لعبة الدامة في قطر.. لها جمعية وتتواصل حول العالم عبر الإنترنت

أعضاؤها منشغلون بمحاولة تنظيم أول بطولة للعبة الشعبية

لقطة لمقر الجمعية القطرية للدامة («الشرق الأوسط»)
TT

على مدى نحو نصف قرن من الزمان كان محمد سعد السليطي يحلم أن يجمع شتات عشاق واحدة من الألعاب الشعبية في قطر في مكان واحد، وبنهاية العام الماضي ساهم في تأسيس الجمعية القطرية للدامة، كأول جمعية خليجية تعنى بهذه اللعبة الشعبية.

يرأس السليطي هذه الجمعية، وتضم في عضويتها عددا من الرجال الذين يتجمعون كل مساء لممارسة لعبة الدامة، وحتى الآن لا تضم الجمعية نساء، على الرغم من أن هذه اللعبة شهدت في الماضي رواجا أقل في صفوف النساء سواء في الخليج أو حول العالم.

السليطي، الذي يبلغ نحو خمسين عاما من عمره، يقول لـ«الشرق الأوسط» إنه تعلم هذه اللعبة الشعبية من والده. فقديما حيث انعدمت وسائل الترفيه كان اليافعون يجدون ضالتهم في الألعاب الشعبية سواء الحركية منها أو الذهنية، ومع تطور الزمان اندثر الكثير من هذه الألعاب، حتى وجدت من يعيد إنتاجها والحفاظ عليها كقيمة تراثية.

وفي مبنى تراثي مبني من الطين والحجر، ومكون من دورين، يضم مجلسا بقاعات متعددة مزينة بنقوش ولوحات من التراث المحلي القطري، في حين برزت أعمدة خشبية تكسو سقف المبنى، يجلس مجموعة من الرجال تتراوح أعمارهم بين الثلاثين والأربعين، على مقاعد خشبية، أو يستندون على أرائك على الأرض، وبعضهم يتحلق حول طاولة الدامة. وفي زاوية من المكان تم تعليق لوحة تحمل قصاصات لمقالات وتحقيقات صحافية تناولت لعبة الدامة، أو جمعية الدامة في قطر.

ويشير السليطي باهتمام إلى هذه اللوحة، مستعرضا صورا لزوار بارزين لمقر الجمعية، وتبدو صورة لأحد الرؤساء الأفارقة وهو يلعب الدامة في مقر الجمعية.

وبمساعدة المكتب الهندسي الخاص بالديوان الأميري، سعى محمد سعد السليطي إلى إحياء تقاليد هذه اللعبة التراثية، وإقامة مقر دائم لها، فكان لها موقع في واحد من أبرز محاضن التراث القطري، وهو سوق «واقف»، هناك وقبل شهور قليلة «افتتح مقرها في 18 ديسمبر «كانون الأول» 2009) وجرى تخصيص مقر يحمل اسم الجمعية القطرية للدامة، التي تحولت إلى نادٍ اجتماعي يجمع لاعبي الدامة، والكيرم، ويوفر لهم مكانا يتجمعون فيه، ويتواصلون من خلاله.

والداما هي لعبة ذهنية وعقلية تشبه إلى حد كبير لعبة الشطرنج، يجري اللعب فيها على قطعة قماش أو خشب مقسمة إلى 64 مربعا أو خانة، تلعب من قبل لاعبين اثنين، ويتقاسم اللاعبان 32 حجرا هي عدد أحجار اللعبة التي تنقسم إلى لونين، توزع على 16 خانة أو «دار»، بينما تبقى الخانات المتبقية للعب.

ويطلق على الحجر الذي يتمكن لاعبه من الوصول به إلى مرمى الخصم اسم الملك، ومن غنائم «الملك» أن يأكل في كل الاتجاهات، على عكس الحجر العادي الذي لا يستطيع أن يأكل إلا باتجاه واحد.

ويعتقد أن اللعبة جاءت للخليج مع الأتراك العثمانيين، وإن كان بعض الدارسين يرجع أصلها إلى الفراعنة المصريين، ومنهم انتقلت عبر البحارة إلى الهند وتركيا، ومن ثم وصلت إلى الخليج إما عبر الأتراك، وإما عبر البحارة في تجارتهم مع الهند.

تقنية لعب الدامة تسمح للاعبين أن يستميتوا بـ«أكل» أحجار بعضهم، ويكون الأكل بالقفز الأفقي في اتجاه الخصم، وليس باتجاه مائل كما في بعض الألعاب الأخرى.

وفي الجمعية القطرية للدامة يجري استيراد أحجار اللعبة من الهند، وتسمى هذه الأحجار هناك «أحطبة»، أما الطاولات فيتم تصنيعها محليا ثم تكسى بالرقعة وهي قماش مصنوع من الكتان.

يقول السليطي لـ«الشرق الأوسط»: «بالنسبة لأعضاء الجمعية، المكان ليس فقط لممارسة اللعب وتقضية الوقت، ولكنه مكان يعززون فيه قيم التواصل والصداقة بين الأفراد المنتسبين».

وخلال زيارة «الشرق الأوسط» لمقرّ الجمعية، برفقة محمد السالم مدير عام سوق «واقف»، كان الأعضاء منشغلين بوضع تصوراتهم لتنظيم أول بطولة للاعبي الدامة في قطر. من المتوقع أن تكون في شهر رمضان المقبل.

يقول السليطي: «بدأنا بأعداد قليلة، اليوم هناك أكثر من 35 عضوا في هذا النادي، ونحن نتلقى طلبات من وقت إلى آخر. وأعضاء الجمعية ينتمون إلى مناطق متعددة، بينها الوكرة والخور، بالإضافة إلى الدوحة العاصمة».

تتكون جمعية الدامة القطرية من رئيس لهذه الجمعية، ونائب الرئيس، وأمين السر، ورئيس العلاقات العامة، ومدير الشؤون المالية. وهي تحرص على التواصل مع الجهات الإعلامية بهدف التعريف بهذه اللعبة وأهميتها التراثية، وكذلك التواصل مع لاعبين من دول أخرى.

لا يكتفي أعضاء الجمعية بزملائهم في قطر، يقول السليطي: «لدينا تواصل عبر شبكة الإنترنت مع لاعبي الدامة في تركيا، ومصر، ولبنان، والكويت، والبحرين، وعبر موقع على شبكة الإنترنت نجري مباريات بين فرق من جمعيتنا وبين لاعبين آخرين في تلك البلدان».

يضيف رئيس الجمعية: «يقوم أعضاء جمعيتنا بتدريب الشباب الجدد العاشقين لهذه اللعبة الشعبية، كما نقوم بتوفير أدوات اللعبة للأعضاء الجدد».

ويقول السليطي إن الشباب الجدد الذين لم يألفوا هذه الأنواع من اللعب باتوا اليوم بحاجة للتعرف على شيء من تراثهم المحلي، على الرغم من سطوة التقنيات المعاصرة التي تستأثر على اهتمامهم. ويضيف: «لا شيء يعادل الاهتمام بالتراث».