الصين تعيد تقييم عملتها تدريجيا قبيل اجتماعات مجموعة العشرين

البنك المركزي: لن نسمح لقيمة اليوان أن تتجاوز المستهدف

الرنمينبي ارتفع بنسبة 21% أمام الدولار خلال السنوات الثلاث («الشرق الأوسط»)
TT

أعلن المصرف المركزي الصيني أمس أن أي تغييرات على قيمة الرنمينبي (أو اليوان، المسمى الآخر للعملة الصينية) ستأتي بالتدريج، في محاولة واضحة لطمأنة الشعب الصيني أن إجراء جرى اتخاذه مساء السبت نحو عملة أكثر مرونة لن يسفر عن أي تغييرات حادة أو مفاجئة.

غير أن عزم الصين على تقليص معدل ارتفاع الرنمينبي في مواجهة عملات أخرى، خاصة الدولار، من المحتمل أن يثير ضيق أعضاء الكونغرس الأميركي الذي مارسوا ضغوطا من أجل تمرير تغييرات سريعة على هذا الصعيد.

وعندما يجتمع قادة العالم خلال عطلة نهاية هذا الأسبوع في تورنتو في اجتماعات مجموعة العشرين، ربما يتراجع الحماس تجاه التحول الصيني باتجاه عملة أكثر مرونة بالحذر المعلن الذي تتمسك به بكين تجاه ضرورة أن تأتي أي تغييرات في القيمة بطيئة ومتواضعة.

من جهته، أعلن السيناتور تشارلز شومر، عضو الحزب الديمقراطي في نيويورك، أنه حال عدم اتخاذ الصين خطوات محددة نحو دفع الرنمينبي باتجاه الارتفاع «خلال الأيام القليلة القادمة» فسوف يعمل على تمرير تشريع يفرض قيودا على الصادرات الصينية. من ناحية أخرى، أعلن المصرف المركزي (المصرف الشعبي الصيني) أنه عاقد العزم على «تحسين إدارة الصرف الأجنبي والإبقاء على معدل صرف الرنمينبي عند مستوى معقول ومتوازن من الاستقرار الأساسي، وحماية استقرار السوق الاقتصادية الكلية والمالية».

ومن شأن وجود الرنمينبي أقوى جعل السلع الصينية أكثر تكلفة في الأسواق الأجنبية، مما سيترك تأثيرا إيجابيا على الشركات الأميركية والأوروبية واليابانية والعمال الذين ناضلوا من أجل منافسة الصادرات الصينية منخفضة الأسعار. إلا أن الحكومة الصينية اتسمت منذ أمد بعيد بحذر شديد حيال السماح لعملتها بسرعة مفرطة، خوفا من أن يؤدي ذلك إلى عمليات تسريح كبيرة وزعزعة الاستقرار الاجتماعي داخل مصانع التصدير بالمناطق الساحلية.

الملاحظ أن البيان الصادر الأحد صدر بالصينية فقط ويرمي بوضوح للاستهلاك المحلي. في المقابل، اتخذ المصرف المركزي، مساء الأحد، خطوة نادرة تمثلت في الإعلان بصورة متزامنة بالصينية والإنجليزية عن العودة إلى ممارسة كان يتبعها بين عامي 2005 و2008 تتمثل في تحديد قيمة الرنمينبي مقاربة بسلة من العملات، وليس ربطه بالدولار فحسب.

يذكر أن الرنمينبي ارتفع بنسبة 21 في المائة أمام الدولار خلال السنوات الثلاث تلك، بما فيها فترة قفز خلالها بنسبة 2 في المائة مرة واحدة عندما أعلنت هذه السياسة في يوليو (تموز) 2005. إلا أنه في أعقاب هذه الزيادة، ارتفع الرنمينبي بالكاد طيلة شهور عدة.

وأعادت الصين بصورة غير رسمية تثبيت سعر الرنمينبي عند مستوى 6.83 من الدولار في يوليو 2008، مع شروع الاقتصاد العالمي والنظام المالي في التردي بسرعة. وأبقت الحكومة الصينية على قيمة الرنمينبي من دون تغيير أمام الدولار منذ ذلك الحين بشرائها مئات المليارات من الدولارات واليورو سنويا في أسواق العملة.

ولتمويل إجراءات الشراء تلك، شرعت الحكومة الصينية في اقتراض ما يكافئ قرابة عشر الإنتاج الاقتصادي للبلاد سنويا. وجاء معظم هذا الاقتراض من النظام المصرفي الصيني الخاضع لسيطرة الدولة، وذلك أحد الأسباب الكثيرة وراء تراجع الإقراض للشركات الصغيرة والمتوسطة في الصين. من جهتهم، توقع خبراء اقتصاديون بمجال الاستثمار المصرفي في هونغ كونغ أن تسمح الصين خلال عطلة نهاية الأسبوع للرنمينبي بالزحف باتجاه الصعود أمام الدولار بما لا يتجاوز 3 في المائة بحلول نهاية العام. ويتمثل السبب الجوهري وراء هذا المعدل البطيء للزيادة في أن الرنمينبي من خلال ربطه بالدولار ارتفع بالفعل بنسبة 15 في المائة أمام اليورو خلال الشهرين الماضيين في خضم الصعوبات الاقتصادية الأوروبية.

وقال المصرف المركزي أمس إنه لن يسمح لقيمة الرنمينبي بأن «تتجاوز المستهدف»، وهو مصطلح اقتصادي يصف ارتفاع أو تراجع قيمة عملة بسرعة كبيرة تجعلها تتجاوز أي مستوى يمكن تبريره بأسس اقتصادية على المدى الطويل. ولم يعط المصرف المركزي أي إشارة عن المستوى المستدام الذي يراه محتملا.

وخلص صندوق النقد الدولي في تقرير سنوي شامل عن الصين الصيف الماضي إلى أن الرنمينبي انخفضت قيمته بدرجة كبيرة، وهو مصطلح يستخدمه الصندوق للإشارة إلى العملات التي تقل بنسبة 20 في المائة عن المستوى الذي تحدده قوى السوق، حسب ما ذكره أشخاص اطلعوا على التقرير. ولكن، تراجع الفائض التجاري لدى الصين خلال الأشهر الأخيرة، وتحول إلى عجز صغير في مارس (آذار). وقد دفع ذلك علماء اقتصاد غربيين إلى الإشارة إلى أن تخفيض القيمة ربما يتراجع نوعا ما مع جذب الطلب داخل الصين المزيد من الصادرات، ولا سيما السلع من دول نامية وسلع مترفة ومعدات مصانع من أوروبا.

واستخدمت الحكومة الصينية حريتها في إطار قواعد صندوق النقد الدولي لمنع نشر هذا التقرير، لأنه سيعطي معلومات لمنتقدي الصين، على الرغم من أن بكين سمحت بنشر تقارير سابقة لصندوق النقد الدولي لم تشتمل على تقييم مفصل لسياساتها الخاصة بالعملة.

ويمثل إصرار الصين على منع نشر التقرير سابقة لقيام دولة عضو في صندوق النقد الدولي بمنع نشر تقرير سنوي للصندوق عنها بعد الموافقة على نشر تقارير سابقة.

* خدمة «نيويورك تايمز»