لبنان: «كرنفال كروي متنقل» عند كل خسارة أو ربح

«طقوس لبنانية» تتراوح بين البكاء والرقص والدبكة مع نهاية كل مباراة

TT

لم يخطئ الرجل الأربعيني الذي كان يجلس في أحد مقاهي شارع الحمرا في بيروت حين شبه لبنان بـ«بلد الكرنفال»، منتقدا ما يحصل في الشوارع عند فوز أو خسارة أي منتخب في مباريات كرة القدم.

فالمشهد الذي عايشه هذا اللبناني خلال المباراة التي جمعت المنتخب البرازيلي والمنتخب الهولندي وما رآه بأم العين عندما أطلق حكم المباراة صافرة النهاية معلنا خروج البرازيل من كأس العالم لعام 2010، ليس إلا نموذجا لما يجري على «أرض المعركة الكروية» في لبنان بألوانها العالمية. أجواء لبنانية بامتياز لا تختلف عن أي احتفالات بأي حدث يجري في لبنان أو خارجه، تطبيقا للمثل اللبناني القائل «كل عرس له قرص». في الكرة كما في السياسة وعند صدور نتائج الامتحانات الرسمية أو نتائج الانتخابات النيابية أو إلقاء كلمة لمسؤول سياسي من هذا الفريق أو ذاك، من الأعلام المنتشرة في كل حي وعلى كل حائط وفي كل سيارة، إلى المفرقعات النارية، إضافة إلى إطلاق الرصاص وتجول اللبنانيين في السيارات بين الشوارع والأحياء مطلقين العنان للأبواق ومحدثين زحمة سير خانقة، كلها طقوس ترتبط بالمناسبات اللبنانية التي لا بد أن تطبق وإلا خرجت عن خانة الاحتفالات. لكن، إضافة إلى هذه «الطقوس»، ابتكر الشباب اللبناني «طقسا استفزازيا» جديدا كان كفيلا بأن يسبب خلافا بين مناصري الفريق الإيطالي ومناصري الفرق الأخرى، وذلك بعدما عمد مشجعو البرازيل والألمان إلى إقامة احتفال تأبيني ومجلس عزاء للفريق الإيطالي، وأحضروا صندوقا خشبيا ولفوه بالعلم الإيطالي وجالوا به في منطقة زقاق البلاط في بيروت.

وبما أن توقيت المباريات في هذه المرحلة يصادف فترة بعد الظهر، أي قبل انتهاء دوام العمل في لبنان، وجد بعض المديرين المتحمسين لكرة القدم أنفسهم مضطرين للسماح للموظفين بالخروج باكرا كي يتسنى لهم متابعة المباراة لا سيما إذا كان فريق الذي يشجعه المدير مشاركا في المباراة.

مع العلم بأن ولاء اللبنانيين لهذا الفريق أو ذاك ليس ولاء عابرا، إذ إنه عند سؤال أحدهم عن سبب هذا التأييد سيكون جوابه مثلا نحن «البرازيليين» أو نحن «الألمان».. وهذا ما يقوله علي الذي كان يحمل العلم الألماني ويرقص محتفلا بخسارة المنتخب البرازيلي «نحن الألمان نعترف باحتمال الربح أو الخسارة، لكن أنانية البرازيليين تجعلهم متأكدين من الفوز الدائم، لذا نأمل أن تجعلهم نتيجة اليوم يتنازلون عن كبريائهم قليلا».

أما عند سؤال سامي مثلا عن سبب عدم تشجيعه لفريق الجزائر، العربي الوحيد المشارك في المونديال، فإن الإجابة تأتي على الشكل التالي «الحماسة تفقد عندها قيمتها، الفريق الجزائري ليس مكتوبا له الوصول إلى النهائيات، وبالتالي علينا أن نقف بجانب القوي حتى نضمن وصول فريقنا على الأقل إلى مرحلة ربع أو نصف النهائي».

وللمقاهي والمطاعم في لبنان حصة الأسد مما يدور في «الأجواء الكروية»، وهذا ما تعكسه التحضيرات التي تجرى في هذه الأماكن التي جهزت العدة كاملة قبل شهر من بدء المونديال الذي أدى إلى تراجع في نسبة حجوزات حفلات الفنانين وحتى المهرجانات، وها هي اليوم منهمكة بتجهيز متطلبات المباريات النهائية وما يرافقها من زيادة في عدد الزبائن، بعدما صار لزاما على المشجعين حجز الطاولات قبل أيام من المباريات وإلا لن يكون بإمكانهم متابعتها في أجواء حماسية بل و«كيدية استفزازية» تصل إلى حد «الشماتة».

يقول وسام زعبلاوي، صاحب مقهى «دردشات» في بيروت «الأجواء تزيد حماسة يوما بعد يوم، وبات من الصعب حضور المباراة في المقهى من دون حجز مسبق. ورغم أن المقهى لا يتسع لأكثر من 220 شخصا فقد اجتمع عندنا في المباراة التي جمعت البرازيل وهولندا نحو 300 شخص، الأمر الذي جعل بعضهم لا يمانع في الجلوس على الأرض.

لكن بعض الأشخاص سبق لهم أن حجزوا طاولات ثابتة طوال أيام المونديال». ويرجع وسام هذه المبالغة في الاحتفالات اللبنانية إلى ميل اللبناني إلى الفرح الذي يجعله يعطي قيمة لأي شيء مهما كانت أهميته.

ويضيف «عند كل انتهاء مباراة يطلق مشجعو الفريق الرابح العنان للرقص والغناء والدبكة، وتزيد الأجواء حماسة إذا كان الخاسر من المنتخبات القوية كالبرازيل وألمانيا أو الأرجنتين وإيطاليا».

أمام هذا الواقع ومع بدء العد العكسي لانتهاء مونديال الـ2010 تشتد حماسة اللبنانيين على اختلاف «انتماءاتهم الكروية»، وما كانت خسارة الفريق البرازيلي وما أحدثته من خيبة أمل مدوية لـ«البرازيليين» في لبنان إلا نموذجا لما ستكون عليه الأجواء يوما بعد يوم لا سيما أن «الإيطاليين» و«البرازيليين» في لبنان تحملوا استفزازات كثيرة من خصومهم «الألمان» و«الأرجنتينيين» وغيرهم عندما لحقتهم الخسارة، وبالتالي فإنهم يتوعدون لرد «الصاع صاعين» في انتظار ما ستكون عليه نتائج الأيام المقبلة للقيام بالواجب على أكمل وجه.

وعن هذه الأجواء يقول شادي، المواطن اللبناني الذي يعيش في ألمانيا وأتى إلى لبنان لقضاء عطلة الصيف «ما يحصل في لبنان لا يحصل في أي مدينة ألمانية عند فوز المنتخب الألماني أو خسارته». مع العلم بأن الحداد على المنتخب البرازيلي كان ربما أشد وقعا في نفوس المشجعين في لبنان من أبناء «ساوباولو» نفسها، وكانت نتيجته تعطل شبكة الاتصالات لنحو نصف ساعة بعد انتهاء المباراة وحصول أزمة سير خانقة لمدة ساعتين تقريبا إثر نزول الخصوم إلى الشوارع بسياراتهم وإعلامهم للاحتفال بسقوط المنتخب البرازيلي.