للتعامل مع أعداد لا مثيل لها تصل للمشاركة في الطفرة النفطية الوليدة في البلاد. وبينما يكافح العراق لتشكيل حكومة جديدة بعد مرور ثلاثة أشهر تقريبا على الانتخابات، اختارت شركات النفط أن تنفذ أكبر مشروع لتنمية حقل نفط في العالم وتمهد الأرض باستثمارات قد تنقل البلاد إلى صفوة منتجي النفط في العالم. وبحسب «رويترز» تشهد صناعة النفط العراقية طفرة، رغم أن الحكومة القديمة فشلت في إقرار قانون جديد يحكم قطاع الطاقة، وهو قطاع حيوي لإعادة بناء البلاد بعد سنوات من الحرب والعقوبات. قال رعد القادري المحلل في مؤسسة «بي إف سي إنرجي»، ومقرها واشنطن: «الشركات لن تجلس وتنتظر... وحكومة العراق نفسها شجعت هذا بالقول.. استمروا والسياسة ستجد مخرجا».

ومشروع الرميلة هو الأكثر تقدما، وأول مشروع وقعته بغداد، وستتولى تنفيذه شركتا «بي بي» وشركة البترول الوطنية الصينية (سي إن بي سي)، وشركة «ويزفورد إنترناشونال» للخدمات النفطية تعمل بالفعل هناك، وهي واحدة من الشركات التي فازت بجزء من صفقة قيمتها 500 مليون دولار لحفر آبار في الحقل، وللشركة بالفعل 300 شخص يعملون في العراق. قال أليكس مونتون من شركة «وود ماكينزي» للاستشارات، ومقرها أدنبرة: «لا يزال العمل في الأيام الأولى... لكن عقد الحفر موجود، ومعدل النشاط إلى الآن مؤشر على أنهم بدأوا العمل حسبما وعدوا». ويوجد في العراق ثالث أكبر احتياطيات نفط في العالم، ووقع عقودا ستزيد إنتاجه بمقدار عشرة ملايين برميل يوميا في عام 2017، مما يولد 700 مليون دولار إضافية في اليوم من إيرادات النفط بالأسعار الحالية. وبحسب «رويترز» فإنه على الرغم من أن العراق قد لا يصل أبدا لذلك الهدف، وأنه من المتوقع أن تكون الزيادة في الإنتاج في العام القادم أو نحو ذلك أكثر تواضعا عند حدود 600 ألف برميل يوميا، فإن التعاقدات نفسها شجعت الشركات على المضي قدما بأسرع ما يمكن. فشركات النفط في حاجة إلى زيادة الناتج في الحقول المنتجة بنسبة عشرة في المائة للبدء في تعويض الاستثمار. والوصول إلى كميات الإنتاج المستهدفة بسرعة يقلل من مخاطر استثمار رؤوس الأموال بالنسبة للعراق، من خلال السماح لشركات النفط بإعادة تدوير الأموال التي استثمرت بالفعل. وكلما كانت الشركات أسرع في تحقيق المستهدف، كانت أسرع في البدء في إعادة تدوير الاستثمارات، مما يقلل الحاجة إلى التعرض لمخاطر جديدة. قال القادري: «الحقيقة هي أنه كلما كان الوصول إلى الإنتاج التجاري أسرع، كان استرداد الاستثمار والبدء في الحصول على مكافآت أسرع»، وقد فشلت الحكومة السابقة في إقرار قانون جديد للنفط لتوفير إطار للاستثمار، لكنها قالت إن الصفقات قانونية بموجب التشريع القائم. وقال حديد حسن، وهو محام لدى مكتب التميمي وشركاه في بغداد، ويتعامل في صفقات النفط: «إن الغموض القانوني كان له تأثير محدود في تثبيط الاستثمار إلى الآن. وفي ظل الفراغ السياسي الذي نشأ من الانتخابات غير الحاسمة لم يشر أحد من الزعيمين المتنافسين إياد علاوي ورئيس الوزراء نوري المالكي إلى أنه سيشرع في مراجعة وإصلاح كاملين للصفقات، وهي مسألة قد تكون كابوسا بالنسبة لشركات النفط». وقال لؤي الخطيب من معهد الطاقة العراقي، ومقره لندن: «لا بديل أمام العراق سوى المضي قدما في هذه التعاقدات»، وتابع قائلا: «أي حكومة ستحترمها.. ليس لأنها مثالية، ولكن لأنه لا يوجد بديل آخر. ضيعوا بالفعل وقتا أكثر من اللازم»، ويواجه العراق تحديات هائلة في بناء القدرة على التعامل مع حجم مشروعات النفط الراهنة. فكثير من العمال والبيروقراطيين المهرة غادروا العراق في سنوات العنف الطائفي بعد الحرب. وترك ذلك للحكومة وشركات النفط الوطنية قدرة محدودة على التعامل مع المشروعات الكبيرة في معظم الحقول الأكبر في العراق. وقالت مصادر في صناعة النفط، إن شركات النفط تجد بالفعل أن شركة النفط الجنوب عراقية شريك يبعث على الإحباط. وقال مصدر مطلع على العمليات في البصرة: «هذه بعض أكبر المشروعات في العالم... وقدرة العراق على التخطيط الاستراتيجي تكشف عما سببته سنوات التراجع وهجرة العقول من معاناة»، والجهود متواصلة على قدم وساق في معظم قطاعات الحكومة لتدريب الموظفين الإداريين على التعامل مع الفورة القادمة من النشاط. ففي مطار البصرة يكافح العراق القديم بالفعل من أجل التعامل مع الجديد. وقال استشاري زار البصرة للتو إن القادمين للمشاركة في الطفرة النفطية الوليدة يتزاحمون عند بوابة الدخول لساعات؛ حيث يراجع الموظف التأشيرات التي منحتها بغداد بالفعل. وأضاف الاستشاري الذي تحدث، بشرط عدم الكشف عن هويته: «إنهم لا يستطيعون حتى تشغيل وإدارة بوابة للبلاد من أجل بضع مئات المليارات من الدولارات»، من جهة أخرى ذكر مسئول نفطي عراقي أمس السبت أن هيئة حقول الناصرية ستبدأ بخطوات لرفع معدلات إنتاج النفط الخام في حقل الناصرية النفطي إلى 50 ألف برميل يوميا.

وبحسب وكالة الأنباء الألمانية قال رشيد شرهان، مسؤول قسم الحقول في هيئة الناصرية، في تصريح صحافي: إن «العمل يجري حاليا لرفع معدلات إنتاج حقل الناصرية النفطي من معدلاته الحالية، البالغة 12 ألف برميل يوميا، إلى 50 ألف برميل في اليوم، في إطار برنامج يتضمن محطة عزل غاز الناصرية من ثلاثة آبار محفورة».

وتابع القول: «من المؤمل ربط بئرين آخرين لرفع إنتاج الحقل وحفر 20 بئرا إضافية من قبل شركة الحفر الوطنية، التي من المتوقع أن تبدأ عملها خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، فضلا عن مد أنابيب وتحسين منظومة الضخ ومضخات النفط، وتحسين العزل بإضافة عازل آخر، وتحسين منظومة الطاقة الكهربائية».

وكان العراق استأنف أمس عمليات ضخ النفط الخام عبر خط الأنابيب من حقول كركوك إلى ميناء جيهان التركي، بعد إعادة إصلاح مقطع الأنبوب الذي تضرر جراء عمل تخريبي قبل أيام في منطقة الشرقاط جنوب غربي كركوك (250 كلم شمال بغداد).