الأمين العام لجماعة الدعوة والإصلاح الإيرانية: المعارضة الأقرب إلينا

بيراني لـ «الشرق الأوسط» : لسنا جزءا من «الإخوان».. ولا نتلقى مساعدات عربية أو إسلامية

TT

قال عبد الرحمن محمد بيراني، الأمين العام لجماعة الدعوة والإصلاح بإيران، إن جماعته ليست جزءا من التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين التي تتخذ من العاصمة المصرية مقرا لها.

وأكد بيراني لـ«الشرق الأوسط» في مقابلة خاصة من العاصمة الإيرانية طهران، هي الأولى له هذا العام لأي وسيلة إعلام عربية أو أجنبية خارج إيران، أنه لا توجد أي علاقة تنظيمية لجماعته بأي جهة خارج إيران بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين.

واعتبر أن جماعة الدعوة والإصلاح هي التنظيم الوحيد الذي له نشاط في کل أوساط المجتمع السني في إيران بمختلف أطرافها وقومياتها، نافيا تلقي الجماعة أي دعم من أي جهات عربية أو إسلامية. وفي ما يخص الجدل بين الإصلاحيين والمحافظين في إيران، قال بيراني، نري وجوها من الاشتراك مع کلا الطرفين، لكن الإصلاحيين أقرب إلينا بسبب انفتاحهم الفكري ودفاعهم عن التعددية بحيث سمحوا بدخول بعض النخب من أهل السنة في أحزابهم الإصلاحية وعلي مستوي مراکز صنع القرار.

لكنه أشار في المقابل إلى أنه بعد إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة فضلت الجماعة عدم الدخول في الاحتجاجات سعيا للاحتفاظ بمصالح أهل السنة، على حد قوله.

يشار إلى أن بيراني، المولود بمحافظة كرمنشاه الإيرانية عام 1954، وحاصل على بكالوريوس العلوم الشرعية من جامعة طهران، علي وشك مناقشة رسالته لنيل الدكتوراه في القانون الدولي من جامعة النيلين، علما أنه يتولى منصبه كأمين عام لجماعة الدعوة والإصلاح منذ عام 1991.

وفي ما يلي نص إجابات بيراني على الأسئلة التي وجهتها إليه «الشرق الأوسط» عبر البريد الإلكتروني، بترتيب مشكور من الدكتور لقمان ستوده مسؤول العلاقات العامة في جماعة الدعوة والإصلاح:

* البعض ينظر إليكم على أنكم جزء من جماعة الإخوان المسلمين، لكنكم في المقابل تنفون، ما هي إذن حدود العلاقة هذه؟

- إن جماعة الدعوة والإصلاح، جماعة إسلامية إيرانية، تم تأسيسها قبيل الثورة الإسلامية عام 1979. علي أيدي علماء ودعاة متأثرين بالمبادئ الفکرية لجماعة الإخوان المسلمين، مع کونها مستقلة في اتخاذ قراراتها ومواقفها وتبقي علاقتنا مع «الإخوان» في دائرة الفكر والاستفادة من خبراتهم وتجاربهم.

* هل أنتم جزء من تنظيم الإخوان الدولي؟

- لسنا جزءا من تنظيم الإخوان الدولي.

* وما علاقتكم بمركز الجماعة في القاهرة؟

- بطبيعة الحال، نحن کجماعة إسلامية نشطة لنا علاقات طيبة مع الحرکات الإسلامية ورموزها، خاصة القيادات الإخوانية، ولكن لا توجد علاقة تنظيمية بأي جهة خارج البلد.

* كيف تتعامل معكم الحكومة الإيرانية بما أنكم لستم حزبا رسميا؟

- إن الجماعة منذ بداية تأسيسها أخذت بعين الاعتبار التنوع القومي والفوارق المذهبية والخلافات التاريخية، وتعاملت معه بواقعية وحكمة، وانتهجت منهجا وسطيا في الفكر والسلوك بعيدا عن التطرف وإثارة الخلافات. فتوسعت دائرة نشاطات الجماعة ووصلت إلي جميع المحافظات التي يقطنها أهل السنة علي مستوي العلماء والمدارس الشرعية الأهلية وکذلك في الوسط الطلابي والقطاع النسائي ومؤسسات المجتمع المدني، واحتفظت الجماعة بعلاقتها مع التيارات الأخرى في الداخل، وعلي صعيد العالم الإسلامي لنا علاقات مع القيادات الفکرية والعلماء والرموز وصرنا عضوا مؤسسا في اتحاد المنظمات الأهلية في العالم الإسلامي وکذلك في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. نحن من جانبنا قررنا الالتزام بقاعدة الحوار وحل المشکلات بطرقها القانونية بعيدا عن الصخب الإعلامي، وفي المقابل تتعامل الحكومة معنا بشکل شبه رسمي، ونحن نري أن هذا الأسلوب هو الأفضل لحل المشکلات، وبالأخير نحن مع الحرية للجميع والانفتاح السياسي والثقة المتبادلة بين الشعب والحكومة.

* هل هناك اتصالات أو حوارات بينكم وبين السلطات في طهران؟

- نعم. هناك حوارات ولقاءات مع بعض الجهات المعنية بها.

* كم عدد أفراد تنظيمكم داخل إيران؟ وما مصادر تمويل الجماعة؟

- نحن التنظيم الوحيد الذي له نشاط في کل أوساط المجتمع السني بإيران بمختلف أطرافها وقومياتها الفارسية والكردية والبلوشية والترکمانية والعربية والطالشية والأذرية و... وبالتالي، لنا مئات من الرموز وآلاف من الأعضاء وجماهير غفيرة من الأنصار والمؤيدين، ويتم تمويل الجماعة عبر مساعدات الأعضاء وأهل الخير من المحبين والمؤيدين لها.

*هل تتلقون دعما من أي جهة عربية أو إسلامية؟

- لا، نحن جماعة مستقلة في کل الجوانب، ومنها الجانب الاقتصادي، فلا نتلقى أي دعم خارجي. لکن، قد يتعاون القسم الخيري من الجماعة مع بعض الجهات الخيرية لبناء المساجد والمدارس الشرعية وکفالة الأيتام ومساعدة الفقراء في بعض الأحيان.

* كيف ترون الموقف العربي والإسلامي من قضايا السنة ومطالبهم في إيران؟

- في حين أننا نرفض أي تدخل من قبل الدول في شؤون الآخرين، لکن نظرا لوجود الأقليات المذهبية في بعض المجتمعات الإسلامية ووجود الخلافات الفکرية والتاريخية التي ليست وليدة الحاضر وبعضها يرجع إلي ألف عام ولا يمكن وضع حلول سريعة أو عابرة لها، وکذلك وجود أرضية لإثارة هذه الخلافات وتحويلها إلي نزاعات وعداوات والاعتداء علي الحقوق وتهدر بعض طاقات الأمة کما رأينا في دول الجوار لنا، لأن التفرق والاختلاف قد يتطوران إلى تناحر واحتراب، وهذا من الخطورة بمکان. بناء علي هذا، کان من الأجدر أن تعتني الحکومات والنخب الفكرية والعلماء بهذه القضايا وتتعاون في ما بينها لحل المشکلات بشکل سلمي حضاري، ولا شك أن الخلافات المذهبية جزء مهم من الواقع لا يمكن إهمالها وليس من الصحيح إثارتها، ونعتقد أن رد الفعل المتعصب تجاه التعصب المذهبي وإثارة الخلافات لن تخدم حل المشکلة، وسبق أن کان لنا اقتراح بهذا الشأن تم تقديمه إلي العلامة الشيخ الدکتور يوسف القرضاوي حفظه ‌الله رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، کمشروع يدعو إلي إعداد وثيقة تنطوي علي الحقوق والواجبات للأقليات المسلمة السنية والشيعية في البلدان الإسلامية. علي غرار ما شاهدناه من جهود مباركة بالنسبة إلى حقوق الأقليات المسلمة الموجودة في المجتمعات الغربية.

* هل تؤيدون جماعة جند الله؟ وما موقفكم منها؟

- الاجتناب من العنف هو إحدى الرکائز الفكرية والسلوکية للجماعة کما ورد في وثائقنا. فإننا قد اخترنا لأنفسنا الاجتناب عن العنف في أي ظروف کأصل ثابت وغير قابل للتغرير وطريقة عمل للتفاعل مع الآخرين وکذلك لأجل خلق التطور السياسي والاجتماعي في المجتمع وفق فهمنا للقرآن والسنة النبوية. بناء علي ذلك، نحن نرفض العنف بأي شکل ومن أي جهة، ولا نؤمن بکون العنف وسيلة لإحقاق الحق.

* كيف هي رؤيتكم بالنسبة إلى الشيخ إسماعيل الزهي الذي يقدم نفسه كمرجع ديني أعلى لأهل السنة في إيران؟

- في الحقيقة، إننا لم نسمع من فضيلة الأستاذ الشيخ عبد الحميد - حفظه‌ الله - أن يعرف نفسه هکذا، ولکنه في الوقت نفسه أحد قيادات أهل السنة، وله مساعٍ طيبة وجهود مشکورة خاصة في بلوشستان، وهناك جماعات وتيارات ورموز وقيادات أخرى لأهل السنة.

* من وجهة نظركم، كيف هي أوضاع السنة حاليا في إيران؟ هل ترون أن السنة يتعرضون للتميز أو الاضطهاد؟

- کان أمل قيادات السنة بالثورة الإسلامية في إيران کبيرا، في القضاء علي الخلافات والأحقاد التاريخية وبتوفير المساواة بين المواطنين، ونجحت قيادات الثورة في كتابة دستور يلبي معظم مطالب المجتمع عموما ويصرح بالحقوق الأساسية والحريات العامة للمواطنين جميعا، إلا في بعض أصوله التي تنص علي المذهب الرسمي الجعفري ومنع السنة من الترشح لرئاسة الجمهورية، والتي قد اعترض عليها بعض قيادات السنة آنذاك. لکن نسبة النجاح في تطبيق الدستور کانت أقل من المتوقع لأسباب لسنا بصدد الخوض فيها. فبالتالي، هناك مشکلات وبطبيعة الحال لا ننفي وجودها، وفي المقابل ليس کل الأبواب مغلقة. علي سبيل المثال کما اشتهر موضوع عدم السماح ببناء المساجد لأهل السنة في العاصمة طهران، قد احتويناها بحل متوسط من خلال فتح عدة مصليات لإقامة صلاة الجمعة والعيدين والتراويح في العاصمة، وتتعامل الحکومة معها بالتسامح، وأحيانا تتعاون لحل بعض المشکلات الطارئة أمام هذه المصليات.

* هل لديكم موقف من الجدل الدائر في إيران بين التيار الإصلاحي والمحافظين؟

- بناء علي الأسس الفکرية للجماعة، نري وجوها من الاشتراك مع کلا الطرفين، ولو أننا وجدنا الإصلاحيين أقرب إلينا بسبب انفتاحهم الفکري ودفاعهم عن التعددية بحيث سمحوا بدخول بعض النخب من أهل السنة في أحزابهم الإصلاحية وعلي مستوي مراکز صنع القرار. لأجل ذالك، کنا ندعم الإصلاحيين في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وخضنا في الانتخابات الأخيرة لصالح المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي بشکل واسع، وأصدرنا بيانا أشرنا من خلاله إلي أهم حقوق أهل السنة ومطالبها. لکن بعد إعلان نتائج الانتخابات فضلنا عدم الدخول في الاحتجاجات، سعيا منا للاحتفاظ بمصالح أهل السنة.

* كيف تنظر إلى الصخب المحيط ببرنامج إيران النووي؟

- نحن نري أن امتلاك الطاقة النووية للأغراض السلمية حق لجميع الشعوب وحاجة العصر، ومنعها من هذا الحق أمر مرفوض، وجمهورية إيران الإسلامية تؤکد دائما أن نشاطاتها النووية سلمية وأنها لا تريد التسلح النووي، فيحق لها امتلاك هذه الطاقة للأغراض السلمية وحرمانها منها ظلم، ونحن مع عالم خالٍ من الأسلحة النووية ونتمنى ذلك.

* هل تؤيدون استمرار احتلال إيران لجزر الإمارات؟

- أولا، لا نوافق علي استخدام کلمة الاحتلال، ثانيا کلنا نعلم أن هناك خلافات حدودية بين معظم الدول في المنطقة يجدر حلها من خلال الحوار. کذلك بالنسبة إلى الجزر ينبغي الجلوس علي طاولة الحوار وإزالة سوء التفاهم، ولا شك في أن إيران والإمارات الشقيقة تجمعهما الاشتراکات الدينية والثقافية، إلي جانب مستويات من العلاقات العائلية بين الشعبين و... فينبغي حل هذا الخلاف بطريق سلمي وحضاري ونتمنى ذلك.

* كيف ترون محاولات التقريب بين السنة والشيعة؟

- لا شك في أن فكرة التقارب والحوار بين أتباع المذاهب کانت ثمرة مبارکة لجهود طيبة قامت بها قيادات بارزة للصحوة الإسلامية المعاصرة کأمثال سيد جمال‌الدين ومحمد عبده ورشيد رضا والإمام البنا وعلماء الأزهر الشريف والشيخ محمد تقي القمي، فبادروا بإطلاق مشروع حكيم يرنو إلي الوحدة الإسلامية والتقارب بين أتباع المذاهب، حيث تم إنشاء أول دار للتقريب في القاهرة، وکان هذا المشروع إحدى ثمار المدرسة الفكرية الإصلاحية التي مهدت الطريق أمام قبول الآخر والتعامل مع الآراء المخالفة من منطلق مبدأ تعدد الآراء والاجتهاد المشروع، وتعبّر عن هذا الانفتاح القاعدة الذهبية «نتعاون في ما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا في ما اختلفنا فيه»، وإن جماعة الإخوان تبنت هذه الفکرة، وقد تربي جيل من المفكرين في مدرسة الإخوان عاشوا فوق الفوارق القومية واللغوية والمذهبية وتعاملوا معها تعاملا إسلاميا حضاريا، وبات هذا ديدنة الجماعة وصبغتها.

وبعد الثورة الإسلامية في إيران، تم تأسيس المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، وأقام هذا المجمع مؤتمرات عالمية بحضور بعض العلماء وقادة الفکر في الداخل وفي الخارج وبذل جهودا کثيرة وحقق أهدافا. لکن في ظل الأوضاع الراهنة التي کثرت فيها الخلافات والنزاعات والتحديات وتقلصت فيها نسبة الثقة المتبادلة بين الفريقين، نحن نري أن تحقيق الهدف المنشود لمشروع الوحدة الإسلامية يتطلب إرادة قوية صادقة إلي جانب مشارکة الرموز والمرجعيات الفکرية المؤثرة من الفريقين، بالإضافة إلي مسايرة الرأي العام وإقناعه بضرورة التقارب، لأن اتفاق القيادات الفکرية والسياسية علي أمر ما سهل، ولکن إقناع الشعب هو الجانب الرئيس في القضية.