فورلان يحمل على عاتقه تعويض غياب سواريز.. وفان بيرسي يتطلع لاكتشاف نفسه

الأوروغواي تحررت من كابوس التصفيات.. والطواحين تغلبوا على مشكلات الماضي

TT

ما الذي تغير في منتخب الأوروغواي الذي تأهل بصعوبة بالغة بعد دور فاصل أمام كوستاريكا ليصبح الفريق الذي يخوض اليوم أمام هولندا مباراة العبور إلى نهائي مونديال جنوب أفريقيا؟ لاعبوه يتفقون على أمر واحد: في جنوب أفريقيا شعروا بأنهم قد تحرروا من الضغط واستمتعوا إلى أقصى درجة بالمحفل الكروي الكبير.

ويشير قائد الفريق دييغو لوغانو: «أزلنا الضغط من فوق كاهلنا، الآن وصل الحفل إلى ذروته، لم نعد نتحمل المسؤولية نفسها والالتزام نفسه الذي يشعر به كل مواطن في البلاد من أجل التأهل إلى كأس العالم». وقال: «في الحقيقة إننا اللاعبون أنفسهم، بالعقلية نفسها والتعطش نفسه من أجل تحقيق المجد والاحترام للقميص نفسه، فقط أصبحنا الآن في أكبر احتفالية كروية وأي نتيجة تكتسب أبعادا أكبر، من جانب آخر نعرف جميعا أن تصفيات أميركا الجنوبية صعبة للغاية».

وأضاف مدافع فناربغشة التركي: «الحلم الآن يكبر بمرور الوقت، حقيقة الفريق أيضا تنمو كلما تقدمنا في البطولة».

ويشهد المهاجم إدينسون كافاني بأن المونديال ترك أثرا جيدا على فريق المدير الفني أوسكار واشنطن تاباريز.

وقال: «في التصفيات كان توتر التأهل يؤثر علينا. الآن على العكس نعرف أننا في احتفال ونحاول الاستمتاع به، مع التمتع بالمسؤولية التي يقتضيها الأمر».

وقال لاعب باليرمو الإيطالي عن تأهل فريقه «في الوقت الضائع» على حساب كوستاريكا بعد أن كان قد اقترب من الخروج من التصفيات: «كان هناك قلق كبير، لحظات صعبة للغاية. قد يكون تخلصنا من الضغوط بطريقة ما أمرا صحيحا، إنها مجموعة قوية من اللاعبين مضت إلى الأمام. بعد الهزيمة أمام بيرو لم يكن من أحد يراهن علينا». وزمنيا، كان منتخب أوروغواي هو آخر المتأهلين إلى جنوب أفريقيا. كما أشار لاعب الوسط دييغو بيريز إلى الصعوبة التي تمثلها تصفيات أميركا الجنوبية.

وقال: «كان تأهلا شاقا، لعبنا 20 مباراة، أكثر من أي فريق آخر، ذلك جعلنا أقوى. كمجموعة كان ذلك مفيدا من أجل المضي إلى الأمام عند ارتكاب الأخطاء، كما علمنا كيف يمكن استيعابها. هذا المنتخب تغير في كأس العالم».

ويؤكد كافاني أن ما لم يتغير كان التواضع والشعور بالفخر من أجل الوصول بعيدا: «لكن الأدرينالين الذي يبثه المونديال لا مثيل له، هناك لاعبون كثيرون لا يحظون بهذه الفرصة، أما نحن فهنا وعلينا استغلال ذلك».

ومشوار البطولة بالنسبة لأوروغواي، متصدرة المجموعة الأولى التي لم تخسر أي مباراة لتتأهل للمرة الأولى منذ 40 عاما إلى الدور قبل النهائي للمونديال، يؤكد أن لاعبي الفريق عرفوا كيف يستغلون الفرصة.

لكن الوصول إلى هذه المرحلة يحتاج إلى تحد من نوع خاص لذا سيكون على مهاجم أتلتيكو مدريد الإسباني دييغو فورلان عبء تحمل مسؤولية خط هجوم منتخب بلاده الأوروغواي أمام «طواحين» المنتخب الهولندي في غياب شريكه مهاجم اياكس أمستردام الهولندي لويس سواريز الموقوف لطرده في الدور ربع النهائي أمام غانا يوم الجمعة الماضي.

وشكل فورلان وسواريز ثنائيا ضاربا في النسخة الحالية حيث سجل كل منهما 3 أهداف كانت حاسمة للتأهل إلى الدور نصف النهائي للعرس العالمي للمرة الأولى منذ عام 1970.

وقال الفرنسي لويس فرنانديز نجم منتخب بلاده السابق ومدرب إسرائيل الذي مني فريقه بخسارة مذلة أمام الأوروغواي 1 - 4 في 26 مايو (أيار) الماضي في آخر مباراة إعدادية للأخير للمونديال: «الخطر في هذا المنتخب يأتي من هذين المهاجمين (فورلان وسواريز)».

وكان فرنانديز محقا لأن هذا الثنائي ضرب بقوة في جنوب أفريقيا وسجل كل منهما ثنائية: فورلان في مرمى جنوب أفريقيا (3 - صفر) في الدور الأول، وسواريز في مرمى كوريا الجنوبية (2 - 1) في الدور ثمن النهائي. أما الهدف الثالث لسواريز كان في مرمى المكسيك (1 - صفر) في الجولة الثالثة الأخيرة من الدور الأول، والهدف الثالث لفورلان كان غاليا عندما أدرك التعادل في مرمى غانا في ثمن النهائي من ركلة حرة مباشرة.

في ذلك اليوم، رفع فورلان (31 عاما) رصيده إلى هدفه الدولي الـ27 في 67 مباراة دولية، مؤكدا تألقه منذ مطلع عام 2010 مع فريقه الإسباني الذي سجل له 4 أهداف في الدور نصف النهائي والمباراة النهائية لمسابقة «يوروبا ليغ».

وبدا الانسجام كبيرا بين فورلان وسواريز في العرس العالمي، بيد أن المهاجم الأشقر سيفتقد نجم اياكس أمام هولندا وسيكون مطالبا بإخراج كل ما في جعبته لتعويض هذا الغياب وقيادة الأوروغواي إلى المباراة النهائية للمرة الأولى منذ عام 1950.

ويقول فورلان في هذا الصدد: «غياب سواريز ضربة موجعة بالنسبة إلينا، كل ما عسانا أن نقول لقد ضحى بنفسه في ربع النهائي من أجل أن نصل إلى هنا، يجب أن نرد له الدين ونبلغ المباراة النهائية حتى يكون حاضرا معنا».

ويعتبر فورلان رمزا في صفوف منتخب بلاده، فهو يجيد اللعب بالرأس والقدمين على حد سواء. فورلان هو المخضرم الوحيد إلى جانب سيباستيان ابرو شارك مع منتخب بلاده سيليستي في نهائيات كأس العالم عام 2002، وكان مرة أخرى أفضل هداف في صفوف الأوروغواي في التصفيات بتسجيله 7 أهداف.

يأتي فورلان من عائلة كروية تدرك جيدا متطلبات اللعبة، فوالده بابلو فورلان لاعب دولي سابق خلال مونديالي 1966 و1974، وجده خوان كارلوس كوراسو كان مدرب منتخب الأوروغواي في كأس العالم 1962 في تشيلي ولعب قبلا في صفوف اندبندينتي الأرجنتيني. نشأ دييغو على لعب التنس في صغره، لكنه تحول إلى كرة القدم بعد تعرض شقيقته أليخاندرا إلى حادث سيارة حيث بقيت العناية الفائقة لمدة خمسة أشهر. تلقى فورلان دروسه الكروية الأولى في مدرسة نادي بينيارول العريق في العاصمة مونتيفيديو حيث ولد، لكن ما لبث أن بلغ السابعة عشرة من العمر حتى انتقل إلى نادي اندبندينتي الأرجنتيني حيث احترف جده سابقا. هناك صنع المهاجم الشاب اسمه حيث لعب بين عامي 1998 و2002، فلفت أنظار مدرب مانشستر يونايتد الإنجليزي السير أليكس فيرغسون الذي ضمه إلى صفوف الشياطين الحمر مقابل 6.9 مليون جنيه إسترليني في يناير (كانون الثاني) 2002.

لم يتمكن صاحب التسديدات القوية بالقدمين من فرض نفسه في ملعب أولد ترافورد خلال ثلاثة مواسم أمضاها مع مانشستر وأحرز خلالها لقب الدوري عام 2003 والكأس عام 2004، نظرا لظروف التأقلم الصعبة وضغوط الدوري الممتاز، علما بأنه سجل بعض الأهداف الحاسمة التي ساعدت فريقه، بينها هدف على الطائر في مرمى تشيلسي اللندني خلال 2003 وآخران في مرمى ليفربول على ملعب انفيلد (2 - 1).

وعلى الرغم من الخروج من الباب الخلفي لبطل إنجلترا فإن فيرغسون يقدر فورلان ويقول عنه: «دييغو كان بطلا لأنه لا يستسلم بنظر الجمهور الذي لن ينساه أبدا»، علما بأنه سجل 17 هدفا لمانشستر في 95 مباراة خاضها معه.

تبدل حظ فورلان لدى توقيعه مع فياريال الإسباني في أغسطس (آب) 2004 وهو الشهر ذاته الذي استقدم فيه فيرغسون المهاجم واين روني، فعاد إلى إيقاع تسجيله ليحصد لقب هداف الدوري الإسباني موسم 2004 - 2005 برصيد 25 هدفا، ويساهم في تأهل فريقه إلى مسابقة دوري أبطال أوروبا لأول مرة في تاريخه.

ثلاثة مواسم أمضاها فورلان مع فريق «الغواصة الصفراء» كانت كافية للانضمام إلى العاصمة قطب مدريد الثاني عام 2007 من بوابة فريقها أتلتيكو، ليتربع مجددا على عرش التهديف ويحرز لقب الهداف مرة ثانية برصيد 32 هدفا في 33 مباراة خلال موسم 2008 - 2009، وينال جائزة الحذاء الذهبي لأفضل هداف في القارة العجوز بعد أن أحرزها مناصفة مع الفرنسي تييري هنري موسم 2005، وقاده إلى لقب مسابقة «يوروبا ليغ» هذا الموسم بتسجيله ثنائية في مرمى فولهام الإنجليزي 2 - 1 بعد وقت إضافي.

يمتاز فورلان بتسديداته القاتلة بالقدمين وبرأسياته المتفجرة، لكنه أقل فعالية خارج منطقة الجزاء، إلا أن ذلك لم يمنعه من تسجيل 7 أهداف لبلاده خلال تصفيات مونديال 2010. شارك فورلان مع الأوروغواي في كأس العالم 2002 وسجل هدفا بكرة على الطائر في مباراة السنغال (3 - 3)، كما سجل في مرمى البرازيل في نصف نهائي كوبا أميركا 2007 قبل أن يهدر ركلة ترجيحية حاسمة وضعت بلاده خارج المسابقة.

في المقابل سيكون مهاجم أرسنال الإنجليزي روبن فان بيرسي أمام فرصة الخروج من ظل زميليه في المنتخب الهولندي ويسلي شنايدر واريين روبن عندما يتواجه مع فورلان ولاعبي منتخب الأوروغواي اليوم.

لم يقدم فان بيرسي حتى الآن شيئا يذكر بعد خمس مباريات في النهائيات خلافا لشنايدر وروبن، لأن الأول نجح في تسجيل 4 أهداف حتى الآن بينها الثنائية الغالية أمام المنتخب البرازيلي (2 - 1) في ربع النهائي، في حين نجح الثاني في تحقيق عودة موفقة إلى التشكيلة الأساسية بعد تعافيه من الإصابة بتسجيله الهدف الأول أمام سلوفاكيا (2 - 1) في الدور الثاني، قبل أن يضيف شنايدر الثاني ليضعا بلدهما في ربع النهائي للمرة الأولى منذ مونديال 1998، حين حلت رابعة، والخامسة في تاريخها.

وفشل فان بيرسي في إظهار مستواه الحقيقي في جميع المباريات التي خاضها حتى الآن وهو متأثر بشكل كبير بالموسم «الأسود» الذي أمضاه في الدوري الإنجليزي الممتاز حيث تعرض لإصابة في كاحله أبعدته عن الملاعب من نوفمبر (تشرين الثاني) إلى أبريل (نيسان) الماضيين.

ويسعى مهاجم أرسنال الذي سجل هدفا في مرمى الكاميرون (2 - 1) خلال الجولة الأخيرة من الدور الأول عندما كان منتخبه قد ضمن تأهله في الجولة السابقة، لتعويض ما فاته ويملك هذا اللاعب الذي قارنه مدربه الفرنسي في النادي اللندني ارسين فينغر بالأرجنتيني ليونيل ميسي والبرتغالي كريستيانو رونالدو، فرصة أن يلعب دور «البطل» في المباراة المرتقبة وقيادة منتخب بلاده إلى النهائي للمرة الأولى منذ 1978 والثالثة في تاريخه بعدما خسر أيضا نهائي 1974.

قد تكون مسألة اللياقة البدنية والغياب عن المنافسات عاملين أساسيين في المستوى «العادي» الذي قدمه فان بيرسي حتى الآن وسببا في الإحباط الذي يعاني منه والذي تجلى بشكل واضح في مباراة سلوفاكيا عندما بدا مهاجم أرسنال مستاء من قرار مدربه بيرت فان مارفيك باستبداله في الدقيقة 80 من المباراة.

وقال فان بيرسي: «نعم كنت مستاء لخروجي، لأنني في هذه الدقائق الأخيرة من المباراة بدأت أحصل على مساحات أكثر فأكثر، وكنت أرغب حقا في استغلالها»، مضيفا: «كنت آمل حقا في الفوز بنتيجة كبيرة».

وأكد فان مارفيك أنه لا وجود لمشكلة مع فان بيرسي، وقال: «كان يريد روبن إنهاء المباراة، كان مستاء وهذا أمر طبيعي. ليس هناك أي مشكلة».

وتابع مارفيك الذي توجه إليه فان بيرسي بنظرة غاضبة قبل أن يتبادلا الحديث في دكة البدلاء: «في هذه اللحظة من المباراة، كنت بحاجة إلى لاعبين حيويين لمواصلة الضغط على السلوفاكيين»، مشيرا إلى أن تبديل فان بيرسي بكلاس يان هونتيلار لم يكن بسبب فشله في هز الشباك. وقال: «كان فان بيرسي وراء الهدف الأول الذي سجله روبن، ولكن لا أحد يتحدث عن ذلك». لكن المسألة تصاعدت لاحقا عندما كشفت وسائل الإعلام الهولندية ما قاله فان بيرسي لمدربه لحظة استبداله إذ تساءل غاضبا: «لماذا تخرجني أنا؟ لما لا يكون شنايدر؟». وهب فان مارفييك للدفاع عن فان بيرسي وقال بأن الأخير بحاجة إلى المزيد من الوقت من أجل استعادة مستواه السابق، مضيفا: «روبن كان مصابا لفترة طويلة خلال الموسم المنصرم وعليه أن يلعب من أجل إعادة اكتشاف مستواه السابق»، معتبرا أن ما قاله فان بيرسي جاء في لحظة غضب لأن الأخير يريد أن يلعب ويخدم منتخب بلاده، فيما قلل شنايدر من أهمية ما حصل.

لكن هذه ليست المرة الأولى التي يتسبب فيها فان بيرسي في توتر أجواء المنتخب لأن الأمور لم تكن على ما يرام في المعسكر البرتقالي خلال كأس أوروبا 2008 أيضا حيث دخل في جدال مع شنايدر بالذات حول من سينفذ الركلات الحرة التي سيحصل عليها المنتخب، ثم طالت تصريحاته زميله الآخر ديرك كاوت قبيل انطلاق النهائيات الحالية عندما قال بأن التشكيلة الهجومية المثالية للمنتخب هي بوجود الأربعة «الكبار» رافائيل فان در فارت وشنايدر وروبن وفان بيرسي.

لكن لكي يكون لاعب أرسنال بين الأربعة الكبار عليه أن يستغل الفرصة المتاحة أمامه في نصف النهائي من أجل أن يؤكد أحقيته في أن يكون أساسيا وأن يخرج من ظل شنايدر وروبن عبر المساهمة الفعلية في قيادة منتخب بلاده إلى لقبها العالمي الأول الذي سيكون اللقب الأغلى والأثمن في خزانة هذا اللاعب الذي لا يزال يبحث عن طريق نحو المجد.

فالسيرة الذاتية للاعب فيينورد روتردام السابق ليست قريبة ولا حتى من بعيد من سيرة شنايدر أو روبن، إذ إنه ومنذ فوزه مع فيينورد بلقب كأس الاتحاد الأوروبي عام 2002، لا يتضمن سجله سوى لقب كأس إنجلترا مع أرسنال عام 2005، وهو يلهث وراء الألقاب التي تتناسب مع سمعته وموهبته الكبيرة.

لعب فان بيرسي في صفوف منتخبي تحت 19 سنة وتحت 21 سنة، واختير أفضل لاعب واعد في موسم 2001 - 2002 على الرغم من عدم تسجيله أي هدف في الدوري الهولندي، ثم نجح في تسجيل 14 هدفا في الموسمين التاليين، لكنه كان على خلاف مع مدربه حينها، فان مارفيك.

انضم فان بيرسي في صيف 2004 إلى فريق أرسنال بقيادة فينغر الذي كان واثقا من أنه حصل على خليفة الهولندي الشهير دينيس بيرغكامب.

وأوكلت إلى فان بيرسي مهام جديدة بعد رحيل الفرنسي تييري هنري إلى برشلونة الإسباني، لكنه لم يؤكد ثقة مدربه به إلا في موسم 2008 - 2009 بتسجيله 11 هدفا في الدوري المحلي و5 أهداف في دوري أبطال أوروبا.

لكن الإصابة التي أبعدته عن الملاعب لخمسة أشهر حرمته من مواصلة تألقه مع الفريق اللندني خلال الموسم المنصرم إلا أنه استعاد لياقته في الوقت المناسب ليوجد مع المنتخب في جنوب أفريقيا، بيد أنه لم يكن على الموعد حتى الآن، فهل يظهر موهبته الحقيقية في المرحلة الحاسمة والتاريخية لبلاده؟