لورا داولنغ مسؤولة جديدة عن تنسيق الزهور داخل البيت الأبيض

فازت بعد مسابقة تشبه تلفزيون الواقع وطلب من المتنافسين تنسيق أزهار بما يلائم الغرفة الزرقاء والمكتب البيضاوي وحفل عشاء رسمي

قالت داولنغ التي تولت مهام عملها الجديد في أكتوبر (تشرين الأول): «تتمثل وظيفتي في خلق بصمة جديدة بمجال الأسلوب الجمالي («واشنطن بوست»)
TT

تلقت مسؤولة الزهور الرسالة وردت عليها قائلة: «نعم يا سيدي، سأتخلص منها في أقرب فرصة ممكنة». ولا تزال نانسي كلارك، التي استقالت من منصبها باعتبارها المسؤولة الأولى عن شؤون الأزهار والورود داخل البيت الأبيض في مايو (أيار) 2009 بعد 30 عاما قضتها في هذه المهنة، تضطر في بعض الأحيان إلى إجراء تغييرات سريعة. وقالت: «على مدار فترة طويلة، كنا نحتفظ بإناء يضم أزهارا بلون الخوخ على الطاولة المخصصة لتناول القهوة داخل المكتب البيضاوي. وقمنا باستبدال هذه الأزهار بأخرى حمراء اللون ظلت محتفظة برونقها لمدة خمس دقائق فقط. وعليه، تلقينا اتصالا هاتفيا يفيد بأن الرئيس يرغب في استعادة الأزهار خوخية اللون مجددا». يذكر أن نانسي كلارك هي التي استقبلت أسرة أوباما بالورود في يوم التنصيب، وحرصت على تزيين غرفتي ماليا وساشا بآنية تضم أزهار الأوركيد بجانب أزهار شقار أرجوانية اللون وتيوليب قرنفلية اللون. وكان من بين أوائل أعضاء الفريق الجديد المعاون للرئيس الذين التقتهم كان مايكل سميث، مصمم الديكورات الخاص بأوباما، وديزيري روجرز، سكرتيرة الشؤون الاجتماعية.

وأوضحت نانسي كلارك، التي تعكف حاليا على تأليف كتاب، أن «جزءا من الفترة الانتقالية الرئاسية يتضمن إحداث تغييرات فيما يخص الزهور أيضا. أبدى آل أوباما رغبتهم في وجود زهور ذات طابع عصري وألوان قوية». وأشارت كلارك إلى أنها عندما التقت الرئيس أوباما أخبرها أن «الشيء المفضل بالنسبة لي فيما يخص الحياة داخل البيت الأبيض هو الأزهار». وأكدت كلارك على أنه لم يطلب منها الاستقالة من عملها حسبما ورد ببعض التقارير الإعلامية وقت إعلانها رحيلها عن البيت الأبيض، منوهة بأنها أطلعت فريق العمل المعاون لها على عزمها التقاعد قبل الإعلان عن القرار بشهور. وأضافت: «لا أدري من أين جاءوا بهذا الحديث. لقد كان أمرا مؤلما للغاية بالنسبة لي، بجانب أنه كان مخالفا للحقيقة». من ناحية أخرى، كانت داولنغ (50 عاما)، تتولى إدارة شركة خاصة بها تعمل في مجال تصميمات الزهور في الإسكندرية، وقد تخصصت الشركة في تصميم باقات الأزهار والورود على الطراز الفرنسي. وكان ذلك قبل أن تتقلد أعلى منصب على صلة بالأزهار والورود على مستوى البلاد. على الصعيد الشخصي، تتميز داولنغ بصوتها الهادئ وتبدو عليها ملامح السكينة في خضم الضغوط المكثفة التي تتعرض لها في عملها. والملاحظ أن مقر عملها يتميز بممر يؤدي إليه يعج بسلال الأزهار والورود مرتبة في انتظار توزيعها على مكاتب مختلفة. وتوعز داولنغ جذور عشقها للأزهار والورود إلى حديقة أزهار كانت تملكها جدتها داخل مزرعة صغيرة في ولاية واشنطن، حيث كانت الظروف المناخية مثالية لزراعة النباتات الوردية والكوبية (نمط نباتات يشبه الكوب). ورغم عمل داولنغ في المجال الحكومي والسياسة العامة، ظل بداخلها عشق دائم للتزيين باستخدام الورود والأزهار والتحف القديمة والمصنوعات اليدوية. ورغم ذلك، لم تراود داولنغ قط فكرة امتهان العمل بمجال الأزهار واستغلالها في تصميمات مختلفة حتى قامت برحلة إلى باريس منذ 10 أعوام عندما وقعت عيناها على باقة ورود من محل الزهور الفرنسي الشهير «كريستيان تورتو» مؤلف من أزهار الجلبان العطر وأخرى تشتهر باسم «عباءة السيدة» والورد البري. وعن هذه الباقة، قالت داولنغ: «رأيت حينها أجمل زهور تقع عليها عيني على الإطلاق». وعبر سلسلة من الرحلات المتعاقبة إلى باريس، أتقنت داولنغ أسلوبها المميز في تنسيق الزهور عبر دروس تلقتها في مدرسة «ليكول دي فلور» على يد تورتو وعدد من منسقي الزهور الآخرين الذين كانوا يشرحون أحدث الأساليب والتيارات في هذا المجال. في نهاية الأمر، نجحت داولنغ، العاشقة لكل ما هو فرنسي، من بناء سمعة كبيرة لها في مجال تنسيق الأزهار للمناسبات الخاصة وحفلات الزفاف وألقت محاضرات في هذا المجال خلال «معرض فيلادلفيا للزهور» وفي «بيير ديو». وتبدي داولنغ تطلعها المستمر نحو الأفكار الجديدة وشاركت مؤخرا في دورة تدريبية في ألمانيا تولى التدريس خلالها المصمم غريغور ليرتش. وعملت خلال الدورة على تنسيق الزهور في مجموعات طبيعية في غابة تطل على وادي نهر الراين. بصورة عامة، يمر قرابة 15.000 زائر أسبوعيا عبر البيت الأبيض في جولات عامة، طبقا لما ذكرته سيمونتي ستيفينز، نائبة السكرتير الصحافي لميشيل أوباما. وقد اجتذبت تصميمات الزهور المتناسقة التي ابتكرتها داولنغ داخل الغرف التاريخية في البيت الأبيض كثيرا من الاهتمام. في هذا الصدد، قالت بيتي مونكمان، الأمينة السابقة بالبيت الأبيض: «تعد الأزهار الموزعة داخل البيت الأبيض واحدة من الأمور التي اجتذبت دوما تعليقات من الزائرين». منذ بضعة أسابيع، قادتنا داولنغ في جولة عبر الطريق الذي يسلكه زائرو البيت الأبيض، بينما كانت ترتدي حذاء مسطحا على غرار ما ترتديه راقصات الباليه مزدانة بورود صغيرة. داخل المكتبة، زينت أوراق ليمون مجففة وشرائط معقودة حاوية تحمل باقة تتدلى منها الورود. وفي الغرفة الشرقية، جرى عرض نباتات سرخس تقليدية. أما باقة الورود داخل الغرفة الخضراء، فكانت موضوعة على حاوية من اللونين البرونزي والذهبي كانت قد اشترتها جاكلين كيندي. داخل البهو الكبير، وضعت أزهار الكلدوم التي جرت إعادة تدويرها من حفل عشاء استضافه البيت الأبيض مؤخرا، حيث يحرص البيت الأبيض على إعادة استخدام أزهار طالما أنها ما زالت محتفظة بنضارتها. من جانبهم، لاحظ بعض الزوار المهتمين بالجمال والتناسق التغييرات التي طرأت على تنسيق الأزهار داخل البيت الأبيض. ومن بين هؤلاء بفي كافريتز، رجل الأعمال الخيرية، الذي اعتاد حضور مناسبات داخل البيت الأبيض منذ عهد إدارة غيرالد فورد، وقد أعرب عن رأيه بأن «الأزهار رائعة. إن صورتها تعلق بالأذهان. وقد لاحظت أن الطابع الرسمي في أسلوب عرضها تراجع». ربما تبدو الأزهار المميزة لإدارات سابقة عتيقة الطراز في السنوات المقبلة، تماما مثلما الحال مع فساتين زوجات الرؤساء. على سبيل المثال، تظهر الصور الخاصة بحفلات العشاء الرسمية التي أقامها أيزنهاور في خمسينات القرن الماضي صفوفا جامدة من مجموعات هرمية الشكل من الزهور. أما جاكلين كيندي، فقد استحدثت أساليب تنسيق للزهور أكثر مرونة حملت بصمة فرنسية قوية. وعلى جدار مكتبها، هناك صورة لداولنغ وهي ترتب المائدة لعشاء عائلي غير رسمي مع وجود آنية ضخمة تضم نبات الأقحوان. من ناحيتها، علمت داولنغ بأمر الوظيفة الشاغرة في البيت الأبيض من خلال زوجها روبرت وينهيغين، المستشار التشريعي البارز بمجلس النواب، الذي قرأ نبأ رحيل كلارك عن البيت الأبيض وحث زوجته على التقدم لشغل الوظيفة. وبالفعل، بعثت داولنغ طلب التحاق بالوظيفة، ومر الطلب عبر أربعة جولات من التنافس مما جعلها من بين ثلاثة متسابقين في التصفية النهائية. وفي مسابقة أشبه ببرامج تلفزيون الواقع، استدعي المتنافسون الثلاثة إلى البيت الأبيض وطلب منهم ابتكار تنسيق للأزهار على نحو يلائم الغرفة الزرقاء والمكتب البيضاوي وحفل عشاء رسمي. اليوم، غالبا ما تمتد أيام عمل داولنغ لتشمل جميع أيام الأسبوع، وكانت آخر مرة اطلعت فيها على مدونتها الشخصية التي تحمل عنوان «لارت دي بوكيه» في سبتمبر (أيلول) الماضي. ومع ذلك، أكدت على أن عملها في البيت الأبيض «شرف لها وميزة وأشبه بقصة أسطورية». مؤخرا، طلبت منها ميشيل أوباما تصميم باقة زهور لوداع سيدة فرنسا الأولى كارلا ساركوزي، العارضة الشهيرة السابقة لدى دار «شانيل». وبالفعل، صممت داولنغ الباقة التي تألفت برمتها من أزهار بيضاء صغيرة، بجانب أزهار الأوركيد والكاميليا. بوجه عام، يمكن القول بأن ميشيل أوباما نجحت في إضفاء طابع «أوبامي» مميز على البيت الأبيض من خلال إقرار قوائم طعام صحي وزراعة حديقة البيت الأبيض بالنباتات اللازمة لتلبية احتياجات هذه القوائم، علاوة على نمط الملبس الأنيق الجديد الذي اتبعته الذي يرتكز على الفساتين بلا طوق والأحزمة المرصعة. أما أحدث العناصر التي أظهرت خلالها عشقها للأناقة فكانت الأزهار والورود وذلك من خلال الاعتماد على لورا داولنغ، المسؤولة الجديدة عن تنسيق الزهور داخل البيت الأبيض. ونجحت داولنغ في خلق مئات التصميمات لمجموعات مختلفة متناسقة من الزهور جاء الكثير منها داخل حاويات مكسوة بالطحالب والمشمش المجفف. أما المجموعات الأخرى الأقل رسمية فتضمنت نبات السرخس الخشن والكرمة ونبات «قنبيط بروكسل». وعن هذا، قالت داولنغ التي تولت مهام عملها الجديد في أكتوبر (تشرين الأول): «تتمثل وظيفتي في خلق بصمة جديدة بمجال الأسلوب الجمالي. وفي بعض الأحيان بدلا من الزهور، نستخدم خضراوات كمحور رئيسي يدور حوله التصميم».

إلا أن بعض الأقاويل تشير إلى أنه على الصعيد اليومي، يفضل الرئيس أوباما مجموعة بسيطة منسقة من الأزهار داخل المكتب البيضاوي، علاوة على إناء به تفاح أحمر. الملاحظ أن الأزهار النابضة بالحياة تشكل خلفية جميع المناسبات التي يشهدها البيت الأبيض. وعبر رسالة بعثت بها عبر البريد الإلكتروني، قالت ميشيل أوباما: «الترتيبات النباتية التي تبتكرها لورا ومعاونوها تضفي تجربة محببة إلى النفس أتمنى أن يعيشها زائرو البيت الأبيض سواء كانوا رؤساء دول أو أسرا تتجول في المكان للتنزه خلال العطلات»، مضيفة أن الأزهار المفضلة إليها شخصيا هي الورد الأحمر والأقحوان والفاوانيا.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»