منتخب البرازيل يفشل في إعادة البسمة إلى جماهيره ويودع العرس العالمي من الباب الضيق

تحولت أحلامه إلى كوابيس.. وتساقطت أوراقه السامقة إلى الحضيض

TT

مرة أخرى، خيب المنتخب البرازيلي آمال جماهيره العريضة بخروجه خالي الوفاض من النسخة التاسعة عشرة من نهائيات كأس العالم لكرة القدم، المقامة حاليا في جنوب أفريقيا، بخسارته أمام هولندا 1/2، أول من أمس (الجمعة)، في بورت إليزابيث، ضمن الدور ربع النهائي.

وسقط «السيليساو» من القمة إلى الحضيض، وشكل خروجه صدمة قوية، وهو الذي كان مرشحا بقوة إلى التتويج باللقب السادس في تاريخه وتعويض خيبة أمل النسخة الأخيرة، عندما توقف قطاره في الدور ربع النهائي أيضا بالخسارة أمام فرنسا 0/1.

كانت الجماهير البرازيلية تعقد آمالا كبيرة على منتخبها في العرس العالمي لاستعادة البسمة التي غابت عنها منذ التتويج بلقب النسخة السابعة عشرة في كوريا الجنوبية واليابان معا، وإضافة لقب جديد في قارة جديدة، بعدما تذوقت طعم التتويج في القارات الأربع (أوروبا وآسيا وأميركا الجنوبية وأميركا الشمالية)، بيد أن شيئا من هذا القبيل لم يحدث وتحول الحلم إلى كابوس، بل الأكثر من ذلك أن المنتخب البرازيلي، المصنف الأول عالميا، والمتوج بكأس القارات العام الماضي، وكوبا أميركا 2007، ودع المسابقة من الباب الضيق، بعد عرض باهت أمام المنتخب البرتقالي، خصوصا في الشوط الثاني. وبدت بوادر الإقصاء من الدور الأول والمعاناة أمام كوريا الشمالية (2/1) والبرتغال (0/0)، لكن الفوز الكبير على تشيلي (3/0 في ثمن النهائي) بعث الآمال من جديد، قبل أن يتسرب الشك إلى قلوب المشجعين البرازيليين منذ الوهلة الأولى من مباراتهم أمام هولندا، من خلال توتر أعصاب لاعبي «السيليساو» وسقوطهم في فخ استفزازات منافسيهم، بالإضافة إلى فشلهم في ترجمة السيطرة على مجريات الشوط الأول إلى أهداف كانت ستضعهم في مأمن من أي ردة فعل برتقالية في الشوط الثاني. وزاد الطين بلة ضعف الدفاع البرازيلي، والخطأ الفادح لحارس مرماه جوليو سيزار في إبعاد الكرة العرضية لويسلي شنايدر قبل أن يضعها فيليبو ميلو بالخطأ داخل مرماه.

وهو الهدف الأول الذي يدخل مرمى البرازيل من نيران صديقة في تاريخ مشاركاتها في العرس العالمي الذي لم تغب عنه أبدا. معاناة البرازيل بدت أيضا من خلال المدافع الأيسر، ميشال باستوس، الذي كان بعيدا عن مستواه، وحار في كيفية إيقاف زحف الجناح آريين روبن على غرار زملائه، وإذا كان مدربه، كارلوس دونغا، انتبه إلى ذلك، وأخرجه خوفا من تلقيه إنذارا ثانيا، فإنه لم يقو على فعل أي شيء أمام التدخل الخشن، من دون كرة لميلو بحق مهاجم بايرن ميونيخ، فكان جزاؤه بطاقة حمراء، دفع زملاؤه ثمنها غاليا، لأنهم عجزوا طيلة الدقائق الـ17 المتبقية عن إدراك التعادل أمام منتخب هولندي منظم بشكل جيد في جميع الخطوط.

البطاقة الحمراء لميلو كانت الثانية للبرازيليين في البطولة بعد الأولى التي تلقاها كاكا أمام كوت ديفوار في الدور الأول، وهي علامة واضحة على توتر أعصاب لاعبي «السيليساو» في المباريات الخمس التي خاضوها، في وقت كان من المفترض أن يتحلوا ببرودة أعصاب فيه، بالنظر إلى لاعبي الخبرة في صفوفهم، بدءا من حارس مرمى إنتر ميلان، جوليو سيزار، مرورا بالقائد لوسيو، وصولا إلى كاكا وروبينهو.

لكن الضغوط كانت كبيرة على اللاعبين؛ لأنهم كانوا مطالبين باللقب ولا شيء سواه، وهو ما أكده كاكا نفسه بقوله: «ليس هناك شخص حزين في هذا العالم أكثر من اللاعبين. هناك الكثير من الأشخاص المستاءين في البرازيل، وأنا أدرك ذلك، لكن ليس هناك شخص أكثر استياء وحزنا من اللاعبين. إنها كأس عالم معقدة، المباريات صعبة، والطريقة التي أنهينا بها مشاركتنا كانت سيئة»، مضيفا: «بذلنا كل ما في وسعنا، بل قمنا بجهود مضاعفة. تطلعاتنا كانت الفوز باللقب فقط، لكن ما حصل يوم الجمعة تسبب في حزن كبير. ارتكبنا خطأين فادحين، كانا مصدر هدفي فوز الهولنديين».

ويؤكد خروج البرازيل خالية الوفاض فشل استراتيجية الأسلوب الدفاعي الذي اعتمد عليه مدربها، كارلوس دونغا، الذي واجه انتقادات لاذعة من وسائل الإعلام المحلية منذ زمن بعيد. عبارته الشهيرة التي أطلقها كتحد لوسائل الإعلام المحلية في الثالث من يونيو (حزيران) الماضي، ارتد صداها ضده. وقتها قال دونغا، الذي خسر 7 مباريات من أصل 68 مباراة على رأس السيليساو (49 فوزا و12 تعادلا): «بالتأكيد هنا (في جنوب أفريقيا) نحو 300 صحافي برازيلي، ينتظرون إقصاءنا، من أجل أن يقولوا إنهم كانوا على حق، وأن المدرب كان محظوظا جدا في كوبا أميركا (2007)، وكأس القارات (2009)».

لم يسلم دونغا، الذي لقب سابقا «ترمينيتور»، نظرا للعبه القاسي على أرض الملعب، من الانتقادات منذ بداية مشواره على رأس الإدارة الفنية لـ«السيليساو»، فأصبحت قلة خبرته مثار جدل، كما انتقد كثيرا لعدم اعتماده اللعب الجميل الذي يتميز به المنتخب البرازيلي.

ودافع دونغا عن نفسه بالقول: «أريد جلب الإرادة التي كانت لدي كلاعب إلى المنتخب. الطاقة، الحماس، ورغبة الفوز، هي أمور ضرورية لحمل ألوان منتخب البرازيل».

لكن الانتقادات استمرت، ووصلت إلى حد مطالبته بالاستقالة، حتى إن الرئيس البرازيلي، لولا دا سيلفا، كان من بين موجهي السهام نحوه. ففي عام 2008، وخلال الخسارة الأولى للبرازيل في تاريخها أمام فنزويلا المتواضعة (0/2) في مباراة ودية على أرض محايدة، ثم بعد التعادل السلبي أمام فنزويلا أيضا على أرضها وأمام بوليفيا في تصفيات مونديال 2010، علت الأصوات المنادية برحيله.

وأدار دونغا ظهره لهذه الانتقادات، ولكن في نهاية المطاف، أثبت الإعلام البرازيلي أنه كان محقا، لأن النتائج التي حققها المدرب سابقا لا قيمة لها أمام فشل من هذا القبيل في مسابقة عالمية تسيطر عليها البرازيل بخمسة ألقاب، وتملك من النجوم ما يجعلها ملزمة على الأقل بالوجود ضمن الأربعة الكبار.

النجوم كانوا المشكلة الأساسية لـ«السيليساو» في جنوب أفريقيا؛ لأنهم لم يقدموا أبدا عرضا مقنعا يشفع لهم بإنجازاتهم السابقة، سواء مع منتخب بلادهم، أو الأندية التي يدافعون عن ألوانها، خصوصا نجم ريال مدريد الإسباني، وأفضل لاعب في العالم عام 2007، ريكاردو كاكا، والفتى المدلل روبينهو اللذين قدما لمحات فنية في فترات متباينة. وفي بلاد اللعب الجميل، التي لا تزال يعيش على إبداع بيليه ومنتخب 1970، فإن هذه العروض المخيبة لا تغفر.

أخطأ دونغا في اختيار التشكيلة المونديالية، بتفضيله لاعبين يملكون حسا دفاعيا أكثر من الهجوم، كغرافيتي، وجوليو، باتيستا، ونيلمار، على حساب نجوم بدت الحاجة إلى خدماتهم واضحة في جنوب أفريقيا، هم: صانع ألعاب ميلان الإيطالي رونالدينهو، وزميله في النادي اللومباردي المهاجم الواعد ألكسندر باتو، وأدريانو الهداف المتألق مع فلامنغو البرازيلي، ولاعب وسط سانتوس الرائع غانسو (19 عاما).

وجاء اعتراف دونغا بالفشل متأخرا، وحيث لا ينفع الندم، لكن الشيء الأكيد هو أن إخفاقه في العرس العالمي سيغطي كلية على جميع الإنجازات التي حققها مع السيليساو، وسيبقى نقطة سوداء في مسيرته التدريبية. «لم ننجح في تحقيق الهدف الرئيسي الذي جئنا من أجله هنا في جنوب أفريقيا: أن نصبح أبطالا للعالم»، كانت هذه هي الكلمات الأخيرة لدونغا قبل التخلي عن منصبه بنهاية عقده مع الاتحاد البرازيلي، الذي أصبح مطالبا، أكثر من أي وقت مضى، بتعيين مدرب قادر على تحقيق الحلم البرازيلي، بعد أربعة أعوام في البرازيل بالذات.