أسرار مارادونا بين أقدام لاعبيه في جنوب أفريقيا

كيف وصل أسطورة الأرجنتين إلى ربع النهائي وكيف رحل ليبي ودومينيك عن الدور الأول ولحق بهما كابيللو؟

TT

يكمن سر تألق المنتخب الأرجنتيني بقيادة الأسطورة دييغو أرماندو مارادونا في التطبيق السليم للقاعدة الكروية التي تقول: «سعادة الفوز لا يضاهيها شيء، ولا بد من مواصلة العمل من أجل تحقيق المزيد». من جهة أخرى، يضم منتخب التانغو عددا كبيرا من نجوم أوروبا، على رأسهم دييغو ميليتو وصامويل، اللذان قادا فريق إنترناسيونالي الإيطالي إلى الفوز بدوري أبطال أوروبا ودرع الدوري وكأس إيطاليا، وهناك أيضا ليونيل ميسي الذي يختزن بداخله مهارات الدوري الإسباني، فضلا عن ديميكيليس (بايرن ميونيخ)، وغابريل هاينزه (مارسيليا) ودي ماريا الذي يملك مفاتيح اللعب البرتغالي بين يديه.

وفي الموسمين الماضيين، حقق أبناء مارادونا إنجازات كبيرة مع فرقهم على الصعيدين المحلي والدولي، وربما يكون من الكافي ذكر الجوائز التي حصدها ميسي عام 2009، حيث فاز النجم الأرجنتيني بدرع الليغا - الدوري الإسباني وكأس ملك إسبانيا ودوري أبطال أوروبا وكأس السوبر الأوروبي وكأس العالم للأندية بعد تغلبه على مواطنيه فيرون وكليمنته رودريغيز، لاعبي استوديانتس وبطلي أميركا الجنوبية الفائزين بكأس ليبرتادوريس. كما ارتفعت أعلام الأرجنتين على بطولة أوروبا ليغ - الدوري الأوروبي بفوز أتلتيكو مدريد باللقب الأوروبي بقيادة سيرجيو أغويرو، بينما أبلى بورديسو وهيغوين بلاء حسنا مع ريال مدريد وروما طوال الموسم الماضي. وفي الوقت نفسه، احتل لاعبو التانغو المراكز الأولى في تصنيفات أفضل هدافي العالم، حيث يتربع ليونيل ميسي على قمة الدوري الإسباني برصيد 34 هدفا، بينما سجل هيغوين 27 هدفا وتوقف أغويرو عند 12 هدفا بسبب إصابته الطويلة. كما احتل ميليتو المركز الثاني في دوري الدرجة الأولى الإيطالي برصيد 22 هدفا، واكتفي تيفيز بالمركز الرابع في الدوري الإنجليزي بـ23 هدفا، وأخيرا أحرز مارتين باليرمو 16 هدفا مع بوكا جونيورز.

هكذا وجد مارادونا وفرة من الخيارات الفنية في فريقه على العكس تماما من مارشيللو ليبي الذي رحل إلى جنوب أفريقيا بمجموعة من العواجيز، تاركا خلفه شباب الفرق الإيطالية الذين حالفهم التوفيق في الويفا ليغ - الدوري الإيطالي، مع أودينيزي وفيورنيتنا ونابولي وسمبدوريا، بالإضافة إلى استبعاده غير المبرر لماريو بالوتيللي وماركو ماتيراتزي. وعقد ليبي آماله على حرسه القديم المكون من غاتوزو وبيرلو وجيلاردينو وزامبروتا الذين يفتقدون إلى لياقتهم البدينة. ولم يختلف الأمر كثيرا في فرنسا، حيث عهد دومينيك بالمسؤولية إلى كبار النجوم في أوروبا مثل أنيلكا ومالودا (تشيلسي)، وإفرا (مانشستر يونايتد)، وأبيدال (برشلونة) وريبري (بايرن ميونيخ). وعلى الرغم من التشابه الكبير في اختيارات ليبي ودومينيك، فإن خروج الأخير من مونديال 2010 كان مفاجئا للجميع، في حين تنبأ الجميع بالرحيل المبكر لإيطاليا من المونديال.

وكذا خرج رايموند دومينيك من المونديال أولا، الذي كان في الماضي يمثل دور أيونيسكو على المسرح. وبعد ذلك خرج مارشيللو ليبي، الذي ظل في أول عامين بعد المونديال السابق مشغولا في تأليف كتب وحضور مؤتمرات أوضح فيها كيفية تكوين مجموعة عمل ناجحة. وفي النهاية ودع المونديال فابيو كابيللو، الذي يمتلك مجموعة من اللوحات الفنية الأصلية تبلغ قيمتها 19 مليون يورو. وثمة خط أحمر يجمع بين المدربين الثلاثة الذين فشلوا فشلا ذريعا في المونديال. فثلاثتهم يشتركون في الثقافة والراتب الكبير والكاريزما. إن هؤلاء المدربين الثلاثة أشبه بثالوث التدريب الذي لا يمس. وعند سؤالهم عن أسباب استبعادهم لميكيس وكاسانو وأوين من صفوف منتخباتهم فإنهم يفسرون ذلك بعدم قدرة هؤلاء اللاعبين على الالتزام والتأقلم مع زملائهم. لقد قاد المدربون الثلاثة منتخبات عجوزة، أثرت عليها التصنيفات وأثقلتها كمية كبيرة من المعرفة. إنها منتخبات قديمة مثل أوروبا، ولم تكن أفريقيا هي الأرض الملائمة لهم.

وعلى أرض أفريقيا يكاد يجن من السعادة أكثر المدربين «بدائية»، دييغو مارادونا، الذي، وعلى الرغم من نجاحه وتألق المنتخب الأرجنتيني تحت قيادته ووجود وفرة من الشباب المتألق والخيارات الفنية في فريقه، فإن قرارات قبل بدء المونديال كادت تتنبأ بعكس ذلك. لقد كان استبعاده لكامبياسو، الموسوعة الحية، يبدو بالأمس بمثابة انتحار، لكنه يبدو اليوم اختيارا منهجيا. إن مارادونا يتحدث عن المشاعر أكثر من حديثه عن الكرات العرضية. لقد ترك مارادونا قلبه ومشاعره مع لاعبيه وتوحد معهم. وفي خط الدفاع نجد ماسكيرانو وباقي اللاعبين يلعبون ويبدعون بسعادة. وليس من قبيل المصادفة أن جميع دول أميركا الجنوبية من شيلي إلى باراغواي يستمتعون كثيرا بالمونديال، حيث تقول هذه الشعوب للكرة: «يا حبيبتي».. اللمسات واللعب بالكعب.. إنهم يتميزون باللمسات الفنية ونحن نتميز بالجانب الخططي. إن المونديال الأفريقي الوليد يكافئ المواهب الشابة: الألمانيين أوزيل ومولر والهولندي إيليا وسواريز لاعب الأوروغواي. وهكذا بدلا من الكبار المعتادين، يستمتع بالمونديال لوف، مدرب المنتخب الألماني، وفان مارفيك، الذي يحمل في جعبته بطولة كأس الاتحاد الأوروبي، وبطولة أخرى لهولندا ومساحة كبيرة لبطولة جديدة.

إن السعادة في مونديال جنوب أفريقيا من نصيب الشباب الموهوبين، ومن يمتلكون المهارة الفنية والفردية.. من يلعبون كفريق واحد ولكن من دون أن يبالغوا في الجانب الخططي أمام لوحات الشرح. وفي نهاية موسم لم تتحدث فيه إيطاليا سوى عن مورينهو، جاء المونديال ليقلل من أهمية دور المدرب لصالح اللاعب. من المحتمل أن إيطاليا لم تكن تفتقد مديرا فنيا متميزا، بل كانت تفتقد مهاجم الإنتر الموهوب على سبيل المثال بالوتيللي. فقد كان المنتخب الإيطالي يحتاج لمزيد من المهارة ولمزيد من التلقائية ولمزيد من شجاعة الشباب. إنه الدرس الأفريقي الذي يمكن أن يفيد المنتخب الإيطالي في الانطلاق من جديد. هل المنتخبات المتألقة في المونديال أكثر بدائية؟ في بعض الأحيان يحتاج الأمر إلى الرجوع للخلف من أجل التقدم والانطلاق.