اتهامات للأمم المتحدة بتقويض نظام خاص بتظلمات الموظفين

قضاة أوكلت لهم مهمة إصلاح النظام الداخلي يواجهون عقبة «مساءلة الكبار»

TT

اتهمت لجنة مستقلة مكونة من قضاة عينوا لإصلاح أسلوب مراجعة الأمم المتحدة لقراراتها المتعلقة بشؤون التعيين والفصل والترقيات وزيادة الرواتب، الأمين العام للمنظمة بان كي مون بحماية ثقافة غير صحية تقوم على السرية ومحاولة تقويض النظام الجديد.

ونجحت «لجنة الفصل في المنازعات» التابعة للأمم المتحدة، والتي عينت في يوليو (تموز) الماضي بهدف إعداد نظام جديد يحل محل عملية بلغت من التردي درجة أن الموظفين الذين يتقدمون بطعون في قرارات التوظيف أحيانا ينتظرون سنوات للحصول على رد، في تقليص ركام من القضايا وصل إلى قرابة 300 قضية.

إلا أن بعض القرارات الصادرة عن اللجنة أشارت إلى أن بان ومسؤولين آخرين من المستويات العليا من الإدارة عازمون على الإبقاء على نظام تبقى فيه قراراتهم متسمة بطابع مطلق، بل ووصف أحد القضاة موقفهم بأنه «اعتداء على حكم القانون».

ووصف دبلوماسيون ومحامون وآخرون متابعون للقضية، موقف الأمم المتحدة بالمتناقض، إن لم يكن منطويا على نفاق، بالنظر إلى دور المنظمة في تعزيز حكم القانون على المستوى العالمي. وأعرب جورج إرفينغ، الرئيس السابق لاتحاد العاملين بالمنظمة والمحامي الذي عمل بشأن قضايا إدارية في الأمم المتحدة على مدار أكثر من 30 عاما، عن اعتقاده أن «المنظمة عليها بداية من الأمين العام لمن هم دونه، أن تقرر ما إذا كانت تحترم حكم القانون أم لا. ما نعانيه حاليا هو في جوهره صراع على السلطة. الأمر برمته يدور حول السيطرة، بمعنى من يسيطر على النظام».

جدير بالذكر أنه في الكثير من الحالات، تجاهلت الأمم المتحدة أمر قاض ما بتقديم وثائق أو السماح لمسؤولين بها بالإدلاء بشهادتهم حيال كيفية التوصل إلى قرارات. وفي إحدى المرات، ألزم قاضي المنظمة بدفع 20.000 دولار تعويضا عن إساءة معاملة مترجم شكك في أسباب عدم ترقيته.

في المقابل، قال بان خلال مؤتمر صحافي الشهر الماضي «في بعض الحالات ربما تصدر قرارات غير متوافقة تماما مع ما تفعله الأمانة العامة. لكننا سنحاول احترام جميع القرارات». ويعتقد بان ومستشاروه أنهم يملكون السلطات التي تخول لهم اتخاذ القرارات بشأن بعض القضايا الإدارية، الأمر الذي أصبح محط خلاف مع لجنة القضاة، حسبما اعترف بان. لكنه رفض مناقشة أي حالات معينة.

يلمح النقاد إلى أن الأمين العام ينتهك على الأقل روح، وربما نص، القواعد التي أقرتها الجمعية العامة للمنظمة. ومن المعروف أن النظام القديم كان داخليا بصورة كاملة، حيث لم تكن تعقد جلسات استماع، وعمل الأمين العام للمنظمة بصورة أساسية كقاض على نفسه وهيئة محلفين في الوقت ذاته. واتسم النظام ببطئه الشديد واعتماده المفرط على المصادفة في تناول احتياجات ما يقرب من 60.000 موظف بالأمم المتحدة عالميا.

أما النظام الجديد الذي تصفه كتابات داخلية بأنه «مستقل ومهني وسريع وشفاف ولا مركزي»، فيتولى إدارته قضاة مستقلون تعد قراراتهم ملزمة. يذكر أنه ليس بإمكان موظفي الأمم المتحدة مقاضاة المنظمة أمام المحاكم الوطنية. وعليه، تمثل لجنة القضاة السبيل الوحيد أمامهم لعرض مظالمهم. ويوجد قاض في كل من نيويورك وجنيف ونيروبي، مع وجود قضاة إضافيين يجري تعيينهم للتعامل مع تل القضايا المتراكمة. ومن المقرر أن تبدأ لجنة مؤلفة من ثلاثة قضاة في عقد جلسات استماع لطلبات استئناف في نيويورك، الاثنين.

ونظرا لافتقارهم لسلطة إعلان ازدراء شخص ما للمحكمة، يعتمد القضاة الأعضاء في اللجنة على الأمانة العامة بالمنظمة للتعاون معهم بنية حسنة. لكن بعض القضاة يعتقدون أن المستويات العليا من الإدارة تفتقر إلى المساءلة، الأمر الذي يرى محامون وخبراء أن جزءا من المشكلة وراءه يكمن في الهيكل الهرمي الصارم للأمم المتحدة. وأوضحوا أن القضاة جرى تعيينهم على درجة إدارية أدنى من مساعد الأمين العام، لذا فإن أصحاب المناصب الأعلى غالبا ما يشعرون بأن المثول أمام القضاة أمر لا يليق بمكانتهم.

وفي إشارة إلى أن أحد الموظفين تعرض للفصل رغم استمرار انعقاد جلسة استماع بشأن قضيته، أعلن أمر صادر في مايو (أيار) الماضي من لجنة نيروبي أن القرار «تكمن أهميته فيما يكشفه من ازدراء لهذه الإجراءات». وأضاف أن استجابة الأمم المتحدة «لا تبشر بخير» لنظام يفترض أنه يقوم على القانون الدولي وإجراءات قانونية مناسبة.

وفي هذا الإطار، قال القاضي مايكل إف. آدمز، وهو أسترالي، في نهاية فترة عمله في لجنة الفض في المنازعات في نيويورك «يجب إمعان النظر في الثقافة السائدة هنا. إن أي شخص بمنصب وكيل الأمين العام لا يلزم مطلقا بالرد على أسئلة معينة».

وقد وجه القاضي آدمز انتقادات لاذعة في قراراته الكتابية لغياب الإجراءات المناسبة في عمل اللجان المؤلفة من قضاة. وقال في أحد القرارات «ربما يشكل النظام القانوني للأمم المتحدة جزيرة، لكنها جزيرة لا تسكن كوكبها».

وتجري مراقبة نتائج الاستئنافات الثلاثة التي فصل فيها القاضي آدمز للتعرف على السلطة التي تمنحها اللجنة العليا للجنة القضاة.

في إحدى القضايا التي تخص تخطي أحد الموظفين بقرار ترقية، رفضت المحامية سوزان مادوكس، التي تمثل الأمين العام، تقديم أي وثائق جوهرية طلبت منه أو حتى تحديد هوية الشخص الذي اتخذ قرار رفض التعاون مع اللجنة القضائية. وأصرت الأمم المتحدة، من ناحيتها، على أن الأمين العام، مثلما هو الحال مع رئيس الدولة، يجب السماح له باتخاذ بعض القرارات على الصعيد غير المعلن.

في المقابل، رفض القاضي آدمز فكرة أن الأمين العام يشبه رئيس دولة، واصفا إياه بدلا من ذلك بكبير المسؤولين الإداريين في المنظمة. وأوضح القاضي أن اللجنة لا تتفحص صحة أو خطأ القرار، وإنما مسألة ما إذا كان جرى التوصل إليه عبر عملية صحيحة أم لا.

في حالة أخرى، يسعى جيمس ويسرستروم، الذي يعمل حاليا مسؤولا في مجال مكافحة الفساد بالسفارة الأميركية بكابل، للحصول على مليون دولار كرواتب مهدرة وتعويض عن القذف والتشهير والتعرض لضغوط عصبية، إلى جانب نفقات قانونية. وأوضح ويسرستروم أنه تعرض للفصل من عمله في مهمة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في كوسوفو في أعقاب إبلاغه عن شكوكه حيال وجود فساد. وقال إن سوء المعاملة الذي تعرض له تضمن التعرض لإلقاء القبض عليه على الحدود وتفتيش منزله ووضع ملصقات بها صورته عند مدخل المقر الرئيس للمنظمة تحظر دخوله.

ونظرا لأن المحققين الداخليين أشاروا إليه باعتباره كشف النقاب عن تجاوزات، كان من الواجب حمايته من فقدان وظيفته، حسبما أوضح ويسرستروم. إلا أن تحقيقا أجراه مكتب الأخلاق لم يتوصل إلى صلة بين ادعاءاته بوقوع فساد وفصله من عمله. وأصدر القاضي آدمز حكما يقضي بأن تسلم له الأمم المتحدة هذا التقرير والأدلة المرافقة له، لكن مادوكس رفضت.

في حالة أخرى، قال سامر عبود، مترجم أول، إنه جرى تجاوزه في الترقية، موضحا أنه ضحية مسؤولين مصريين يقصرون المناصب الرفيعة على الحاشية الضيقة الخاصة بهم. في البداية، أدلى شعبان م. شعبان، وكيل الأمين العام وأعلى المسؤولين المصريين من حيث المنصب في الأمم المتحدة، بشهادته أمام اللجنة القضائية، لكنه رفض بعد ذلك أي تعامل مع اللجنة. وتوصل القاضي آدمز إلى أن شهادة شعبان تفتقر إلى المصداقية ووصفه بأنه «شاهد غير جدير بالثقة فيما يخص جميع الحقائق المهمة». وخلص القاضي أيضا إلى أن عبود «تعرض للإهانة وتعليقات متغطرسة وتهديدات بالانتقام»، وأمر الأمم المتحدة بدفع تعويض له بقيمة 20.000 دولار. ولا يزال يجري النظر في استئناف ضد القرار.

* خدمة «نيويورك تايمز»