توغل تركي داخل إقليم كردستان.. وأربيل تنفي اتفاقا مع أنقرة بشأن انتهاك الحدود

زيباري ينتقد الضربات العسكرية ويعتبرها اختبارا لإرادة الحكومة العراقية والأميركيين

TT

تتواصل المعارك الدائرة بين مقاتلي حزب العمال الكردستاني والجيش التركي على عدة محاور قريبة من الحدود العراقية التركية المشتركة، في حين تواصل الطائرات التركية قصفها الجوي للكثير من المناطق الكردية التي أسفرت، أمس الأحد، عن مقتل طفلة كردية بقرية تابعة لناحية سيدكان الحدودية، في الوقت الذي أكد أمين عام وزارة البيشمركة بحكومة إقليم كردستان أن الجيش التركي دخل إلى عمق كيلومتر واحد في الأراضي العراقية بالمثلث الحدودي.

وتلاحق القوات التركية مقاتلي حزب العمال الكردستاني التركي المحظور، لا سيما بعد مقتل 10 جنود أتراك في هجومين منفصلين خلال اليومين الماضيين.

وكان الطيران التركي قد واصل قصفه الجوي لعدد من قرى المنطقة الحدودية التابعة لناحية سيدكان بكردستان، وقتلت في قرية شورمة، وهي قرية صغيرة تسكنها ست عوائل فقط، فتاة كردية تبلغ الـ14 من عمرها، وأصيب أخوها وأمها بجروح.

وقال أحمد قادر مدير ناحية سيدكان في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط»: «إن الطائرات التركية قصفت لليوم الثاني على التوالي الكثير من القرى التابعة للناحية، خصوصا القرى الواقعة في منطقة خوا كورك، التي تشهد معارك عنيفة بين مقاتلي الكردستاني والجيش التركي، وأدى القصف إلى مقتل طفلة كردية تدعى زاهدة محمد مجيد، وإصابة شقيقها وأمها بجروح، في حين ألحق القصف خسائر مادية كبيرة بالمنطقة».

وأدان مكتب الأمم المتحدة في العراق هذا القصف في تصريح صحافي نسب إلى الممثل الخاص أد ميلكرت، الذي أعرب عن قلقه من استمرار القصفين المدفعي الإيراني والجوي التركي لمناطق إقليم كردستان، محملا الحكومة العراقية مسؤولية إدانة هذه التجاوزات ووقف اعتداءات دول الجوار على المنطقة.

وفي السياق ذاته هدد قيادي في حزب العمال الكردستاني بنقل المعارك إلى العمق التركي، مؤكدا أن «المواجهات ستستمر إلى حين وقف تركيا هجماتها على مواقع الكردستاني». وقال روز ولات مسؤول المكتب الإعلامي في الحزب الكردستاني لـ«الشرق الأوسط»: إن «نشاطاتنا العسكرية ستستمر، وأنها ستشهد نقلة نوعية في الأيام القادمة»، وأضاف: «منذ عام 1993 تقدمنا بـ6 مبادرات لوقف إطلاق النار، بغية توفير الأجواء أمام مفاوضات سياسية، والتحاور من أجل حل القضية الكردية وإنهاء الصراع الدامي، ولكن الجانب التركي رفض جميع تلك المبادرات، ووصف حزبنا بـالضعف»، وأضاف: «لكننا أردنا أن تحل هذه القضية بطريقة سلمية، ودون إراقة المزيد من الدماء، ومنذ إعلان تلك المبادرات إلى إنهائها في الأول من يونيو (حزيران) الماضي، ردت الحكومة التركية على مبادراتنا بالحرب والقتال، ولم تكتف بذلك، بل مارست شتى صنوف الإرهاب ضد شعبنا، منها الهجوم على السيد أحمد تورك رئيس حزب المجتمع الديمقراطي السابق، واعتقال رؤساء البلديات الكردية، ومحاكمة الأطفال الكرد ووفود السلام، وكل هذه الإجراءات التعسفية تفضح أكاذيب الحكومة التركية في ما تروجه بشأن الانفتاح على القضية الكردية، لذلك فما دامت هذه الأعمال العدائية مستمرة من قبل الحزب الحاكم في تركيا، فإننا سنواصل قتالنا ضدهم، وبشكل أكثر فعالية».

وكان المتحدث الرسمي باسم قيادة العمال الكردستاني (بي كي كي) أحمد دنيز، قد هدد بنقل المعارك العسكرية إلى داخل العمق التركي، وقال: «إذا استمرت القوات التركية في قصف مواقع حزبنا على الحدود، فإننا مستعدون للرد على ذلك بنقل نشاطاتنا العسكرية إلى داخل العمق التركي».

وعلى الصعيد ذاته أعلن أمين عام وزارة البيشمركة بحكومة إقليم كردستان والمتحدث الرسمي باسم قيادة قوات حرس الإقليم اللواء جبار ياور، أن «الجيش التركي توغل فعلا داخل الأراضي العراقية بعمق كيلومتر واحد يوم أمس». فيما ذكرت مصادر أمنية أخرى أن تلك القوات توغلت مسافة 10 كيلومترات وكانت وسائل الإعلام الدولية قد توقعت توغلا عسكريا تركيا على خلفية اشتداد المواجهات العسكرية بين الجيش ومقاتلي الحزب الكردستاني، وهذا ما أكده ياور بالقول: «بعد تعرض موقع عسكري تركي لهجمات من مقاتلي الكردستاني في منطقة شمدينان ومقتل ثمانية جنود أتراك، أرسل الجيش التركي قواته لملاحقة عناصر الكردستاني، ودارت معارك عنيفة بين تلك القوات والمقاتلين على المثلث الحدودي الذي يربط العراق وتركيا وإيران، ودخلت القوات التركية على أثرها بعمق كيلومتر واحد إلى الأراضي العراقية، بمنطقة تسمى كلة زرد التابعة لقضاء ميركة سور، وهي منطقة خالية من السكان، ولكن تلك القوات انسحبت مع انتهاء المعارك هناك».

وحول الإشارات بشأن وجود اتفاق بين رئيس الإقليم مسعود بارزاني والحكومة التركية حول السماح للقوات التركية باجتياز الحدود لملاحقة مقاتلي العمال الكردستاني، قال ياور: «إن الرئيس بارزاني أكد خلال التصريحات التي أدلى بها أثناء زيارته لتركيا أخيرا، أن الإقليم لن يكون طرفا في الصراع الحالي على الحدود بين تركيا والكردستاني، وهذا يعتبر موقفا رسميا لإقليم كردستان، وعلى العموم ليس هناك أي اتفاق بشأن السماح للقوات التركية باجتياز الحدود؛ لأن الاتفاقات الأمنية بين تركيا والعراق هي من صلاحيات الدولة العراقية، فنحن لسنا دولة قائمة بذاتها، بل نحن جزء من العراق، والدولة العراقية هي المخولة حصرا وفقا للدستور العراقي بتوقيع الاتفاقات الأمنية مع الدول المجاورة، وعليه فلا أساس من الصحة لمثل هذه التصريحات، وبذلك لا يمكن لقيادة الإقليم أن تعطي الضوء الأخضر لأي قوات من الدول المجاورة، فهذه الأمور تعتبر شؤونا سيادية محصورة بالحكومة العراقية تحديدا».

ووصف ياور الهجمات التركية البرية والجوية على أراضي كردستان بأنها «انتهاك لسيادة العراق وللقوانين الدولية، إلى جانب انتهاكها للاتفاقات الموقعة بين الدول الثلاث، تركيا والعراق وإيران، كما أنها تستهدف فقط المواطنين المدنيين، ولا علاقة لهؤلاء بأي من الحزبين الكرديين المعارضين؛ العمال الكردستاني التركي أو بيجاك الكردي الإيراني».

وجدد اللواء ياور موقف حكومة الإقليم من الصراع الدائر على الحدود بالقول: «إن رئاسة الإقليم وحكومة الإقليم تدعوان دائما إلى ضرورة حل هذا الصراع عبر المفاوضات السياسية، خصوصا أن الحلول العسكرية لم تأت بأي نتيجة لصالح الطرفين، وما زلنا في إقليم كردستان ندعم الحلول السياسية والتفاوضية لحل هذه المشكلة، ووضع حد لإراقة المزيد من الدماء».

وفي تطور لاحق أمس، وجّه وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري انتقادات إلى الهجمات التركية «الأحادية الجانب» داخل بلاده، داعيا إلى العودة لسياسة هدفها إبعاد المقاتلين الأكراد عن العنف. وقال لوكالة الصحافة الفرنسية: «لا يتعين على أي بلد القيام بعمل أحادي الجانب. لسوء الحظ لم يتم احترام ذلك»، في إشارة إلى تخطي اللجنة الأمنية الثلاثية الأميركية التركية العراقية المكلفة مواجهة مقاتلي حزب العمال.

واعتبر زيباري الغارات التركية «انتهاكا لسيادة العراق واستقلاله ولعلاقات الجيرة الحسنة». وأضاف: «أعتقد شخصيا أن أسباب التصعيد في الهجمات هو اختبار إرادة الحكومة العراقية والقوات الأميركية كمقدمة لانسحاب الوحدات الأميركية القتالية في أغسطس (آب) المقبل». وأكد: «نحن قادرون على ملء الفراغ ولن نسمح لأي دول أخرى بالمجيء إلى هنا لملء الفراغ».

ومع ذلك، شدد وزير الخارجية على أن علاقات بغداد مع أنقرة قائمة على «الاحترام المتبادل، فنحن لا نؤيد أو ندعم ضربات إرهابية تتجاوز الحدود يقوم بها حزب العمال الكردستاني، لكن غارات تركيا ليست الطريقة (المناسبة) لمعالجة هذه المسألة».