واشنطن تعلق الآمال على المجالس الأفغانية في إضعاف طالبان

الانتخابات المحلية تحد من تهديدات المتمردين وألغامهم المزروعة على الطرق

أفغان يجلسون على جانب أحد الطرق في كابل القديمة أمس (أ.ف.ب)
TT

جلس ما يزيد على ستمائة رجل، غالبيتهم من الفلاحين وقد لفحت الشمس وجوههم، على الأرض محتمين بمظلة، ينتظرون اليوم بأكمله للإدلاء بأصواتهم، في تحد لتهديدات طالبان وألغامها المزروعة على الطريق وقد حضروا إلى هنا ليختاروا أعضاء المجلس المحلي. وتأتي هذه الانتخابات كجزء من خطة تهدف إلى تعزيز الحكومات المحلية في أكثر المناطق المضطربة في أفغانستان. ويقول قاري مختار أحمد، وهو رجل دين بارز خلال حضوره الانتخابات التي عقدت الشهر الماضي: «ما يهمنا هنا هو أن نسعى لبناء الثقة بين الشعب والحكومة، فهذه المنطقة كان ساحة للقتال لفترة طويلة، لكن الآن يوجد سلام، ولذا يجب علينا أن نستمع إلى الناس ونجمعهم». السلام هو مصطلح نسبي في نادالي، إحدى مناطق إقليم هلمند، جنوب أفغانستان، الذي يوجد به أعلى مستوى من القنابل التي تزرع على جانبي الطريق في الميل المربع. حتى أن مسؤولي الحكومة ما زالوا يضطرون إلى استخدام الهليكوبتر للتنقل من لشكر غاه عاصمة الإقليم ولا يخاطرون برحلة لا تتعدى الـ20 دقيقة بالسيارة. ومنطقة نادالي تضم منطقة مارجا، معقل طالبان حيث تقاتل قوات المارينز الأميركية المتمردين منذ شهر فبراير (شباط) الماضي، والتي لا تحظى حتى الآن بتواجد حكومي إلى حد بعيد، لكن العملية التي قامت بها القوات الأميركية والأفغانية مؤخرا كسرت قبضة طالبان في باقي المنطقة، مما يجعلها آمنة بشكل كاف لمحاولة إقامة بعض التمثيل المحلي. الانتخابات التي جرت هنا، محاولة لبناء الدولة من أسفل الهرم، هي جزء من برنامج رائد لإقامة مائة مجلس محلي يهدف لاختيار ممثلين للحكومة في الأماكن التي ما زالت غائبة عنها إلى حد كبير. ولكن هذه المجالس المحلية، المدعومة من الحكومتين البريطانية والأميركية، تمثل أيضا عنصرا مهما في استراتيجية مكافحة التمرد: فإذا ما كتب لها النجاح، فستتمكن من إقناع الأفغان بأن هناك بديلا صالحا لحكم طالبان.

وبحسب المسؤولين، فإن 35% من هذه المجالس قد بدأت العمل في تسعة أقاليم منذ بداية العام، وتعهدت الحكومتان الأميركية والبريطانية بتمويل إقامة 100 مجلس بحلول يوليو (تموز) 2011. الهدف النهائي هو إيجاد مجالس منتخبة بشكل مباشر في جميع أنحاء أفغانستان. ويقول كريستوفر ديميرس، وهو مستشار لوكالة التنمية الدولية في قندهار: «إنها حيوية وعنصر أساسي في الإدارة، فبناء مجلس نواب بهذه الصورة أمر مهم؛ إذ يعطي الفرصة للشعب كي يتحدث مع الحكومة». وقد أعرب مسؤولون عسكريون في قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة في كثير من الأحيان بالإحباط إزاء عدم قدرة الحكومة الأفغانية التحرك بسرعة إلى المناطق التي تم تأمينها وبدء الحكم. لكن المسؤولين الأفغان يقولون إنها مهمة طويلة لبناء إدارة من نقطة الصفر وكسب ثقة الشعب من المسؤولين الفاسدين والعمليات العسكرية المتكررة للقوات الأجنبية في السنوات الأخيرة. في مناطق كثيرة، مثل نادالي هناك تواجد حكومي ضعيف، وفي كثير من الأحيان لا يوجد سوى رئيس المنطقة وقائد الشرطة، وكلاهما يكون معينا من قبل الحكومة المركزية في كابل. وحسبما كشفت الأمم المتحدة العام الماضي فإن لديهم موارد محدودة وأفرادا قليلين. فمعظم رؤساء المناطق ليس لديهم سيارة رسمية ويعتمدون على ميزانية رسمية سنوية تقدر بـ12 دولارا فقط. ويرى ويس أحمد بارماك، نائب وزير في وزارة إعادة تأهيل وتنمية المناطق الريفية، الذي يتمتع بـ30 عاما من الخبرة في تنمية المجتمع المحلي، أحد النجاحات التي حققتها الحكومة الأفغانية على مدى السنوات الثماني الماضية هو برنامج التضامن الوطني، والتي شكلت مجالس صغيرة للتنمية في جميع أنحاء البلاد لتنفيذ مشاريع صغيرة لإعادة الإعمار في كل قرية. بيد أن الأمر سيستغرق فقط ستة أشهر لانتخاب وتدريب أعضاء المجالس وسنتين لإتمام مشروع القرية. ويضيف بارماك أن وزارته قد اضطرت إلى تعليق عملها في معظم المناطق غير الآمنة مثل هلمند. أما في نادالي، فطبقا لرئيس المنطقة حبيب الله شمالني، وهو مدرب سابق بأكاديمية الشرطة، فإن الأمر يتطلب سنة كاملة من الزيارات للقرى ومحاولات إقناع السكان بالتعاون مع الحكومة لانتخاب مجلس محلي. وبعد اجتماعات كثيرة حول المنطقة، تم اختيار ستمائة ممثل جيء بهم ليختاروا خمسة وأربعين عضوا للمجلس المحلي، الذي سيتوجب عليهم جميعا العيش في المنطقة، على غير ما كان يفعل زعماء الحرب والزعماء القبليين الذين اتخذوا القرارات بشكل تقليدي. ويقول جيلاني بوبال، الذي يرأس مديرية الحكومة المحلية، وهي ذراع الحكومة الوطنية المسؤولة عن البرنامج: «يجب أن يضطلع المجلس المحلي باتخاذ جميع القرارات التي تؤثر على الحياة في المنطقة. ونستخدمهم لأغراض أمنية مثل إعادة الاندماج؛ وسيكونون ناشطين جدا في اتخاذ قرارات التنمية، والحكم؛ سيكون بمقدورهم رفع شكاوى المواطنين إلى المحافظ أو مسؤول المنطقة».

من جانبهم قال الأفراد الذين شاركوا في الانتخابات إنهم قرروا المخاطرة لأنهم يريدون ممثلين ينوبون عنهم أمام الحكومة والقوات الأجنبية لمحاولة إيجاد حلول لمجموعة متنوعة من المشكلات مثل الإفراج عن معتقلين وطلب تعويضات عن أضرار الحرب أو تسوية النزاعات القبلية والنزاعات على الأراضي والحصول على مساعدة تنمية لمناطقهم. ويقول فيدا محمد خان، عضوا مجلس محلي منتخب: «نأمل أن تقوم الحكومة بأمر ما من أجلنا إذا ما نجحنا في الفوز بهذا المجلس، وسيكون لدينا الفرصة لمشاركة السلطات العليا في حل مشكلاتنا. فقد تعبنا من القتال، ونشهد موسما من الجفاف، ونأمل أن يطرق السلام أبوابنا». ويشير شمالني إلى أن إحدى المهام الرئيسية للمجلس ستتمثل في إقناع المتمردين المحليين بالتوقف عن القتال والعودة إلى الحياة السلمية في المجتمع، وإلا عليهم أن يذهبوا بعيدا ويتوقفوا عن الإخلال باستقرار المنطقة. ويضيف شمالني بأنه تم بالفعل إقناع 40 من مقاتلي طالبان بالتوقف عن القتال.

* خدمة «نيويورك تايمز»