حملة شعبية واسعة في طرابلس لإنقاذ فرقة غنائية بلغت العالمية

«كورال الفيحاء» اللبناني يفضل الموت على الغناء تحت مظلة السياسيين

«كورال الفيحاء» أثناء أدائه في إحدى حفلاته
TT

حملة غير مسبوقة قام بها المجتمع المدني في طرابلس، دفاعا عن فرقته الغنائية الأثيرة «كورال الفيحاء» التابعة لبلدية المدينة، إثر تعليق تدريباتها وحفلاتها خلال الأسبوعين الماضيين، بسبب خلافات بينها وبين رئيس البلدية الجديد نادر غزال.

ورغم أن الخلاف بخطوطه العريضة تمت تسويته فإن البت النهائي بمصير الفرقة ينتظر أن يتم خلال الأسبوعين المقبلين، حيث تدرس البلدية صيغة جديدة للتعاطي معها، يخشى مناصروها أن لا تكون مناسبة، لإبقائها على قيد الحياة.

وفرقة «كورال الفيحاء» التي تعتمد على حناجر المؤدين فقط، ودون مصاحبة موسيقية غالب الأحيان، بات لها صيت عالمي بعد أن حصدت الجائزة الثانية في «مهرجان بولونيا» عام 2005 ونالت في «مهرجان وارسو»، أحد أهم مهرجانات الكورال في العالم، جائزتين دفعة واحدة عام 2007، أولاهما «جائزة أفضل فرقة في المهرجان»، وثانيتهما جائزة نالها قائدها باركيف تاسلاكيان كـ«أفضل مايسترو».

وصارت الفرقة جزءا من «الاتحاد الدولي لموسيقى الكورال»، كما تحظى بدعم شعبي وسياسي كبيرين، وتمثل لبنان فنيا في عواصم العالم.

وبعد الخلاف الذي نشب بين الفرقة ورئيس البلدية، تركت الفرقة مقرها في البلدية، وتوقفت تدريباتها، لتبدأ حملة شعبية وصحافية وتحركات سياسية غير معلنة لحل المشكلة. ونظم مناصرو الفرقة حملة على «فيس بوك» تحت عنوان «الحملة الأهلية للدفاع عن كورال الفيحاء» جمعت أكثر من 1600 شخص، خلال أربعة أيام، عبروا عن رفضهم التخلي عن فرقتهم التي باتت سفيرة للبنان حول العالم، وآخر ما تبقى لطرابلس لتفتخر به، بعد أن اتهمت بالإرهاب، وفقدت بسبب الإهمال موقعها على الخريطة السياحية اللبنانية. وقال أصحاب الحملة: «نرفض رفضا قاطعا، أي مساس بكورال الفيحاء ونطالب جميع المعنيين بهذا الموضوع وخصوصا رئيس وأعضاء بلدية طرابلس بالتحرك سريعا لإيقاف حملات التطفيش التي يتعرض لها الكورال والحفاظ على هذه الفرقة التي أصبحت ملكا لمدينة طرابلس، ولا يحق لأي كان التفريط بها، وأي خطوة من هذا القبيل ستقابل بحملات رفض واسعة من قبل المجتمع المدني في طرابلس». وأكد المتضامنون أثناء حديثنا معهم أن حملتهم لبنانية وليست طرابلسية، وأن جميع اللبنانيين معنيون بهذه الفرقة، وسينضمون لهم في حال تم شل حركتها، وأن «مجلس الوزراء سيكون مسؤولا أيضا، وعليه أن يتحمل مسؤوليته». وربما أن المتضامنين يتحدثون عن مجلس الوزراء لأن رئيس البلدية محسوب على رئيس الوزراء سعد الحريري.

وهذه الفرقة التي تضم عشرات الشبان والشابات، من مختلف الديانات والانتماءات السياسية، ولدت منذ ثماني سنوات واستطاعت أن تحقق إنجازات كبيرة وتلقى اعترافا دوليا، بفضل دعم اتحاد بلديات الفيحاء لها، وإعجاب السياسيين في طرابلس بأدائها على اختلاف انتماءاتهم. ويمول الفرقة إضافة إلى البلدية، مؤسسة الحريري، ومؤسسة ثقافية تابعة للرئيس نجيب ميقاتي كما «مؤسسة الصفدي» التابعة لوزير الاقتصاد والتجارة محمد الصفدي، ويكاد تمويل البلدية يقتصر على نحو 10 في المائة من حاجة الفرقة، وعلى دفع راتبين فقط أحدهما لقائد الفرقة تاسلكيان وآخر لمغنية الفرقة رولا أبو بكر، فيما يعمل باقي أعضاء الفرقة تطوعا. ومع ذلك فإن رئيس البلدية الجديد بحسب ما يروي بعض أعضاء الفرقة، وأثناء اجتماع له معهم، أخبرهم بأنهم عبء على البلدية ولو استطاعوا ترك البلدية إلى مكان آخر فإن ذلك سيكون أفضل، متهما إياهم بأنهم ينجرون وراء السياسيين. ورغم أن الفرقة تركت المكان إثر المضايقات التي تعرضت لها، وأوقفت تدريباتها، وتدريبات كورال الصغار، الذين يتم تحضيرهم للانضمام إلى الكبار بعد سنوات، إلا أنها رفضت عروض كل سياسيي المدينة الذين فتحوا مراكزهم مجانا لهم لإجراء تدريباتهم، مع عروض سخية لمساعدتهم واحتضانهم، وأصرت الفرقة على رفض العمل تحت أي غطاء سياسي، وأعلن أعضاؤها أنهم لن يقبلوا أن يكونوا تابعين لأي كان، وأنهم متمسكون بالغطاء البلدي الذي يمنحهم استقلاليتهم وحريتهم، وصفتهم، كفنانين حياديين. وإما أن يعملوا وفق هذه الظروف التي تضمن استقلاليتهم، أو سيتوقفون عن الغناء.

واعتبرت عضو المجلس البلدي فضيلة فتال، التي تحولت إلى وسيط بين الفرقة ورئيس البلدية في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «ما حدث هو سوء تفاهم بين الطرفين، بسبب تدخل أطراف مسيئة، وأن البلدية مداخليها قليلة، وعندها التزامات كثيرة، وليس الكورال وحده، ومع ذلك فإن رئيس البلدية داعم للكورال». ويبدو أن ضغطا سياسيا وشعبيا كبيرا تعرض له رئيس البلدية مما جعله يطلب من الفرقة العودة إلى مقرها، ومعاودة تدريباتها، واعدا باحتضانها.

وبعد ظهر يوم الجمعة الماضي، تجمع أعضاء الفرقة يساندهم الأهالي، في مقرهم الذي عادوا إليه، وحضر رئيس البلدية نادر غزال، وقال أمام الجميع: «صحيح أنني متدين لكنني أعشق الموسيقي، وللعلم فأنا عازف ترومبت، وأعتبر أن الموسيقى تصقل النفس وتهذب الأخلاق». ورأى رئيس البلدية أن المكان الذي تتدرب فيه الفرقة غير لائق بها، ويجب أن تنتقل إلى مكان يسمح لها بإنتاج أفضل، مضيفا: «لكننا حريصون على أن تكونوا معنا، وبرعايتنا. أرجو أن يكون هذا الكلام واضحا ونكمل معا إلى آخر الطريق لأنكم ترفعون رؤوسنا». وبعد أن استمع نادر غزال إلى غناء فرقة «كورال الفيحاء» عبر عن إعجابه بهم قائلا: «أنا كثيرا ما اقضي ليالي بيضاء، أستمع خلالها إلى الموسيقى الكلاسيكية، لكنني من الآن سأستمع إلى كورال الفيحاء».

ومع أن الفرقة رجعت لمقرها وتدريباتها، فإن المناصرين يقولون إن الأسبوعين المقبلين حاسمان، وكل مستقبل الفرقة سيتوقف على نوعية الاتفاق الذي ستعرضه البلدية عليها وما إن كان مناسبا لبقاء الفرقة على مستواها وقدراتها في تطوير نفسها، وإلا فإنها سيلزمها الانسحاب لأن ما يعطى لها غير كاف لتحقيق مشروعها.