ساركوزي يراهن على الشمس والبحر لينسى الفرنسيون الفضائح

بينها قصص وزير المالية السابق ومليارات ثرية فرنسا الأولى

TT

بدأت نهاية هذا الأسبوع، هجرة الفرنسيين بمئات الآلاف باتجاه الشواطئ المتوسطية والأطلسية والمنتجعات الجبلية أو نحو الخارج تاركين وراءهم قيظ المدن وهموم الحياة اليومية المؤجلة لبداية سبتمبر (أيلول) القادم ومتناسين السياسة وجدالاتها والفضائح وأبطالها.

ومع بدء الرحيل، انتعشت آمال أهل الحكم في فرنسا في أن ينسى المواطنون مسلسل الصيف المفضل وبطله وزير العمل والشؤون الاجتماعية أريك وورث، وزوجته فلورانس، وليليان بتنكور، ثرية فرنسا الأولى (15 مليار يورو و87 عاما)، وصديقها مصور الطبقة المخملية، فرنسوا ماري بانيه (63 عاما)، الذي منحته نحو مليار يورو وهي قيمة لوحات لكبار الرسامين وعقود تأمين على الحياة ويخت وسيارات.

وأصل الحكاية الدعوى التي أقامتها ابنة بتنكور الوحيدة فرنسواز بتنكور مايرز على بانيه بتهمة الاستفادة من «ضعف» والدتها والتحايل عليها واختلاس أموالها. وبعد جلسة واحدة، قررت المحكمة تأجيل جلساتها لاستكمال التحقيق، وخصوصا بشأن شريط سجل عليه أحد خادميها سرا في قصرها القائم في ضاحية نويي الغنية القائمة غرب باريس، وهي مدينة الرئيس ساركوزي، بعض اتصالاتها الهاتفية لفترة تمتد لعام كامل وأهمها مع بانيه نفسه ومع مدير أعمالها.

ويتبين من الشريط أن بتنكور تملك حسابات سرية في سويسرا (نحو 80 مليون يورو) وجزيرة واقعة في مجموعة جزر السيشيل، وكل ذلك بعيدا عن أعين مصلحة الضرائب. وظهر بعدها أن زوجة وزير العمل الحالي ووزير المالية السابق فلورانس (طوال ثلاث سنوات) موظفة في شركة مالية عملها الوحيد هو إدارة ثروة بتنكور. ويبلغ مرتب فلورانس السنوي 185 ألف يورو، أي أنه يزيد على مرتب زوجها الوزير.

وبان وجه الفضيحة الأول لدى الناس عندما وجدوا أنه في الوقت الذي كان يرفع فيه الوزير وورث لواء محاربة التهرب من الضرائب شعارا لعمله على رأس وزارته، فإن زوجته كانت تعمل على «تهريب» ثروة ليليان بتنكور. وسارع محيط الوزير إلى نفي أن يكون عمل فلورانس في إدارة استثماراتها الخارجية، خصوصا السويسرية. لكن لسوء الحظ، قامت صحيفة «لوتون» في جنيف بإجراء تحقيق معمق تبين معه أن فلورانس كانت تقيم في جنيف بصفة دائمة. وتساءلت الصحافة الفرنسية: «هل من المعقول أن لا يكون الوزير وورث على اطلاع بما تقوم به زوجته؟»، وبالطبع كان جوابها إيجابيا ولذا فإنها رأت أن ثمة «تضارب مصالح» بين عمل الوزير المفترض به تطبيق القوانين وتحصيل حقوق الدولة وملاحقة المتهربين من دفع الضرائب وعمل زوجته التي تعمل تحديدا على تهريب أموال ليليان بتنكور ومساعدة ثرية فرنسا الأولى على تفادي دفع الضرائب.

كان خط دفاع وورث الأول يقوم على ادعاء الجهل. لكن تبين لاحقا أن مدعى عام منطقة نانتير، فيليب كوروا، وجه لوزارة المالية كتابا بداية العام الماضي يعبر فيه عن ظنونه بوجود عمليات تهريب أموال تخص بتنكور الأم. وبدلا من أن يأمر الوزير بإجراء تحقيق، وفق ما يجري عادة، فإن الملف نام في الأدراج. وكشفت الصحافة أن الوزير وورث تناول العشاء على انفراد مع ثرية فرنسا ووريثة شركة «لوريال» المعروفة للصناعات التجميلية، كما أنه قلد مدير أعمال السيدة المذكورة وسام جوقة الشرف. وللمناسبة، فإن الأخير هو الرئيس المباشر المسؤول عن زوجته في الشركة المالية. وأخيرا، كشف أن مصلحة الضرائب أعادت للسيدة بتنكور مبلغ 30 مليون يورو، قيمة الضرائب المستعادة بموجب قانون يمنع أكثر من 50 في المائة من الأرباح من أثرياء فرنسا، وهو القانون الذي أقرته حكومة الرئيس ساركوزي الأولى بحجة أن ذلك سيدفع الأثرياء إلى عدم إخراج أموالهم من فرنسا، بل الاستثمار فيها بدل الهروب إلى الفراديس الضرائبية مثل ليشنشتاين أو سويسرا أو لوكسمبورغ أو جزر البهاماس والكايمان.

بطبيعة الحال، تحولت فضيحة ضرائبية إلى أزمة سياسية تعصف بحكومة فرنسوا فيون وبرئاسة الجمهورية، إلى درجة أن ساركوزي نفسه تدخل أكثر من مرة ليدافع عن وورث وليؤكد أنه باق في منصبه ولن يستقيل أو يقال. ويعد وورث شخصية مركزية في الوقت الحاضر إذ إنه بصفته وزير العمل، فإنه المسؤول المباشر عن خطة إصلاح النظام التقاعدي في فرنسا التي تعول عليها الرئاسة باعتبارها أحد وعوده الانتخابية. ولذا فإن ساركوزي بحاجة ماسة إلى بقائه إلى جانبه.

ولم يكف التفاف الرئاسة والحكومة واليمين بشكل عام لـ«حماية» وورث الذي يشغل في الوقت عينه منصب أمين عام مالية حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية اليميني الحاكم. كما أنه رئيس «ناد» للأثرياء وهم من الممولين التقليديين لليمين. ولذا يتساءل اليسار عن هذا الخلط في الأمور إذ إن وورث، خلال توليه المالية، كان عليه أن «يراعي خاطر الأثرياء» ويكسب ودهم ليمولوا حزبه، وفي الوقت عينه يتعين عليه أن يكون متشددا معهم لتطبيق القوانين وتحصيل حقوق الدولة.

والواضح أن ساركوزي لم يكن بحاجة لهذه الفضيحة الإضافية بعد شلال من الفضائح التي طالت عددا من وزرائه في الأشهر والأسابيع الأخيرة. ولم تكف تعبئة وزرائه ومساعديه للرد على اليسار واتهامه باستغلال هذه الفضائح لمنع إصلاح نظام التقاعد. لذا سرب مؤخرا نبأ يفيد أن الرئيس سيعمد إلى تعديل وزاري في الخريف القادم أي بعد أن يكون مشروع إصلاح النظام التقاعدي قد تم وتمت المصادقة على ميزانية العام القادم، وخصوصا بعد أن يكون قد استنفد طاقات الحكومة القائمة ما سيتيح له أن يشكل حكومة جديدة بطاقات جديدة للعام الأخير من عهده الحالي. وسيترأس ساركوزي في 2011 مجموعة الـ8 للدول الأكثر تصنيعا ومجموعة العشرين، وهو يعول على ذلك للعودة بقوة إلى المسرح الدولي وما لذلك من انعكاسات على شعبيته التي لامست مؤخرا الحضيض وعينه على ربيع عام 2012، أي استحقاق الانتخابات الرئاسية الجديدة التي سيكون بطبيعة الحال مرشحا لها. وبانتظار ذلك، يعول ساركوزي على الصيف وشمسه وبحره لينسى الفرنسيون، ولو مؤقتا، السياسة وفضائحها والوزير وورث وزوجته والسيدة بتنكور وملياراتها وابنتها وصديقها.