الرقابة اللبنانية تتراجع عن منعها مسرحية تحت ضغط الرأي العام

«انسي السيارة» يخرجها المغربي رحيم العسري ويشارك فيها فرنسيون وبلجيكيون

مشهد من المسرحية
TT

تراجعت الرقابة اللبنانية أمس، وأجازت عرض مسرحية «انسي السيارة» في «مسرح المدينة»، بعد أن كانت دورية من قوى الأمن دخلت المسرح مدججة بأسلحتها، قبل ذلك بيوم واحد، وطلبت من العاملين في المكان إيقاف المسرحية التي لم تكن قد حصلت على رخصة عرض بعد، على الرغم من وجود النص لدى الأمن العام منذ أسبوعين، من دون أن يرفض أو يسمح بها.

وبحسب ما قاله المسؤول عن المسرح لؤي رمضان لـ«الشرق الأوسط»، فإن أفراد الدورية الذين كانوا نحو 16 شخصا، أطلعوه على نص قانوني، يجيز لهم إغلاق المسرح لمدة عام في حال لم يتم الامتثال للمنع.

وهكذا ألغي عرض مسرحية «انسي السيارة» مساء أول من أمس (الخميس)، وعادت الاتصالات بين مسؤولي المسرح والأمن العام اللبناني، الذي اعتبر المسرحية جريئة، وأن النص قدم للرقابة بشيء من التحايل حيث حمل عنوان «تصطفل ميريل ستريب» فيما يتم عرض العمل تحت عنوان آخر هو «انسي السيارة». وبعد أخذ ورد تم التوصل إلى تسوية بين الطرفين، بحيث حذفت عدة أسطر من النص وأجازت الرقابة العرض، ليعود إلى الخشبة بدءا من مساء أمس، ولمدة ثلاثة أيام، وبكثير من الزخم، وخصوصا أن المتفرجين باتوا راغبين في رؤية هذه المسرحية التي أثارت كل هذا الضجيج.

وجدير بالذكر أن الرقابة في لبنان، نادرا ما تتخذ إجراء من هذا النوع، والمسارح اللبنانية تقدم أعمالا جريئة، حارقة خطوطا بمختلف الألوان، من دون أن تمنع أو يوقف عرضها. وربما يعود ذلك الهامش من الحرية، بحسب أحد العاملين في هذا المجال إلى أن «الذين يرتادون المسرح، هم مجموعة من الناس، تعرف ما ينتظرها، في حين أن الأكثر محافظة ليسوا في العادة من رواد هذه الأماكن، مما يترك للمسرحيين حرية تقديم عروض ربما يصعب أن نشاهدها في أي عاصمة عربية أخرى».

ويشرح لؤي رمضان المسؤول عن «مسرح المدينة» أن «نص المسرحية التي منعت، قدم كما يجب للأمن العام وبقي في عهدة الرقابة 14 يوما من دون أن تجيز العمل، الذي يشارك فيه فرنسيون وبلجيكيون، ونصه بالفرنسية، أما الإخراج فهو للمغربي رحيم العسري. وجاء يوم العرض الذي تم الإعلان عنه بشكل واسع، وحضر الجمهور في اليوم الافتتاحي، واضطررنا إلى أن نعرض من دون إجازة. وفي اليوم التالي أوقفنا العرض، ولم نحصل على موافقة، ثم قررنا أن نعود لنعرض، فإذا بالدورية تدخل المسرح وتطلب منا الإلغاء». وعن الالتباس حول العنوان، واتهام المسرح بالتحايل يقول لؤي: «لا تحايل في الموضوع، النص مأخوذ عن ثلاثة كتب للروائي المعروف رشيد ضعيف، اثنان منها يحملان عنوان (انسي السيارة) و(تصطفل ميريل ستريب)، وبما أن نضال الأشقر كانت قد عرضت مسرحية تحمل الاسم الثاني، قررنا أن نتبنى الاسم الأول في الإعلان، كي يعرف الجمهور أننا لا نكرر عرض نضال الأشقر نفسه، وإنما هو عرض جديد ومختلف». ويكمل لؤي كلامه: «عتبنا على الرقابة لأنه كان بمقدورها أن تحذف ما تريد حذفه من البداية، بدلا من أن تتركنا ننتظر ويحين موعد العرض المعلن عنه، من دون أن نجد أي جواب، ونترك معلقين، لا نعرف ما نفعل».

واحتج مركز «سكايز» للدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية - مؤسسة سمير قصير في لبنان - على هذا المنع، في بيان نشره أمس شاجبا «الرقابة على الأعمال الفنية والتعامل اللاحضاري مع الفنانين وأعمالهم، الذي لا يعكس الصورة الحضارية التي يتغنى بها لبنان، ولا حرية التعبير والكلمة التي كفلها دستوره».

وقالت نضال الأشقر صاحبة «مسرح المدينة»: «على الرغم من أنهم كانوا متعاونين معنا في السابق (الأمن العام)، فإنهم ماطلوا في الموافقة على المسرحية هذه المرة، ولم يعلمونا برفضها حين أرسلنا شخصا إليهم لمتابعة الموضوع، ربما لخوفهم من أن نعلم الصحافة بالأمر». ثم تساءلت الأشقر: «كيف يهددون بإقفال المسرح؟ ومن الذي يقرأ النصوص ويدعي أنه المواطن الصالح الذي عليه إعلامنا بما يجب علينا تقديمه؟»، رافضة الرقابة على الأعمال المسرحية «فهل أن الجمل الثلاث المعترض عليها هي التي تسمم لبنان المفتوح على المواخير والحشيش والتهريب؟».

واستغرب مركز «سكايز» أن يتم منع المسرحية، وخصوصا أن «الكتب التي تتضمن المسرحية بعضا من نصوصها، موجودة في المكتبات اللبنانية والعربية، فلماذا هذه الرقابة المتجددة على الكلمة المسرحية، وخصوصا أنها تأخذ بعدا آخر حين تصبح ممسرحة وحين تكون في مكانها المناسب، لتحمل رسالة اجتماعية وإنسانية؟ كما أن (سكايز) يطالب بتغيير القانون العثماني المتبع الذي ما زال يعتبر المسرح ملهى ليليا».

والمسرحية مثار الجدل، تقدم بحضور 100 متفرج نصفهم من الذكور والنصف الثاني من الإناث، بحيث يجلس المتفرجون على الخشبة في فريقين، فريق الذكور إلى جهة وفريق الإناث إلى الجهة الأخرى من الخشبة، ثم تغلق الستارة، ويبدأ العرض من دون وجود أي متفرج على الكراسي.

ويعرف الروائي اللبناني رشيد ضعيف بجرأته، واستخدامه عبارات شديدة الوضوح، في توصيفه للعلاقة بين الجنسين، وطرحه للمشكلات التي تعاني منها العلاقات الثنائية. وهذا العمل المأخوذ عن ثلاثة من كتبه، كان قد عرض منذ عام 2008 في فرنسا وبلجيكا، ويأتي عرضه في لبنان، كاستكمال للعروض السابقة.