متاحف الرباط لا أحد يزورها.. وكثيرون لم يسمعوا بها

تدهورت أوضاعها وتدنت مداخليها.. ولا زائر واحدا للمتحف الأركيولوجي في قلب العاصمة

على الرغم من كثرة المتاحف في الرباط فإنها مهجورة ولا تحظى بالاهتمام، ويكاد ينعدم زوار هذه المتاحف من المغاربة (أ.ب)
TT

على الرغم من أن الرباط التصقت بها صفة «العاصمة الإدارية للمغرب»، حيث يوجد بها البرلمان والوزارات والمجلس الأعلى للقضاء ورئاسة معظم المؤسسات الحكومية والسفارات، وذلك على غرار كل عواصم العالم، فإن الرباط يوجد بها أيضا أكبر عدد من المتاحف والآثار التاريخية التي تدل على عراقة المدينة.

وعلى الرغم من كثرة المتاحف فإنها مهجورة ولا تحظى بالاهتمام، ويكاد ينعدم زوار هذه المتاحف من المغاربة، سواء كانوا من سكان العاصمة، أو من المدن الأخرى، الذين عادة ما يتنقلون إلى الرباط لقضاء بعض الأمور الإدارية. وباستثناء زيارات السياح الأجانب، أو بعض الزيارات التي تنظمها المؤسسات التعليمية لطلابها بين الفينة والأخرى، لا أحد يتذكر أن هناك متاحف في الرباط.

في قلب العاصمة وعلى مقربة من المقر الرئيسي للإذاعة والتلفزيون يقع «المتحف الأركيولوجي». متحف لا توحي بنايته المتواضعة الشبيهة بمباني الإدارات الحكومية، بأن خلف جدرانه توجد حفريات وشواهد تاريخية وتحف معروضة لجمهور لا يأتي. أثناء زيارتنا المتحف لم نصادف أي زائر، فطرحنا السؤال على موظفة تعمل في المتحف حول موضوع ندرة الزيارات، لكنها تحفظت عن ذكر أي معطيات وإحصائيات، وقالت إن الجهة التي يمكن أن تجيب عن هذا السؤال هي وزارة الثقافة باعتبارها الجهة الحكومية المشرفة على المتاحف. بيد أنه كان من الواضح أن هذا المتحف لا يعرف إقبالا، وهناك كثيرون في الرباط لم يسمعوا حتى بوجوده.

ويحتوي «المتحف الأركيولوجي» في الرباط الذي تأسس في ثلاثينات القرن الماضي، على جناح مخصص لحضارات ما قبل التاريخ (العصر الحجري، والفترة الأشولية، والعصر الحجري الوسيط، والعصر الحجري النيوليتي) وتشهد على هذه الحقبة التاريخية أحجار وعظام وقطع معدنية وأوان خزفية. يضم هذا الرواق هياكل عظمية للإنسان القديم وآثار تبرز جانبا من تصورات ومعتقدات الإنسان القديم. ويضم المتحف أيضا مجموعة من التحف النفيسة تبين عن غنى وتنوع الحضارة المغربية من خلال آثار الحضارة الفينيقية والرومانية والمورية والبونية، وأيضا من خلال مجموعة من المصنوعات من الذهب والزجاج والبرونز والزجاج والخزف.

وفي بهو المتحف ينتصب شامخا تمثال رخامي للملك الموري بطليموس وعلى يساره تحف برونزية ونقش بأحرف تيفيناغ (الأمازيغي) وجزء من فسيفساء لقبة حمام روماني. كما توجد في المتحف مجموعة من التماثيل الرخامية الرومانية من قبيل رأس الإلهة جينون، ورأس شاب أمازيغي، وفينوس العفيفة، وتماثيل نسوية بلباس روماني.

الجولة في أروقة المتحف، رغم ضيق مساحته، تطول زمنا كلما انتقلت من رواق إلى آخر، وكأنه انتقال من زمن إلى آخر، حيث تمتد أمام الأعين معروضات عسكرية من أسلحة وأوسمة عسكرية وأدوات الزينة والكثير من الاتفاقيات السياسية والقوانين والرسائل ومن أبرز التحف رأس الملك جوبا الثاني.

الطابق العلوي للمتحف خصص للحضارة المغربية الإسلامية انطلاقا من الفترة الإدريسية، وهي تتشكل من مسكوكات نقدية وأدوات خزفية وزجاجية وأيضا شواهد قبور إسلامية. رغم كل هذه الكنوز الحضارية، فإن المتحف يبدو وكأنه مكان مهجور. والمفارقة أن المتحف الأركيولوجي في الرباط الذي يتبع إداريا مديرية التراث في وزارة الثقافة يفتح أبوابه مجانا كل جمعة، في حين أن قيمة التذكرة في الأيام العادية لا تتعدي 10 دراهم مغربية، أي أقل من دولار.

ليس بعيدا عن المتحف الأركيولوجي يوجد متحف شالة، وهو متحف بكل ما تحمله الكلمة من معنى. متحف في الهواء الطلق يمزج بين الحضارة المغربية، وبخاصة العهد المريني، والحضارة الرومانية. متحف شالة يتبع بدوره مديرية التراث في وزارة الثقافة، وبطاقة الدخول على غرار المتحف الأركيولوجي 10 دراهم، حيث اعتمدت وزارة الثقافة سعر دخول موحد، لزيارة جميع المواقع والمتاحف التابعة لها. وعلى الرغم من هذا السعر المنخفض لتشجيع زيارة المتاحف، فإن زوار متحف شالة من الأجانب أكثر عددا من المغاربة. في متحف شالة يقترب الزائر أكثر من الحضارة الرومانية، بقايا أماكن العبادة، ومحال تجارية، والساحات العامة، ومجلس الاستشارة، وغير ذلك من حضارات سادت وبادت. وفي جانب آخر من المتحف توجد قبور المرينيين والمدرسة القرآنية التي أسسها أبو عنان المريني، وأحواض مائية، والحمام المريني القديم.

كل متاحف الرباط تابعة لوزارة الثقافة وعائدات الدخول - على قلتها - تذهب إلى صندوق دعم العمل الثقافي الذي تشرف عليه الوزارة. وهذه المتاحف تعرف إهمالا، حيث لم يتم الرقي بهذه المآثر والمتاحف إلى مستوى نظيرتها في الدول الأوروبية أو أميركا، التي تعتبر المتاحف ملكا مشتركا يفرض الاهتمام والاحترام وتخصص له ميزانيات ضخمة.

وكانت وزارة الثقافة أطلقت في عهد الوزير الأسبق، محمد الأشعري، مبادرة تأسيس متحف وطني يحترم المواصفات الدولية، ورصدت له اعتمادات مالية ضخمة، من أجل نقل محتويات المتحف الأركيولوجي إلى البناية الجديدة التي ذكر أنها ستكون «معلمة ثقافية وصرحا فنيا» في العاصمة، الرباط، بيد أن المشروع تعثر حتى الآن وتوقف البناء، على الرغم من تعاقب وزيرين على قطاع الثقافة.

وكانت وزارة الثقافة تقدمت بمشروع قانون لإنشاء مؤسسة مستقلة تتولى الإشراف على المتاحف في المغرب، بعد أن تدهورت أوضاع هذه المتاحف وتدنت مداخليها، مما اضطرها لتلقي دعم مالي من صناديق الدعم والمجالس المحلية.

وخارج دائرة المتاحف التابعة لوزارة الثقافة، توجد في الرباط الكثير من المتاحف المملوكة للعائلات أو مؤسسات حكومية أو خاصة. وفي هذا السياق يوجد متحف النقود التابع لبنك المغرب (البنك المركزي) ويقع المتحف في شارع محمد الخامس وهو واحد من أكبر وأشهر شوارع العاصمة المغربية. يمتد المتحف على مساحة ألفي متر مربع، ويشتمل ثلاثة أقسام، الأول لتاريخ النقود والثاني لمهن البنك أما الثالث فعلى شكل رواق فني. ويتوفر في المتحف 1200 من القطع النقدية والأوراق البنكية تعكس حضارات اليونان، وقرطاج، وروما، والشرق والغرب الإسلاميين. ويتم التعريف بمهام عمل البنك عبر معروضات على حائط زجاجي يبلغ 30 مترا. متحف النقود التابع لبنك المغرب، مفتوح للزوار في جميع أيام الأسبوع باستثناء الاثنين، وحددت تعريفة تذكرة الزيارة بـ20 درهما، أي أزيد قليلا من دولارين.