طبقا لدراسة صادرة عن «اليونيسيف»، فإنه بين عامي 2000 و2008، جاءت أعمار 43 في المائة من العرائس في الزيجات الأفغانية دون الـ18. وعلى الرغم من أن الدستور الأفغاني يحظر زواج الفتيات أقل من 16 عاما، فإن العادات القبلية غالبا ما تقر زواج الفتاة بمجرد بلوغها، بل وأحيانا قبل ذلك.
وتسلط محنة الأطفال العرائس الأفغانيات الضوء على حقيقة مثيرة للقلق مفادها أن ما يعد في غالبية الدول جريمة جنائية يجري النظر إليه في الكثير من الأحيان في أفغانستان كعرف ثقافي تقف الحكومة أمامه غير قادرة على التصدي له بفاعلية.
كان لدى الفتاتين الأفغانيتين الكثير من الأسباب الوجيهة التي تدعوهما إلى الاعتقاد بأن القانون سيقف إلى صفهما عندما أوقف رجل شرطة في إحدى نقاط التفتيش الحافلة التي تقلهما. كانت الفتاتان، اللتان تبلغان من العمر 13 عاما و14 عاما، متنكرتين في زي صبيين وكانتا هاربتين منذ يومين على امتداد طرق طويلة وممرات جبلية فرارا من زواج غير قانوني بالإكراه برجلين يكبرانهما في العمر بفارق كبير. والآن، تمكنتا من الوصول إلى إقليم هرات الأقل تعصبا.
إلا أن ضابط الشرطة نجح في التعرف على هويتهما كفتاتين وتجاهل توسلاتهما وسارع بإعادتهما إلى قريتهما النائية في إقليم غور، حيث تعرضتا للجلد علانية وبقسوة بسبب جرأتهما على الفرار من زوجيهما. ولم يكن القائمون على تعذيب الفتاتين، الذين حرصوا على تصوير مشهد الجلد بكاميرات فيديو، من طالبان، وإنما من الملالي المحليين وأمير حرب سابق أصبح الآن من العناصر الموالية للحكومة ويبسط سطوته على الضاحية التي تقيم بها الفتاتان.
من جانبهما، لم تجفل أي من الفتاتين بسبب الجلد. وبعد انتهائه، سارتا مرفوعتي الرأس. وعمد متعاطفون معهما على تهريب شريطين مصورين لحادثة الجلد إلى «المفوضية الأفغانية المستقلة لحقوق الإنسان» التي نشرت المشاهد، في أعقاب إخفاقها في الضغط على الحكومة كي تتخذ إجراء حيال ما حدث.
وتعد حالتا خديجة رسول (13 عاما)، وباسغول ساخي (14 عاما)، من قرية غاردان إيتوب في منطقة دولينا من إقليم غور، لافتة للانتباه لإخفاق السلطات في اتخاذ أي إجراء لحماية الطفلتين، رغم توافر فرص أمامها للقيام بذلك.
تم إجبار الفتاتين على المشاركة فيما يطلق عليه زواج تبادلي، حيث زوجت كل منهما برجل يكبرها بكثير من أسرة أخرى. واشتكت خديجة وباسغول من تعرضهما للضرب على أيدي زوجيهما لدى مقاومتهما إتمام الزواج فعليا. بعد ذلك، ارتدت الفتاتان ملابس الصبية، وهربتا وتنقلتا بعيدا عن قريتهما حتى وصلتا إلى إقليم هرات الغربي، حيث تعرضت الحافلة التي تقلهما إلى التوقيف في نقطة تفتيش وألقي القبض عليهما.
رغم أن هرات تضم ملاجئ للنساء والفتيات من ضحايا العنف والهاربات من أسرهن، اتصلت الشرطة بدلا من ذلك بأحد أمراء الحرب السابقين، فاضل أحاد خان، الذي يصفه العاملون لدى مفوضية حقوق الإنسان بأنه قائد عسكري نصب من نفسه زعيما لإقليم غور ومسؤولا عن فرض الأخلاق به. وأودعت الشرطة الفتاتين تحت رعايته.
وبعد محاكمة زائفة من قبل خان وقيادات دينية محلية، طبقا لما ورد في تقرير المفوضية، عوقبت الفتاتان بأربعين جلدة لكل منهما. وتم تنفيذ الحكم في الـ12 من يناير (كانون الثاني).
وفي المقطع المصور، يظهر أحد رجال الدين وهو ينفذ العقاب باستخدام نطاق جلدي، بحضور خان. وعمد رجل الدين إلى ضرب الفتاتين بالتناوب على رجلي كل منهما بأقصى قوة ممكنة. وقد تم رفع الشادور عن جسميهما، بحيث لم يتبق سوى تنورة تحمي جسديهما من ضربات السوط.
أما جمهور المشاهدين فكان معظمه من رجال مسلحين يرتدون زيا موحدا متداخل الألوان، وحرص ثلاثة منهم على الأقل على تصوير الجلد علانية. ولم يكن هناك نساء بين الحضور.
وعمد رجل الدين الذي تولى تنفيذ الحكم إلى ضرب الفتاتين بشدة بالغة لدرجة أنه عند لحظة معينة بدا أن رسغه آلمه مما دفعه لتسليم السوط لآخر. أما الفتاتان، فبقيتا صامتتين، وبدت الدموع على وجه واحدة منهما عندما اقتربت منها الكاميرا لفترة وجيزة.
عند جلد الفتاة الثانية، حل رجل آخر محل رجل الدين، لكن بدت ضرباته أقل قوة. وسرعان ما استرد رجل الدين السوط من يده.
في الوقت ذاته، قام المشاهدون بعدّ الضربات بصوت مرتفع، لكنهم أخطأوا العد عدة مرات وبدأوا من جديد، أو ربما أنهم لا يستطيعون العد إلى أرقام مرتفعة. وعندما أقدم خان على إمامة الحشد في الصلاة بعد ذلك، قال له أحد الرجال: «أحسنت صنعا سيدي».
من جهته، قال محمد منير خاشي، محقق يعمل لدى مفوضية حقوق الإنسان: «لقد صدمت لدى مشاهدتي الشريط المصور. كنت أظن أنه في القرن الحادي والعشرين من المتعذر وقوع مثل هذه الحادثة الإجرامية في بلادنا. إنها أمر غير إنساني ومناف للإسلام وللقانون».
من جهتها، قالت فوزية كوفي، عضو البرلمان البارزة، إن القضية ربما تكون مثيرة للصدمة، لكنها ليست الوحيدة من نوعها. وأضافت: «أنا على ثقة من أن الحالات الأسوأ لم تنمُ إلى علمنا. إن الزواج المبكر والقسري أسوأ نمطين شائعين للسلوك العنيف ضد النساء والفتيات». من جهتها، نقلت مفوضية حقوق الإنسان الشرائط المصورة ونتائج تحقيقها إلى حاكم إقليم غور، سيد إقبال منيب، الذي شكل لجنة للتحقيق، لكنه لم يتخذ أي إجراء، مبررا ذلك بأن الإقليم يفتقر إلى الأمن بصورة بالغة على نحو لا يسمح بإرسال الشرطة هناك. وعليه، دعا ائتلاف من جمعيات مدنية داخل الإقليم إلى فصله من منصبه بسبب هذه القضية.
إضافة إلى ذلك، لم يرد وزير الداخلية الأفغاني على مطالب تقدمت بها إليه المفوضية لاتخاذ إجراء عملي تجاه القضية، طبقا لما أعلنته سيما سمر، رئيسة المفوضية، «ولم يستجب متحدث رسمي باسم الوزارة لطلبات تقدمنا بها إليه للتعليق». المعروف أن الزواج القسري للفتيات الأفغانيات لا يقتصر على المناطق الريفية النائية. وفي مدينة هرات، تتولى «اليونيسيف» تمويل ملاذ للنساء تديره منظمة أفغانية تدعى «منظمة صوت النساء»، ويوفر ملجأ لما يصل إلى 60 فتاة فررن من الزواج في سن الطفولة.
كما تتولى منظمة تطلق على نفسها «النساء من أجل النساء الأفغانيات» إدارة ملاذات في العاصمة كابل، وكذلك داخل إقليم كابيسا المجاور ومدينة مزار الشريف، وهي مناطق تعد ليبرالية نسبيا قياسا بالمعايير الأفغانية. وتضم هذه الملاذات 108 عرائس طفلة فررن من أسرهن منذ يناير فقط، طبقا لما ذكرته مانيزها نادري، المديرة التنفيذية للمنظمة.
ويعد الفقر الدافع وراء الكثير من حالات زواج الأطفال، إما لأن زوجا ثريا يدفع مهرا كبيرا، أو لرغبة أب الطفلة العروس التخلص من عبء الإنفاق على أحد أطفاله. وقالت نادري: «في معظم الوقت، يجري بيعهن. وفي معظم الحالات يكون الزوج أكبر سنا بكثير».
وقالت إنه من الممارسات الشائعة أيضا في أوساط ضباط الشرطة إعادة العرائس الأطفال الهاربات إلى أسرهن. واستطردت موضحة أن «معظم أفراد الشرطة لا يتفهمون أن القانون لا يجيز ذلك، أو ربما هم يعلمون ويعارضونه عن عمد».
في مكان سري في كابل يوجد أربعة عرائس أطفال هاربات من عائلاتهن داخل ملاذ تابع لمنظمة «النساء من أجل النساء الأفغانيات». وقد تعرض جميعهن للضرب، وغلب على معظمهن البكاء عندما شرعن في سرد تجاربهن.
بيعت ساخينا (15 عاما)، من باميان، لرجل عرض سداد ديون والدها وذلك عندما كانت في الـ12 أو الـ13 من عمرها. وكل هذا باسم الزواج. وعمدت أسرة زوجها إلى استغلالها كخادمة. وقالت: «كانوا يحاولون إيجاد أسباب لضربي. حماتي وشقيقة زوجي وزوجي كانوا جميعا يضربونني».
أما سومبول (17 عاما)، وهي فتاة بشتونية، قالت إنها تعرضت للاختطاف ونقلت إلى جلال آباد، ثم عرض عليها الاختيار بين الزواج ممن يعذبها أو التحول إلى انتحارية. وأضافت: «أخبرني بأنني إذا لم تقبلي الزواج بي سأضع قنبلة حول جسدك وأرسلك إلى مركز شرطة».
أما روشانا، وهي من الطاجيك وتبلغ حاليا 18 عاما، فلا تدري السبب وراء إقدام أهلها على التخلي عنها باسم تزويجها برجل يكبرها في العمر في باروان عندما كانت في الـ14 من عمرها. وتعرضت بعد الزواج لضرب مبرح، بل وحاول زوجها إطعامها سما للفئران.
في بعض الجوانب، الفتاتان المنتميتان إلى غور تعدان من بين العرائس الأطفال الأوفر حظا، فبعد تعرضهما للجلد، أعلن رجل الدين طلاقهما وأعادهما إلى أسرتيهما.
منذ عامين، في ضاحية مورهاب، تم بيع فتاتين باسم الزواج إلى نفس الأسرة وفرتا بعد تعرضهما لمعاملة سيئة، طبقا لتقرير صادر عن مفوضية حقوق الإنسان. إلا أنهما ضلتا طريقهما وتمت إعادتهما بالقوة. وبعد ذلك، اصطحبهما والداهما، كان أحدهما رجل الدين في القرية، إلى قمة جبل وقتلاهما.
* خدمة «نيويورك تايمز»