الجواسيس لم يعثروا على أي أسرار طوال 10 سنوات في أميركا

كانوا يرسلون إلى موسكو تقارير عادية.. ورؤساؤهم خشوا عليهم فقدان الولاء في ظل العيش الرغد

منزل بنيوجيرسي كان يسكنه اثنان من الموقوفين في الشبكة المتهمة بالتجسس (إ.ب.أ) وسينيثيا ميرفي المعتقلة ضمن المجموعة (أ.ب)
TT

كان أعضاء الخلية الروسية الذين اعتقلتهم المباحث الأميركية، الأسبوع الحالي، يملكون كل ما يلزم للقيام بعملية تجسس من الطراز العالمي، بدءا بالتدريب الممتاز والمعدات المتطورة وانتهاء بالمعرفة العميقة بالثقافة الأميركية والقصص الوهمية المختلقة. لكن الأمر الوحيد الذي كان ينقصهم بعد قضاء أكثر من عقد في هذه العملية هو الأسرار الحقيقة لإرسالها إلى موسكو.

المهام، التي ذكرت في التعليمات السرية التي اعترضها مكتب المباحث الفيدرالي، كانت لجمع شائعات سياسية معتادة وأحاديث سياسية ربما كان من الأفضل جمعها عبر تصفح الإنترنت. ويقول المسؤولون الأميركيون إن المتشبه فيهم الـ11 لم توجه لهم تهم بالتجسس لأنهم لم يرسلوا خلال هذه الأعوام الـ10 معلومات سرية إلى موسكو. ويقول ريتشارد ستولز، رئيس عمليات الجواسيس في الاستخبارات المركزية الأميركية السابق، الذي كان رئيس وحدة موسكو في تلك الفترة: «ما الذي كانوا يعتقدون أنهم سيجنونه من وراء ذلك، في هذا الوقت وفي هذا العصر، وما هي الفوائد التي كانوا يتوقعون الحصول عليها. أنا لا أفهم ما الذي كانوا يتوقعونه».

وعلى الرغم من حيرة خبير الحرب الباردة تجاه منطق جهود الروس الضخمة في زرع عملاء في المجتمع الأميركي، فإن المسؤولين الروس والأميركيين أوضحوا أن الاعتقالات لن تؤثر على حميمية العلاقات بين الدولتين.

وقال مسؤول في وزارة الخارجية الروسية، طلب عدم نشر اسمه: «نتوقع أن لا يكون للاعتقالات أثر سلبي على العلاقات الروسية الأميركية». وأدلى روبرت غيبس، المتحدث باسم البيت الأبيض، بتصريح مشابه قال فيه: «أنا لا أعتقد أن ذلك سيؤثر على إعادة ترتيب علاقاتنا بروسيا، فقد حققنا تقدما كبيرا خلال العام ونصف العام الماضي على صعيد العلاقات الثنائية». وعندما سئل ما إذا كان البيت الأبيض قد استاء من تجسس شريكه على الولايات المتحدة قال إن القضية مهمة لكن تنفيذ القانون هو الأهم.

وقال كل من الرئيس الأميركي باراك أوباما، والروسي ديمتري ميدفيديف، إن «إعادة ضبط» العلاقات بين البلدين بعد تدهورها خلال عهد الرئيس الأميركي السابق، جورج بوش، إنجاز مهم في السياسة الخارجية. وانتقدت وزارة الخارجية الروسية توقيت الإعلان الذي جاء، أول من أمس، بعد أيام من اجتماع ميدفيديف مع أوباما في واشنطن، وقالت إنها لا تفهم السبب الذي يجعل وزارة العدل الأميركية تعلن مثل هذه الأنباء على الملأ. وقال البيت الأبيض إن أوباما كان يعلم بشأن التحقيقات قبل اجتماعه مع ميدفيديف في واشنطن في أواخر الأسبوع الماضي، لكنه لم يتطرق إليها خلال محادثاتهما.

بدأت الاعتقالات يوم الأحد الماضي عندما أوقف مكتب المباحث الفيدرالي، الأشخاص الـ11 في يونكرز وحي مانهاتن ونيوجيرسي وبوسطن وفيرجينيا، ووجهت إليهم اتهامات بالتآمر لارتكاب جرائم غسل أموال. وبعد ذلك بيومين، اعتقلت الشرطة القبرصية، كريستوفر ميتسوس، آخر فرد في المجموعة، وكشف المسؤولون الأميركيون أنهم اضطروا إلى تنفيذ الاعتقالات خلال العطلة الأسبوعية، لأن أحد المشتبه فيهم، وهو ريتشارد ميرفي، كان يخطط لمغادرة الولايات المتحدة ليلة الأحد، ربما لنقل معلومات.

وقال المشتبه فيهم إنهم يحملون جنسيات الولايات المتحدة وكندا وبيرو، بحسب دعويين تم تقديمهما ضدهم، لكن من دون توضيح جنسياتهم الفعلية. وأقرت روسيا بوجود مواطنين روس في عداد الأشخاص المعتقلين، لكنها نفت قيامهم بأعمال ضد المصالح الأميركية.

وقال المسؤولون الأميركيون إنهم يعتقدون أن غالبية المشتبه فيهم ولدوا في روسيا وحصلوا على تدريب متقدم قبل أن يتم توطينهم في الولايات المتحدة زاعمين أنهم أزواج. كان العملاء المشتبه فيهم يقيمون علاقات مع الكثير من الأميركيين ذوي النفوذ أو المعرفة وبينهم خبير مالي كبير مقيم في نيويورك وصف بأنه جامع تمويلات سياسية وصاحب علاقات شخصية مع مسؤولين وزاريين ومستشار أمني بارز سابق وخبير أسلحة نووية. غير أن هؤلاء العملاء طلب منهم عدم السعي إلى الحصول على وظائف حكومية في موسكو كانوا يعتقدون أن قصص التخفي لن تصمد تحت ضغوط التحقيقات الجادة بشأن الخلفية. لذا طلب منهم تزويد موسكو بما يصل إلى أيديهم من معلومات في الصحف حول القضايا الاقتصادية.

سينيثيا ميرفي، واحدة من العملاء، تحدثت إلى أصدقاء لها في نيويورك وأبلغت عن «التوقعات بالنسبة لسوق الذهب»، فرد عليها رؤساؤها بأن ما أرسلته «مفيد للغاية» وتم تمرير الرسالة إلى وزارة المالية. قبل زيارة الرئيس أوباما إلى موسكو العام الماضي، طُلب من السيدة ميرفي وزوجها، محاولة استكشاف النوايا الأميركية من منزلهما في مونتكلير، وتلقى الزوجان أوامر كشفت عنها وثائق الاتهام، «بمحاولة تبيان وجهات نظر الأميركيين وغالبية أهداف أوباما التي يتوقع إنجازها خلال القمة في يوليو (تموز)، وكيف يخطط فريقه للقيام بذلك (من الحجج ووسائل الإقناع لدفع روسيا إلى التعاون مع المصالح الأميركية)». في مرة أخرى، عرضت موسكو تعليمات مبهمة ربما تكون موجهة إلى صحافيين قالوا فيها: «حاول معرفة الروايات غير المعروفة علنا، التي تتناقلها المصادر الخاصة المقربة من وزارة الخارجية والحكومة والمؤسسات البحثية الرئيسية». لكن لماذا تقوم المخابرات الروسية بالسعي وراء هذه المعلومات من أفراد استقروا في نيوجيرسي بدلا من خبراء السفارة الروسية أو المتخصصين في موسكو وواشنطن على سبيل المثال؟

ويشير ميلتون بيردن، الذي عمل لثلاثة عقود في الخدمة السرية في وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، إلى أن الحكومة الروسية تدعم العمليات غير القانونية غير المكلفة، خصوصا أن بعض المشتبه فيهم كانوا يعولون أنفسهم، كما دلت على ذلك أوراق المحاكمة. والسيدة ميرفي يصل دخلها السنوي إلى 135 ألف دولار، حيث تعمل كمخططة مالية، وهناك آنا تشابمان التي تملك عقارا خاصا في مانهاتن، يقول محاميها إنه يقدر بنحو مليوني دولار.

التحدي الرئيسي الذي واجه موسكو في هذه العملية هو كيفية الحفاظ على ولاء المجموعة طوال هذه الفترة وسط وسائل الراحة التي توفرها الحياة في الولايات المتحدة. وقال بيردن إن الكثير من الخلايا النائمة من الجواسيس التشيك في الولايات المتحدة، رفضوا العودة إلى بلادهم في أعقاب انهيار الشيوعية.

وقال بيرتون غيربر، رئيس قسم الاتحاد السوفياتي السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، عن المتشبه فيهم: «كيف يكون شكل حياتهم، خصوصا إذا استمر ذلك لسنوات بالنسبة لزوجين لديهما أطفال. ربما يشعرون في مرحلة ما بالذنب ويبدأون في الاعتقاد بأنهم أميركيون أكثر من أنهم روس. ودون الإحساس بخيانة روسيا ربما يرغبون في عيش حياة هادئة».