شاب إريتري تمكن من «الفرار» من بلده يتطلع لمستقبل أفضل

أيوب غادر بمساعدة دبلوماسي أعجب بمهاراته الرياضية ويعيش الآن وسط أميركيين في عمان

TT

قبل أن يتعلم عويط أيوب القفز ليضع الكرة داخل السلة، كان يحلم بلعب كرة السلة في أميركا. يبلغ طول أيوب ستة أقدام وثماني بوصات، ويبدو أنه تمرس على الانطلاق بالكرة تجاه السلة بمهارة عالية ويجيد تمريرها بسلاسة إلى زملائه الذين يلاحظهم بطرف عينيه.

لكن كانت تقف أمامه مشكلة كبيرة تعوقه عن تحقيق مراده، فوطنه إريتريا عبارة عن دولة منعزلة في القرن الأفريقي ترفض السماح لمواطنيها الشبان بمغادرتها. ويحكم إريتريا، التي قاتلت من أجل الحصول على الاستقلال قبل 20 عاما تقريبا، مقاتلون سابقون ملتزمون بسياساتهم الثورية الماركسية، ويطالبون كل الشباب بالعمل لدى الحكومة، حتى يبلغوا العقد الخامس، في بعض الأحيان. وكل من يحاول الوقوف ضد هذا البرنامج القومي يكون معرضا لتعذيب وحشي، حسب ما تقوله مؤسسات حقوقية.

ولذا، قام أيوب في يناير (كانون الثاني) الماضي، وفي سرية تامة، بجمع حاجياته، وأخذ معه شهادة المدرسة العليا وحذاءه الرياضي وبعض المال ليدفع إلى عصابة من المهربين. يقول أيوب متذكرا ما حدث «أتذكر أول مكالمة، قال أحدهم مرحبا، معك شعاع الشمس. فرددت عليه: معك الرعد».

يمثل أيوب (20 عاما) الذي يعيش حاليا في العاصمة الأردنية، عمان، نموذجا لجيل ضائع في إريتريا. وتقول إحصاءات الأمم المتحدة إن نسبة اللاجئين من هذه الدولة الصغيرة مقارنة بعدد سكانها أكبر من نسبتهم في أي دولة أخرى، ومعظمهم من الشباب. وتقول مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إن مئات الآلاف من المواطنين هربوا من إريتريا خلال الأعوام الأخيرة، ويبلغ إجمالي عدد السكان أقل من خمسة ملايين، ويخاطر 100 مواطن كل يوم بحياتهم في محاولات للعبور إلى السودان.

في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، فر أكثر من 10 لاعبين من منتخب كرة القدم الإريتري إلى كينيا خلال إحدى البطولات. وفي 2004، كان بعض اللاجئين الإريتريين يشعرون بالإحباط بسبب ترحيلهم من ليبيا لدرجة أنهم قاموا باختطاف الطائرة. وقد حصل أحد أصدقاء أيوب مؤخرا على منحة من أربعة أعوام قيمتها 200 ألف دولار للدراسة في جامعة أميركية راقية. ويقول والد الشاب والدموع في عينيه «كان يجب أن يذهب وعليه إكليل من الزهور». لكن، ألقي القبض على الشاب، وجند في الجيش، ونقل إلى موقع الخدمة على الحدود الجنوبية لإريتريا، وهي من أشد المناطق حرارة في العالم.

كان أيوب محظوظا، حيث تمكن من التسلل إلى السودان مرتديا جلبابا فضفاضا، ومنها انطلق إلى كينيا ثم دبي. ينام حاليا داخل بدروم منزل عائلة أميركية داخل عمان، ويمارس تمارين رياضية، ويلعب على جهاز «وي» مع أطفال العائلة، ويسعى إلى الالتحاق بمدرسة إعدادية أو جامعة أميركية.

وبدرجة كبيرة يقف ماتثيو سميث وراء ذلك. نشأت صداقة قبل عامين بين سميث، وهو دبلوماسي أميركي رياضي، وأيوب داخل ملعب كرة سلة داخل العاصمة الإريترية أسمرة، حيث كان يعمل سميث. أُعجب سميث بطريقة لعب الشاب الإريتري، وتأثر بطموحه الكبير للخروج من دولة مغلقة بإحكام.

يقول سميث، الذي كان والده يعمل سائق تاكسي في بروكلين «كان يريد المزيد، ويمكنني أن أفهم ذلك، فمَن كان يحسب أن ابن سائق تاكسي سيكون دبلوماسيا؟». عرّف سميث، أيوب على مدرب كرة سلة أميركي في عمان، ويقوم هذا المدرب بتدريب أيوب في الوقت الحالي. ويقول المدرب روبرت تايلور، الذي كان يجلس إلى جوار أيوب داخل صالة ألعاب رياضية بمدرسة عليا «كانت مهاراته أفضل مما توقعت، لكن لا تشتهر إريتريا بكرة السلة».

وإذا كانت إريتريا معروفة بشيء في هذه الأيام، فهي تشتهر بإثارة المشكلات داخل منطقة متقلبة جدا. وتُتّهم إريتريا بغزو جيبوتي في 2008، وبإثارة الفوضى في الصومال عن طريق تسليح جماعات متمردة، وهو ما استوجب عقوبات من مجلس الأمن الدولي. لكن لإريتريا تاريخا تفتخر به، حيث دخلت في حرب عصابات على مدى 30 عاما للانفصال عن إثيوبيا.

ولد أيوب في البيت على ضوء سراج في فبراير (شباط) 1990 عشية الاستقلال بعد معركة أسطورية. واختير ليلعب مع منتخب كرة السلة عندما كان في الخامسة عشرة من عمره. كان يعيش حياة يُحسد عليها طبقا لما هو معروف داخل إريتريا، حيث كان يعيش مع والده التاجر الثري. حصل على درجات مرتفعة، وذاع صيته. لكن دان فرانش، مدرس الأدب بالمدرسة العليا، يقول إن أيوب لم يكن سعيدا. ويضيف «أعرف أنه كان يريد الرحيل. لا يمكنني أن ألومه على ذلك، فهذا المكان غير مشجع. أدفع الطلبة إلى التقدم للالتحاق بجامعات في الخارج، لكن فرصهم للذهاب تمثل واحدا في عدة ملايين».

ظاهريا، لا تبدو الحياة بالنسبة إلى الإريتريين الشباب سيئة جدا، ويوجد في أسمرة عدة مقاهي، حيث يمكن للشباب احتساء الكابتشينو وتناول البيتزا. لكن، يشتكي الكثير من الشباب، في السر، من أنهم مرتبطون بوظائف حكومية. فطبقا للقانون فإن الخدمة الوطنية إجبارية لـ18 شهرا، لكنها، قد تستمر إلى أجل غير مسمى في الممارسة العملية، ولا يحصل سوى عدد قليل جدا على تصاريح للخروج من البلاد ما لم ينهوا الخدمة. وتُرجع الحكومة ذلك إلى الخلاف الحدودي مع جارتها إثيوبيا، التي يزيد حجمها عن إريتريا بمقدار 20 ضعفا تقريبا. ويقول أيوب إنه يحتمل ألا يرى والده لأعوام، لأن عودته إلى إريتريا بها خطورة كبيرة بعد هروبه.

وفي الليل، وعندما لا يستطيع النوم، يأخذ أيوب كتاب أدعية أعطته له والدته، ويجلس يفكر فيها، أو ربما يمدد جسده على سرير ويستمع إلى أغاني راب من خلال جهاز «إم بي 3» ويفكر في حلمه. ويغني «اعتدت أن أحلم بالمال والسيارات، لكني أرى حاليا أنني أجلس على قمة العالم».

خدمة «نيويورك تايمز»