الفلسفة تقرأ كرة القدم!

مساعد العصيمي

TT

كتب أستاذ الفلسفة أوليفيه بورويل في جريدة «اللوموند» الفرنسية مقالا (نقلته جريدة «الحياة» اللندنية الأربعاء الماضي «ترجمة منال نحاس») عنوانه «دروس كرة القدم في أحوال الإنسان» وكان مقالا لافتا. وقد تحدث عن أبرز ست حوادث ذائعة الصيت في كرة القدم وهي نطحة زيدان، ويد مارادونا، ويد هنري أيضا، وركلة كانتونا، وتهليل بلاتيني، وفعلة شوماخر، وقرأها من ناحية فلسفية شيقة.. هو شاهدها كأحداث محورية لها تعليلاتها وتفسيراتها.

من جهتنا فنحن قد قرأنا زيدان كرد فعل من لم يستطع أن يتقبل الشتائم.. لكن الفيلسوف رآها من زاوية أخرى، فهو يرى أن نطحة زيدان بادرة مجنونة أداها ببراعة مهندس لا سيما أنه قد وجهها إلى القلب.. لا الرأس.. لأن الأول بؤرة الشجاعة والغضب.. ونحن ووفق مقاييسنا المتواضعة، كنا نظن أن الطول الفارع لماتيرازي كان سببا في أن تذهب النطحة إلى الصدر لا الرأس.. أو أن زيدان كان كمن أغشي عليه حينما سمع ماتيرازي يردد الكلام القبيح.

فيلسوفنا يرى أن الغش والتدليس كانا حاضرين لدى مارادونا وهنري (رغم أن الأول احتفى بغشه، والثاني صمت خجلا).. مبديا المقاييس الفلسفية التي تتفق مع ما ذهبا إليه خاصة مارادونا الذي وصف الأمر بالعمل الإلهي.. ونحن لم نكن نرى في الأمر إلا استغلالا لضعف تحكيمي أدى إلى التدليس.. مع إيماننا بأن كرة القدم تعنى بكثير من مثل ذلك.. حتى وإن جعلها مارادونا يد الله «على حد قوله».

ما أثق أنه لا يمت للإنساني بشيء هو ما ذهب لاحتفائية بلاتيني وهو يتقافز فرحا بإحرازه هدف المباراة من ركلة جزاء رغم أن ملعب المباراة «هيسل ببلجيكا مايو (أيار) 1985» قد شهد قبل دقائق وفاة 39 شخصا جلهم من الإيطاليين.. ليكون الأمر تعبيرا عن الأنانية الفظة، التي خلت من أي إنسانية، في موقف ليس مؤلما فقط بل أقل ما يقال عنه إنه دموي فظيع! وهنا اتفقت الفلسفة مع نظرة المشاهد العادي.. كما نحن!

ما فعله شوماخر ضد الفرنسي باتستون في مونديال 1982 هو نتاج لرد فعل من جراء حادث مشترك أفضى إلى إصابة خطرة، وإن كان الفرنسيون قد جعلوا شوماخر الشخص الأكثر كرها من قبلهم.. بسبب الحادثة.. لكنها تعبر عن تهور.. وليس فظاعة كاملة هذا في رأينا.. وأشدد على أن هناك مثله كثيرين.. أما كانتونا وما فعله بالمشجع، فالفيلسوف قال إنه انتصار للشجاعة.. لكن كثيرين رأوه تعبيرا عن بله وضيق أفق من قبل الفرنسي النزق.

ما يهمنا أن الفلسفة قد اقتحمت كرة القدم وباتت تحلل أحداثها، ومن ثم تضعها في السياق الذي يتوافق معها.. هذا من جانب السيد بورويل.. لكن الحقيقة أن مثل ذلك قد لفت نظري كعربي ما زال يتألم من حال من ينتمي لهم.. لكني لست بقامة هذا الفيلسوف. إلا أنني من فرط انتماء فقد بحثت عما قدمه العرب لكرة القدم سواء خلال مسيرة كأس العالم أو كرة القدم بصفة عامة.. وهذا سيكون محور مقالينا المقبلين بإذن الله.

ثمة أمر قبل أن أختم وهو توجيه الشكر الجزيل للأخ محمد جمال من الجزائر على توضيحاته المفيدة جدا لنا تعقيبا على مقالنا المعنون بـ«عداءات مونديالية». أيضا الشكر موصول للقارئ أيمن دحلان على ملاحظاته المهمة.

[email protected]