مصدر قانوني لبناني لـ «الشرق الأوسط»: الإعدام لا ينفذ إلا في حالات محددة.. وعلى المطالبين به تعديل القانون

ارتفاع الأصوات السياسية المطالبة بتعليق مشانق العملاء في لبنان

TT

بالتزامن مع اكتشاف المزيد من شبكات العملاء الذين جندتهم الاستخبارات الإسرائيلية للتجسس لصالحها في لبنان وبشكل غير مسبوق، ازداد منسوب القلق السياسي والأمني من خطورة دور هؤلاء العملاء في كشف لبنان أمنيا أمام العدو الإسرائيلي، خصوصا لجهة قدرة إسرائيل على اختراق الأجهزة الأمنية والعسكرية، ونجاحها في تجنيد ضباط كبار في الجيش اللبناني والأمن العام، مع ما يمكن لهؤلاء أن يوفروا لها من معلومات بحكم مناصبهم ومواقعهم الحساسة، وصولا إلى توقيف الموظف الفني في شركة «ألفا» للهاتف الجوال شربل قزي، الذي على ما يبدو أنه واحد من حلقات الجواسيس وليس آخرها.

وأمام استشراء هذه الحرب الإسرائيلية «الباردة» إذا صح التعبير، بدأت الأصوات ترتفع مطالبة بتعليق مشانق العملاء ليكون إعدامهم عبرة لغيرهم ممن سولت لهم أنفسهم التآمر على وطنهم لحساب العدو وتمكينه من الاعتداء على بلدهم، واللافت أن اقتراح تعليق المشانق الذي أطلقه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط لاقى استحسان الكثير من القوى السياسية وصولا إلى رئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي أبدى استعداده للتوقيع على إعدام العملاء حالما يصدر بحقهم حكم مبرم عن القضاء، في وقت أيدت شخصيات سياسية ونيابية في قوى «14 آذار» هذا التوجه دعت الفريق الآخر (غامزة من قناة حزب الله والقوى الموالية لسورية) إلى عدم تسخيف العمالة وإلصاق صفة عميل إسرائيلي بكل من يختلف معهم في السياسة.

هذه الأجواء انسحبت أيضا على مناقشات جلسة مجلس الوزراء التي انعقدت أول من أمس والتي دعت القضاء إلى الإسراع في بت ملفات العملاء وإصدار الأحكام بحقهم، غير أن كل هذه التعبئة المبررة في السياسة يصعب تحقيقها قانونا بما يتعلق بمطلب إعدام العملاء أو تعليق مشانقهم، باعتبار أن المواد القانونية التي يحاكم هؤلاء على أساسها لا تنص على الإعدام إلا في حالات محددة، وهي إذا كان الجرم الذي ارتكبه العميل أو الجاسوس أدى إلى قتل وإزهاق أرواح أبرياء، بمعنى أن يكون هو قد شارك في عملية القتل، على غرار ما فعله العميل أحمد الحلاق عندما فجر سيارة مفخخة في منطقة صفير في ضاحية بيروت الجنوبية عام 1995، مما أدى إلى مقتل القيادي في حزب الله فؤاد مغنية شقيق عماد مغنية، وهي قضية حوكم الحلاق وأعدم فيها عام 1997، وعلى غرار القضية التي حوكم فيها العميل محمود رافع وهي تسهيل وصول ضباط إسرائيليين إلى لبنان، ومساعدتهم على تنفيذ جريمة اغتيال القياديين في حركة الجهاد الإسلامي الأخوين نضال ومحمود مجذوب بتفجير سيارة مفخخة أمام منزلهما في صيدا ربيع عام 2006، التي قضت المحكمة العسكرية بموجبها بإنزال حكم الإعدام بحق رافع، لكن هذا الحكم هو قيد النظر أمام محكمة التمييز العسكرية، التي إذا ما صادقت عليه يصبح مبرما ويسلك طريقه إلى التنفيذ.

وفي هذا السياق أوضحت مصادر قانونية لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه الحملة الداعية إلى تعليق المشانق، ما هي إلا محاولة للضغط على القضاء وإحراجه»، مشيرة إلى أن «القضاء يصدر أحكامه وفق القانون المعمول به حاليا ومعلوم أن الأحكام التي تصدر عن المحكمة العسكرية بحق العملاء هي أحكام مشددة، وغالبا ما تنزل بهؤلاء العقوبة القصوى، أما بشأن طلب الحكم على المتعاملين بالإعدام فإنه لا يمكن الحكم بعقوبة كهذه إلا في حالات محددة أي جرائم نتج عنها قتل أو تدمير»، ودعت المصادر المطالبين بمثل هذه العقوبة وخصوصا النواب «إلى تعديل قانون العقوبات وتضمينه أحكاما صريحة واعتبار كل جاسوس أو متعامل مع العدو يستحق الإعدام أيا كان الجرم الذي اقترفه، وعندها يتقيد القضاء بأحكام هذا القانون ويطبقه على كل العملاء من دون تمييز وبلا أسباب تخفيفية».

ودعا نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم الحكومة والقضاء «إلى الوقوف بحزم في وجه الاعتداءات الإسرائيلية المتمثلة في العملاء»، وقال «إذا تم إعدام عدد من العملاء، وصدرت أحكام قضائية مرتفعة على عدد آخر فإننا سنضع حدا لهؤلاء العملاء الذين يستخفون بالأحكام القضائية ويعتبرون أن عدة أشهر ليست عقوبة، وللأسف الأحكام القضائية على العملاء السابقين هي التي شجعت بعضهم للعودة إلى العمالة وأنتجت عملاء جددا، ولو كانت الأحكام أحكاما صارمة ودقيقة لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه». ولاحظ قاسم أن «البعض لا يرى الجاسوس الإسرائيلي أو الاعتداءات الإسرائيلية، وإنما يريد أن يصرف النظر عن الاهتمام بالمواجهة عن إسرائيل إلى الاهتمام بقضايا فرعية أخرى بعيدة عن هذا الملف الأساسي الذي يجب أن نتوحد عليه جميعا، فموضوع التجسس الإسرائيلي أصبح بحاجة إلى علاج جذري بالإعدام أولا لمن يستحقون الإعدام، وهذا ما يوقف التجسس أو يضع حدا له».

وبالعودة إلى الإعدامات فقد شهد لبنان منذ الاستقلال عام 1947 حتى عام 2004، 51 إعداما منها 17 نفذت ما بعد إبرام اتفاق الطائف، أي بعد الحرب الأهلية، وقع 14 منها الرئيس الراحل إلياس الهراوي، والثلاثة الباقية حملوا توقيع الرئيس السابق إميل لحود، وقد نفذ 10 منها شنقا لأن الأحكام صادرة عن القضاء العدلي، فيما نفذ 7 رميا بالرصاص بسبب صدور الأحكام فيها عن القضاء العسكري. وكان أول حكم إعدام نفذ بعد الطائف هو إعدام بسام صالح المصلح شنقا عام 1994، بعد إدانته بقتل واغتصاب الطفلة مريم حسن محسن في صور، ثم أعدم كل من المجندين في الجيش السوري عبد الكريم جيج ومحمد سلمان زعتر شنقا عام 1994، بعد قتلهما الأخوين الصائغين جليل وغسان أنطونيوس داخل محلهما في بعبدا، وشاكر محمد عمران البريدي عام 1994 رميا بالرصاص، بعد إدانته بجريمة قتل، وحسام علي ناصر عام 1995 رميا بالرصاص لارتكابه جريمة قتل، وأحمد عبد البديع حلاق (عميل إسرائيلي) عام 1996 رميا بالرصاص بعد إدانته بتفجير منطقة صفير وقتل فؤاد مغنية وآخرين، وأنس شامل ذبيان عام 1996 رميا بالرصاص لارتكابه جريمة قتل، وخالد محمد حامد ومنير صلاح عبود وأحمد منذر الكسم عام 1997 شنقا بعد إدانتهم بقتل رئيس جمعية المشاريع الإسلامية (الأحباش) الشيخ نزار الحلبي، ومحمد محمود كور عام 1997 شنقا لارتكابه جريمة قتل، وحسن جمال عطية شنقا في 1997 لارتكابه جريمة قتل، ووسام نايف عيسى النبهان شنقا عام 1998 لارتكابه جريمة قتل، وحسن ندى أبو جبل شنقا عام 1998 بجريمة قتل، وأحمد منصور شنقا‏ ‏ في 17‏ يناير (كانون الثاني) 2004، بعد إدانته بقتل 7 موظفين من وزارة التربية، وبديع حمادة رميا بالرصاص في 17‏ يناير 2004، لقتله 3 عناصر من مخابرات الجيش اللبناني في صيدا وريمي أنطوان زعتر رميا بالرصاص ‏في 17‏ يناير 2004 لقتله عنصرين من الدفاع المدني وسلبهما.