العراق يواجه صعوبات في إعادة كتابة تاريخه.. والعقبة الرئيسية هي الطائفية

كل طائفة تريد أن يخلو المنهج الدراسي مما يخالف معتقدها

طالبات في فصل بمدرسة ثانوية في بغداد (نيويورك تايمز)
TT

خلال فترة العنف الطائفي الذي اجتاح العراق، شاهدت بعينيها جثثا متناثرة حول فناء المدرسة التي أصبحت مديرة لها الآن، لكن من غير المسموح لمي عبد الوهاب أن تدرس لتلميذاتها أي شيء عن الغزو الأميركي للعراق وحكومة صدام حسين الذي أسقطها.

وتعلق مي، مديرة إحدى المدارس الثانوية في بغداد، على ذلك قائلة: «كلاهما لم يعد موجودا». لكن مي وكثيرين غيرها هنا لا يتعجلون المحاسبة التاريخية لصدام. وتؤكد مي على ذلك قائلة: «لقد حكم صدام العراق لمدة 35 عاما. وإذا استغرقت إضافته إلى تاريخ العراق الفترة نفسها، فسيكون ذلك مبكرا جدا. نحن لا نود سماع أي شيء عنه».

خلال ما يزيد على ثلاثة عقود من الحكم الدكتاتوري لصدام حسين، كان التعليم، خاصة منهج التاريخ، أداة لترسيخ فكر حزب البعث وآلية لتمجيد الرئيس صدام. وبعد سبعة أعوام من الحرب، فإن مهمة استعادة تاريخ العراق ما زالت تواجه عقبات متمثلة في العملية السياسية والخوف من الخوض في نزاعات طائفية، التي غالبا ما تتطور إلى نزاعات دموية في العراق.

وفي هذا السياق، يقول غازي مطلق، المسؤول عن تطوير مناهج التعليم العراقية لكي تتناسب مع التطور الديمقراطي في العراق: «نحن نحاول أن نتعامل مع الموضوعات الحساسة؛ على سبيل المثال، أحداث عام 2003 والغزو الأميركي. بعض العراقيين يطلقون عليه (عملية الحرية). والبعض الآخر يعتبرونه احتلالا. لذلك نحن لا نناقش هذا الموضوع». بدأت الحكومة العراقية عملية تطوير المناهج تحت رعاية اليونيسكو عام 2008 ويتوقع أن تستمر العملية حتى عام 2012.

من جانبه، علق محمد الجواهري، نائب مدير المناهج في وزارة التعليم، قائلا: «المشكلة الرئيسية تنبع من الطوائف، فكل طائفة تحاول أن تزيل كل شيء يخالف معتقدها. وسنحاول حل هذه المشكلة في السنوات القادمة». وكان الجواهري يشير في ذلك إلى منهج التربية الإسلامية؛ مزيج من التاريخ والدين، الذي يدرس في المدارس العامة ويخضع لعملية تطوير حاليا. ويقول الجواهري: «على سبيل المثال، الصلاة. أتباع الطائفة الشيعية يتركون أيديهم مستقيمة أثناء الصلاة، بينما يعقدها أتباع الطائفة السنية. فأية طريقة نعتمد؟» الرد البديهي هو أن تدرس الطريقتان، لكن هذا ليس سهلا في بلد مزقته الصراعات الطائفية في السنوات القليلة الماضية. وهو ما يؤكد عليه الجواهري قائلا: «ليس لدينا حتى الآن هذا النوع من التعليم الذي يقبل هذا التنوع».

على سبيل المثال، أحد كتب التاريخ التي تدرس لطلاب المرحلة الثانوية لا يتناول موضوع سقوط نظام صدام حسين إلا مرات قليلة، وفيها يشار إليه باستخدام عبارات مثل «النظام السابق» أو «الدكتاتور».

ويقارن الكتاب بين القمع، والاحتجاج، والسخط السياسي بين العراقيين قبل انقلاب 1958 الذي أطاح بالملكية الهاشمية، برد فعل الشعب على جرائم صدام، من استخدام الأسلحة الكيماوية ضد الأكراد عام 1988 إلى القمع العنيف للانتفاضة الشيعية بعد حرب الخليج عام 1991. ويصف الكتاب الأوضاع قبل انقلاب 1958 قائلا: «شهدت المدن العراقية مظاهرات وحالة من التمرد على السلطات في العراق». ثم يستطرد الكتاب قائلا: «وهذا مثل ما حدث في العراق خلال فترة حكم الدكتاتور»، من دون أي ذكر للغزو الأميركي. وعندما تذكر الحرب في فصول الدراسة، يقوم المدرسون بتغيير الموضوع بسرعة. لكن البعض يرى حاجة إلى تشجيع النقاش في هذا الموضوع حتى ولو كان هذا خارج حدود المنهج الدراسي.

من جانبها، تقول وسن محمود، المعلمة بمدرسة التحرير الثانوية للبنات في بغداد: «أحيانا نحتاج إلى مناقشة هذه الأمور. وعندما أتحدث عن الغزو الأميركي، أقول الاحتلال وليس التحرير». ويقول حسام حسين، الذي يدرس التاريخ الأوروبي الحديث: «عندما يأتي الحديث عن الاستعمار، أذكر الغزو الأميركي. نحن نتحدث عن الاستعمار الفرنسي والبريطاني، فلماذا لا نتحدث عن الاستعمار الأميركي».

ويعود تاريخ حضارة العراق لآلاف السنين، وتشكل أرضه معظم أرض بلاد الرافدين، لكن حالة العنف التي شهدها أثرت على ذاكرته التاريخية. وفي هذا السياق، يقول محمد كامل، مدير قسم التاريخ في جامعة المستنصرية ببغداد: «لقد محوا كل ذكر لعصر صدام في كتب التاريخ، والنتيجة أن هذه الكتب أصبحت أسوأ من ذي قبل». ويشير كامل إلى أن صدام وحزب البعث لا يشكلان جزءا من مناهج التاريخ حتى على مستوى الجامعة.

وعلى الرغم من ذلك، فإن البعض يرى أن تاريخ العراق في القرن العشرين الذي كان يدرس في عهد صدام والذي ربما كان مجرد دعاية، حيث كانت صورة صدام على أغلفة الكتب، أعمق بكثير من المناهج الجديدة. ففي سبيل تجنب الحساسية الطافية والتعدد الثقافي - ولكي يبتعدوا عن عمد عن القومية العربية التي كانت تدرس في الماضي - تم تكثيف منهج التاريخ القديم وأضيفت موضوعات جديدة.

وتضيف وسن: «كنا ندرس حضارة العراق القديمة العريقة. أنا أريد أن أتحدث عن بلاد الرافدين، مهد الحضارة.. مصر وسورية، لكنهم الآن أضافوا البوذية، والهندوسية، التي لا ترتبط بنا من قريب أو بعيد»، ثم قامت وسن بفرد أصبعي الإبهام والسبابة لتظهر حجم كتاب التاريخ القديم الذي يغطي الفترة من حصار بغداد على يد المغول عام 1258 إلى وقتنا الحاضر، بينما لا يتجاوز عدد صفحاته 96 صفحة.

في ظل حكم الدكتاتور صدام، كان منهج التاريخ خاضعا لسلطة الدولة. وفي الديمقراطية الوليدة في العراق فإن رواية أحداث الماضي ترتبط بالسياسة بطريقة مختلفة. ويقول مطلق إن هدف وزارة التربية والتعليم هو «جعل مناهج التاريخ وسيلة لتوحيد الشعب العراقي».

* خدمة «نيويورك تايمز»