أميركا: ارتفاع الواردات يعزز المخاوف بعودة أنماط مرتبطة بالأزمة الاقتصادية الأخيرة

قد يقوض جهود أوباما الرامية إلى إعادة تحفيز نمو الوظائف

أوباما إلى جانب وزير الخزانة تيموثي غايثنر (يسار) ورئيس الاحتياطي الفيدرالي بن برنانكي (رويترز)
TT

قد تؤدي عودة زيادة الطلب بين الأميركيين على الواردات إلى تقويض جهود إدارة أوباما الرامية إلى إعادة تحفيز نمو الوظائف، حيث يقلل ارتفاع المشتريات من الخارج من جانب الشركات والأسر الأميركية فوائد ارتفاع المبيعات الأميركية في الخارج.

كما أن الارتفاع الحاد في العجز التجاري الشهري خلال شهر مايو (أيار)، الذي سببه ارتفاع الواردات من الصين، عزز المخاوف بشأن عودة ظهور أنماط مرتبطة بالأزمة الاقتصادية الأخيرة.

وبالنظر إليها بمفردها، انتعشت الصادرات الأميركية بصورة كبيرة منذ انخفاضات فترة الركود، حيث ارتفعت بنحو 63 مليار دولار خلال شهر مايو بالمقارنة بالفترة نفسها قبل عام، وخلق ذلك نظريا 350 ألف وظيفة جديدة أو أكثر، وفقا للافتراضات الاقتصادية لإدارة أوباما.

بيد أن نمو التوظيف على مدار العام الماضي ظل ثابتا نسبيا، ويشير الخبراء إلى أن العجز التجاري المتزايد أثناء الفترة نفسها قد يعادل أي تعزيز يحدث في الوظائف.

وتبين البيانات الجديدة الصادرة يوم الثلاثاء هذه الديناميكية في العمل. ارتفعت الصادرات في شهر مايو بنسبة صحية تصل إلى 2.3 في المائة بالمقارنة بشهر أبريل (نيسان)، حيث إن الشركات الأميركية باعت مجموعة كبيرة من السلع بمليارات الدولارات، تتراوح بين المعدات الثقيلة إلى الكيماويات والذرة. إلا أن الواردات ارتفعت بنسبة أكبر، مما قاد إلى ارتفاع العجز التجاري الشهري إلى 42.3 مليار دولار.

وعلى الرغم من أن قيمة بند واحد رئيسي في الواردات، وهو النفط، انخفض في شهر مايو (أيار)، فإن مشتريات السلع الاستهلاكية والمعدات الرأسمالية وغيرها من المنتجات رفعت احتمالية استمرار الدين الأميركي في دعم الاقتصاد العالمي، وهو اختلال التوازن الذي قال الكثيرون إنه أحد أسباب الأزمة الأخيرة، والأمر الذي قالت السلطات الاقتصادية في جميع أنحاء العالم إنها تحتاج إلى تغييره.

وقال سي فريد بيرغستن، رئيس معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، إن العجز التجاري «أحد أسباب انخفاض الوظائف، حيث إنه يجعل من الصعوبة استعادة التوظيف بالكامل... ولا أحد يعرف ما النقطة التي قد يصل عندها إلى مستوى الأزمة».

وتشير البيانات الأخيرة إلى الأزمة التي تواجهها إدارة بنت استراتيجية خلق الوظائف لديها على حدوث انتعاش في الصادرات - حيث تشير تقديرات البيت الأبيض إلى أن ارتفاع المبيعات في الخارج بواقع مليار دولار يضيف نحو 6000 وظيفة - لكن ليس لديها الكثير من الأدوات المتوافرة أمامها لمنع حدوث ارتفاع مقابل في الواردات، وينقصها سياسات من المحتمل أن يُطلق عليها سياسات حمائية، أو اتخاذ خطوات حساسة من الناحية الدبلوماسية مثل خوض معركة مع الصين بشأن سياسات العملة لديها.

لا يعد أي ارتفاع في الواردات في حد ذاته أمرا سيئا، حيث يستفيد المستهلكون من الأسعار المنخفضة، وتستورد الشركات معدات متخصصة أو تدفع أقل مقابل الحصول على سلع لازمة لصناعة منتجات أخرى، ويعد ارتفاع النمو في العالم مفيدا بالنسبة إلى الشركات الأميركية. بيد أن العجز التجاري الكبير والمتنامي لا يعتبرا أمرا مستداما، وهناك اتفاق واسع بين رؤساء الاقتصادات الرئيسية في العالم والمنظمات الدولية، بما فيها صندوق النقد الدولي، على أن هناك حاجة إلى تغيير أنماط التجارة العالمية، بحيث تستهلك الدول التي لديها فوائض كبيرة، بما في ذلك الصين وألمانيا، بصورة أكبر، وبحيث تستطيع الدول التي تعاني عجزا ضخما ضبط الأرصدة الوطنية لديها.

ولا يزال العجز التجاري الشهري في الولايات المتحدة أدنى بصورة كبيرة من الذروة التاريخية التي وصل إليها أثناء الفترة التي سبقت الأزمة المالية، عندما ارتفع إلى 60 مليار دولار. لكن توسعه المطرد أثناء الانتعاش الاقتصادي يعني أن الولايات المتحدة قد لا تكون متجهة إلى النمط المأمول للوصول إلى معدل أعلى في المدخرات الوطنية وإرسال ثروات أقل إلى الخارج.

وقال محللون إن العجز التجاري الأكبر من المحتمل أن يقلل نحو نصف نقطة مئوية أو أكثر من تقديراتهم للنمو الاقتصادي الأميركي، وهي نسبة كبيرة في الوقت الذي يُعتقد أن تكون فيه وتيرة الانتعاش الاقتصادي في البلاد معتدلة.

وكتب ستورات هوفمان، كبير الخبراء الاقتصاديين في مصرف «بي إن سي»، في أحد الأبحاث: «إن اتساع العجز التجاري يضع ضغوطا على (الناتج الإجمالي المحلي) الأميركي عندما يكون أكثر ضعفا. ويعني انخفاض الإنتاج المحلي، بسبب زيادة الواردات وقلة الطلب على الصادرات الأميركية الأعلى سعرا، انخفاضا في توفير الوظائف في قطاع التصنيع، ومعدلات بطالة أعلى، وانخفاضا في نمو الدخل على المستوى المحلي».

ولم تستجب إدارة أوباما للطلب للحصول على تعليق على هذا الأمر.

واستخدمت مجموعات الأعمال هذه البيانات لإعطاء دفعة جديدة لمفاوضات التجارة الحرة المتوقفة، والزعم بأنه قد لا يكون هناك مفر من وقوع ارتفاع مستمر في الواردات، والوسيلة الوحيدة لمكافحته هو السعي إلى فتح أسواق جديدة للسلع الأميركية.

وقال فرانكلين فارغو، نائب رئيس الرابطة الوطنية للمصنعين للشؤون الاقتصادية الدولية، «لقد عملت الولايات المتحدة بجدية من أجل بناء نظام تجاري قائم على القواعد، وإذا كان لنا أن نقول إننا نحتاج إلى تغييره في أماكن مختلفة، فسيفعل باقي العالم الشيء نفسه وسيتفكك هذا النظام».

وقال آخرون إن ذلك ينبغي أن يحث أوباما على توسيع نطاق تركيزه من كونه على الصادرات وحدها ليشمل إما السياسات التي تعوق ارتفاع الواردات أو اتخاذ موقف أكثر شدة بشأن قضايا مثل إدارة الصين لقيمة عملتها.

وينظر إلى اليوان الصيني على أنه عملة مقيمة بأقل من قيمتها، وفي حين أن حكومة بكين قالت في الآونة الأخيرة إنها ستطلق العنان لعملتها في الارتفاع - مما يجعل سلعها أعلى سعرا في الأسواق العالمية - فإن الزيادة ليس من المتوقع أن تحدث سريعا، أو يكون لها تأثير على المدى القصير على تدفق التجارة.

وقال سكوت بول، المدير التنفيذي للتحالف الأميركي للتصنيع، «لا يعد اتساع العجز التجاري اتجاها مقلقا فحسب، لكنه يمثل اتجاه الثروة والوظائف إلى الخارج».

وهذا التحالف عبارة عن جماعة تجارية وعمالية أيدت اتخاذ موقف أكثر شدة بشأن العملة الصينية واستخدام الإعفاءات الضريبية وغيرها من السياسات من أجل تشجيع الاستعاضة بالمنتجات المصنعة في الولايات المتحدة عن الواردات.

ولم تستجب إدارة أوباما للتعليق في هذا الصدد.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»