توسع دائرة تأثير السعودية في الاقتصاد الدولي يدخلها قائمة أفضل 20 اقتصادا عالميا

حفزت الاقتصاد العالمي بضخ 400 مليار دولار كاستثمارات مباشرة داخل البلاد

TT

أسهم توسع دائرة تأثيرات الدور الاقتصادي السعودية في المنطقة في تصنيف المملكة بين أفضل اقتصادات العالم الناشئة جنبا إلى جنب مع دول صاعدة كبرى كالصين والهند وتركيا، وسط ما تمثله المملكة من ثقل اقتصادي مهول في منطقة الخليج والشرق الأوسط والبلدان العربية امتدادا للعالم الإسلامي.

وشكل دخول السعودية إلى مجموعة العشرين الدولية التي تضم أقوى 20 اقتصادا حول العالم في زيادة الدور المؤثر الذي تقوم به المملكة في الاقتصاد العالمي، كونها بلدا قائما على قاعدة اقتصادية - صناعية صلبة.

وتعتبر السعودية أكبر بلد مصدر للنفط في العالم، وتعمل على إيجاد صناعة متطورة ومتقدمة في القطاع النفطي، بالإضافة إلى سعيها الدائم إلى استقرار الأسعار بشكل متواصل، كما تعمل على الإيفاء بالالتزامات بتوفير الطاقة، كما أنها تملك بنية صناعية متطورة في قطاع البتروكيماويات، ذات بعد عالمي من خلال وصول منتجاتها شرقا وغربا من أرجاء المعمورة.

ومجموعة العشرين.. منتدى تأسس عام 1999 بسبب الأزمات المالية في التسعينات، الذي يمثل نحو ثلثي التجارة في العالم، بالإضافة إلى تمثيله أيضا أكثر من 90 في المائة من الناتج العالمي الخام.

يؤكد خبراء اقتصاديون أن دخول السعودية جاء للثقل الذي تمثله المملكة في الاقتصادي الإقليمي والعالمي، الذي أصبح نموذجا مثاليا، خصوصا أنه يحمل جميع مقومات الاقتصاد الناجح، من قاعدة صناعية ومالية متكاملة.

وتهدف مجموعة العشرين إلى تعزيز تضافر الدولي، وترسيخ مبدأ الحوار الموسع بمراعاة زيادة الثقل الاقتصادي، الذي أصبحت تتمتع به عدد من الدول، وشهد اجتماعها في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2008، ولأول مرة في تاريخها، اجتمع رؤساء الدول والحكومات وليس فقط وزراء المالية.

وقال الدكتور عبد الرحمن الزامل، الخبير الاقتصادي، إن السعودية تعتبر من أهم دول العالم في صناعة النفط والبتروكيماويات والصناعات التحويلية، واقتصادها مبنى على قاعدة صناعية ضخمة، مشيرا إلى أن السعودية لها دور كبير في التجارة الدولية، وذلك عطفا على السياسة المالية التي اتبعتها الرياض، مما أعطاها مصداقية أكبر حول الدور الذي تقوم به في المنطقة وفي العالم، من سياسة اقتصادية حكيمة تحرك العالم أجمع.

وأضاف الدكتور الزامل، الذي كان يتحدث لـ«الشرق الأوسط»، أن السعودية تعتبر بلدا مؤثرا في القرارات السياسة والاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط، بالإضافة إلى تركيا، وهو ما يجعلها بلدا يملك قوة اقتصادية وسياسة ذات إبعاد مؤثرة على الحركة التجارية العالمية.

وأشار إلى أن الدور الذي تلعبه المملكة يأتي ضمن قدرتها في إيفاء متطلبات العالم من الطاقة، عبر صناعة نفطية ضخمة، تضخ بأسعار مستقرة، وفق مبادئ شفافة بعيدا عن التأثيرات العاطفية، الأمر الذي أسهم في أن تكون السعودية بلدا صناعيا متطورا مؤثرا، مشيرا إلى أن العامل الرئيسي في تأثير المملكة في الاقتصاد العالمي هو أنها بلد ملتزم أمام العالم بتنفيذ تعهداته، وتوفير النفط للدول شرقا وغربا في أرجاء المعمورة.

وقال الخبير الاقتصادي: «عندما طلبت مجموعة الدول الـ8 الكبرى تحفيز الاقتصاد العالمي بعد الأزمة المالية العالمية، لم تتردد المملكة في ذلك من خلال إعلان خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أمام مجموعة العشرين بضخ 400 مليار دولار كاستثمارات مباشرة داخل البلاد، مما أسهم في حركة دولية من وإلى المملكة للاستفادة من ذلك الضخ والاستثمار».

وتابع الزامل: «أثبتت السعودية صحة التزامها، وذلك من خلال الصرف على المشاريع الداخلية على البنية التحتية، مما أسهم في حركة الاقتصاد الداخلي والعالمي، من خلال مشاركات الشركات العالمية والمحلية، وهي السوق العالمية الوحيدة التي حملت ذلك المزيج المتناغم، مقارنة بدول العالم الأخرى، وهو ما يسهم في تحفيز وإنعاش الاقتصاد العالمي».

وأكد الزامل أن المملكة كانت - وما زالت - من الدول داعمة للاقتصاد العالمي من خلال مشاركتها في الصناديق الدولية، خصوصا أن المملكة لها احتياطيات كبرى خارجية، مشيرا إلى أن السياسة الاقتصادية الحكيمة لحكومة خادم الحرمين الشريفين والقوة المالية التي أثبتت نجاح تلك السياسة، أسهما في دخول السعودية إلى قائمة الاقتصادات العشرين الكبرى حول العالم.

وضرب الدكتور الزامل مثالا على تأثير السعودية في قرارات مجموعة العشرين، من خلال قرار فرض ضرائب على البنوك، حيث أجمع ممثلو الدول على عدم فرض تلك الضرائب، بعد مشاركة السعودية من خلال موقف بنوكها التي لم يكن لها أي دخل في الأزمة المالية العالمية الأخيرة، التي تسببت فيها البنوك الأميركية.

وأكد أن انضمام المملكة كعضو في مجموعة العشرين، له دلالة واسعة على أهمية المملكة الاقتصادية، الأمر الذي يجعلها بلدا مؤثرا في صنع السياسات الاقتصادية العالمية التي تؤثر في اقتصاد منطقة الشرق الأوسط، في الوقت التي أسهمت فيه المملكة بشكل كبير على تصدير فكرها الاقتصادي من خلال تجنب تداعيات الأزمة المالية العالمية بشكل ناجح.

من جانبه قال صالح كامل، رئيس مجلس الغرف السعودية، إن تطبيق المملكة ورؤيتها إزاء دعم تعافي الاقتصاد العالمي بزيادة الإنفاق الحكومي والخطط التحفيزية على الصعيد الداخلي، إلى جانب السياسة المالية المتوازنة التي انتهجتها، ساعد الاقتصاد السعودي على تحقيق نسب نمو جيدة في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية، وجنبتها هذه السياسة الحكيمة تداعيات هذه الأزمة التي عصفت بأقوى الاقتصاديات في العالم.

وأضاف كامل أن السياسة الاقتصادية الحكيمة التي اتبعتها السعودية وتبنيها برنامج إنفاق بنحو 400 مليار دولار كان أثره واضحا في تنشيط حركة الاقتصاد السعودي ودعم برامج التنمية، مشيرا إلى أن السياسات الاقتصادية الحكيمة أسهمت في تنشيط التجارة الخارجية، حيث زادت نسبة نمو الصادرات السعودية بشكل كبير، ووصلت تلك الزيادة خلال شهر فبراير (شباط) الماضي إلى نحو 30 في المائة، كما ارتفع معدل نمو الاستثمارات الأجنبية خلال 3 سنوات لتبلغ قيمة التدفقات الاستثمارية عام 2008 نحو 143 مليار ريال (38 مليار دولار) بزيادة قدرها 57 في المائة مقارنة بعام 2007. وأضاف: «إن الاقتصاد السعودي حقق معدلات نمو جيدة، وزادت فرص العمل التي توفرت بسبب قيام مشاريع جديدة أو التوسع في مشاريع الإنتاج القائمة في مختلف القطاعات».

وأوضح كامل أن الاقتصاد السعودي قام بدوره إلى جانب الاقتصادات الآسيوية القوية الأخرى، كالصين واليابان، في مساعدة العالم على تخطي الأزمة المالية العالمية، من خلال وفاء تلك الدول، ومن بينها المملكة العربية السعودية، بالالتزامات التي قطعتها خلال القمم السابقة لمجوعة العشرين عام 2008 و2009م بالإبقاء على برامج التحفيز الاقتصادي وتنفيذ ما أقر من خطة بقيمة 1.1 تريليون دولار لمواجهة كساد الاقتصاد العالمي.

وأفاد رئيس مجلس الغرف السعودية بأن المملكة أسهمت في دعم استقرار الاقتصاد العالمي من خلال حفاظها على استقرار أسواق النفط وأسعار عادلة للمستهلكين لهذه السلعة المهمة في دعم جهود التنمية في كثير من البلدان وبخاصة النامية.

وثمن صالح كامل الدور الكبير الذي قام به خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، وولي العهد، والنائب الثاني، في توجيه سياسة المملكة الاقتصادية ودعم الاقتصاد وقطاع الأعمال السعودي، الأمر الذي جعل المملكة دولة فاعلة في رسم سياسة الاقتصاد العالمي وقبلة آمنة للاستثمارات من مختلف دول العالم.

وأعرب رئيس مجلس الغرف عن أمله في أن تكون قرارات قمة مجموعة العشرين دعما لنمو الاقتصاد العالمي، وأن تسهم في معالجة المشكلات التي تواجهه بما يحقق مصلحة ورفاهية شعوب العالم.

من ناحية أخرى، أبدى خبراء اقتصاديون دوليون ملمون بتفاصيل اقتصادات المنطقة، مباركة بما اتجهت إليه السعودية من فرض ذاتها للعب دور رئيسي في مشاركة اقتصادات العالم الأكبر، والناشئة الأفضل، صياغة السياسات الاقتصادية، مؤكدين أن تستحق الاصطفاف بجانب الدول العظمى جراء ما تمتلكه من إمكانيات اقتصادية مؤثرة، وكذلك تأثيراتها المباشرة على اقتصادات المنطقة.

وقال الدكتور جون اسفيكيناكيس، وهو خبير اقتصادي دولي وكبير الاقتصاديين في البنك السعودي - الفرنسي، لـ«الشرق الأوسط» إن التجمع الاقتصادي الدولي لم يكن مهما في بدايته، حيث لم يظهر نتائج مؤثرة، بل إن تجمع الدول العشرين جاء بقوة حراك الدول الناشئة بينها السعودية التي بدأت تلعب دورا مهما على مسرح الاقتصاد العالمي.

وأفاد اسفيكيناكيس بأن الأزمة العالمية كشفت حاجة الاقتصادات الكبرى عالميا إلى التزام وترابط مع الاقتصادات الناشئة لا سيما تركيا والهند والصين، وكذلك السعودية ذات الثقل في عدة نواح، مشيرا إلى أن تلك الدول بدأت تضطلع بأدوار مؤسسية تلبي فيه احتياج تصحيح الاقتصاد العالمي.

وأضاف اسفيكيناكيس أن البيانات حول نمو اقتصادات العالم تكشف أن الوضع الأميركي بالفعل مزرٍ، بينما هناك ارتفاع طفيف في توقعات النمو الأوروبي بواقع واحد في المائة، أما الدول النامية فحققت 6 في المائة، بينما ينتظر أن تحقق السعودية 4 في المائة، وهو ما يجعلها من أبرز الاقتصادات الناشئة على المستوى العالمي.

وأشار اسفيكيناكيس إلى أن السعودية تجاوزت مرحلة العطاء والضخ للمجتمع العالمي، وأيقنت أنه لا بد أن يكون لها حضور قوي وواسع وأن تلعب أدوارا مؤسساتيه، مفيدا بأن المملكة أسهمت تاريخيا وستواصل الإسهام في الدعم للمجتمع العالمي.

ولفت كبير الاقتصاديين في البنك السعودي - الفرنسي إلى أن إسهام المملكة عبر حضورها بالسماح لأكثر من 7.5 مليون عامل غير سعودي قاموا بتحويل 25 مليار دولار بعملات أجنبية خارج البلاد، وهذا في حد ذاته يمثل دعما لاقتصاد المجتمع الدولي، بالإضافة إلى ما تقوم به من الالتزام باستيراد منتجات من البلدان كافة بمليارات الدولارات تقوم عليها مصانع وآلاف الفرص الوظيفية.

وأبان اسفيكيناكيس أن السعودية وبمشاركتها ضمن أكبر 20 اقتصادا مؤثرا عالميا ومواقفها الأولية تأتي في سياق الإصرار على رغبتها في الاستثمار المحلي، داعيا إلى أن تضطلع الاقتصادات الكبرى بالمعرفة والإدراك لهذه الحقيقة التي تود أن توصلها المملكة إلى المجتمع الاقتصادي العالمي.

من ناحيته، أكد الدكتور يارمو كويتلاين، وهو خبير اقتصادي دولي، ورئيس الشؤون الاقتصادية في شركة «الأهلي كابيتال»، أن المملكة تعتبر دولة قائدة في منطقة الخليج ومنطقة الشرق الأوسط، بل وحتى في المنطقة الإسلامية، مشيرا إلى إجمالي ناتجها المحلي يتعدى تريليون ريال، بالإضافة إلى أنها تعد مصدرا عالميا للنفط، وهو ما يعني ما تمثله من وزن استراتيجي على المستوى العالمي.

وأضاف الدكتور كويتلاين أن السعودية لديها احتياطات ضخمة من العملات تمثل ثقلا على صعيد حركة السيولة بجانب حجم العمالة الضخمة، بالإضافة إلى أن النفط، وهو مصدر الدخل الرئيسي، بات يتضاءل في قائمة مصادر الدخل لمصالح قطاعات بدأت تفرض حضورها بقوة.

وقال كويتلاين: «لا أعتقد أن دول العشرين ستفيد السعودية، في وقت أعتقد أن الحلول لا تحتاج إلى سياسات معقدة، بل كل ما نحتاجه هو فقط التنسيق وتبني المواقف بكل التزام».

ويرى كويتلاين أن ظهور «G20» بوصفه منتدى السياسات العالمية الهامة يعكس تحولات في ميزان القوى العالمي، كما ستكشف فعالية الفريق وطبيعة وحجم التحديات التي تواجهها، والسعي إلى قدر أكبر من الاتساق في السياسة يمكن العثور على الردود، لكنه مرجح أن يتزامن ذلك مع استمرار وتنامي احتمال تباين السياسات.

إلا أن الخبير كويتلاين يشير إلى أنه بقي قدر كبير يجب القيام به، كما أشار إلى التحديات السياسية التي تولدت عبر الأزمة العالمية، مشددا على أن تحركات الدول لا بد أن تمضي لإصلاح القطاع المالي وتحويله إلى إصلاح شامل بدلا من الطريقة التي تدار بها السياسة المالية والنقدية.

وفي الوقت نفسه، يوضح رئيس الشؤون الاقتصادية في «الأهلي كابيتال» أن الطبيعة العالمية للتجارة والتمويل وما تتعرض لها من اختلالات ولدت في المقابل تقيد عمليات الإصلاح، مبينا أنا العنصر الأكثر حزما من الاستجابة السياسية للأزمة في جميع أنحاء العالم، هو اعتماد تدابير التحفيز لمواجهة التقلبات الدورية. وعلى الرغم من العوامل الهيكلية والهامة - وفقا لكويتلاين - فإن الأزمة تمثل عنصرا رئيسيا أمام جهود رامية لتعزيز الطلب الكلي مقابل توجه عالمي نحو تحفيز عنصر الابتكار، مفيدا بأن التركيبة الأساسية لسعر الفائدة خفض الإنفاق الحكومي والحوافز بناء على عدد من السوابق المعروفة وهي عوامل باتت تمثل إشكاليات واسعة لمعظم الاقتصادات.

وأضاف: «التركيز في قمة العشرين يبقى على تدابير رد الفعل للتحديات التي بينها وضع الآليات التي قد تجعل حل الأزمات في المستقبل أكثر سهولة، حتى لو كان يمكن للسياسات الأكثر مسؤولية المساعدة على التقليل من احتمالات الركود في المستقبل»، وأردف: «رغم المخاطر الاقتصادية التي تواجه العالم، لا يزال الوضع مضطربا والموارد قليلة للتعامل مع هذه الضغوط على نحو متزايد».

ودعا كويتلاين إلى المزيد من الاهتمام وتكريس آليات شفافة لمعالجة القطاع المالي وأزمات الديون السيادية على نحو يتجاوز مخصص الحكومة التي تقودها أو كفالات صندوق النقد الدولي، موضحا أنه بقدر ما أوجدت الأزمة العالمية من فرص وضرورة حتمية اقتصادية للأمم المتحدة، فإن تحديات عملية الانتقال من الأقوال إلى الأفعال هائلة.

وشدد رئيس الشؤون الاقتصادية في «الأهلي كابيتال» على إصلاح القطاع المالي، مرجحا أن تستمر الحكومات مع تباين الردود، وذلك جزئيا في الاعتراف بالتكاليف الاقتصادية والسياسية المتزايدة في حين التقاعس عن العمل والإصلاح، لافتا إلى أن المشكلة الرئيسية التي تواجه صانعي السياسة يكمن ليس فقط في تقليدية التحفيز المالي والنقدي، وبالتالي لا يمكن أن يتوقع تماما التغلب على الأزمة لكنها في الواقع تواجه خطر تضخم بعض جوانبه الهيكلية.