المأزق العربي رياضيا

محمود تراوري

TT

فوجئ والد الطفل «منصور» بمدرس ابنه وهو يؤكد له أنه يركز على وضع قدميه، وحركتهما وتعليمه وزملائه في الصف الأول الابتدائي المشية الصحية والصحيحة أولا.

مدرس التربية «البدنية» هذا - وهو بالمناسبة في مدرسة خاصة - يعيد للذاكرة قصة أحد اللاعبين الذين قيل إبان فترة إعداد المنتخب السعودي لخوض أول ظهور له في نهائيات كاس العالم بأميركا 1994م، إن مدربه حينها الهولندي ليوبنهاكر الذي لم يكمل مشواره مع المنتخب، طالبه بتصحيح مشيته ناعتا إياه بأن مشيته خاطئة. مما أدخل ذلك اللاعب في حالة اكتئاب حاد لم يخرجه منها إلا استبعاد ليوبنهاكر ومجيء الأرجنتيني سولاري بديلا.

تأملوا جيدا، لاعب كان في مصاف نجوم الكرة السعودية الكبار وقتها، وعلى وشك الظهور في أهم محفل كروي يصفه المدرب بأنه يستخدم قدميه بشكل خاطئ.

ماذا يعني هذا؟ وما علاقته بالطفل منصور طالب الصف الأول الابتدائي الذي يخضعه معلم التربية البدنية لتعلم المشي الصحيح؟

في محاولة للإجابة على هذا السؤال، دعونا نسترجع أحداث النهائي الأخير لكأس العالم 2010، إذ لوحظ في المباراة خاصة في شوطها الأول أداء عنيفا من قبل طرفي اللقاء، مما اضطر الحكم لإشهار بطاقات الإنذار كثيرا، ولكن رصد في الوقت ذاته أن كل اللاعبين سرعان ما ينهضون، ولم يتسبب العنف في إخراجهم مصابين، وهذا يرجع ببساطة - في تقديري - للإعداد البدني السليم.

ذلك الإعداد الذي يبدأ مبكرا، والذي يؤسس لثقافة تفادي الإصابة، وسلامة التحرك والقفز والارتقاء والارتماء والالتحام، بصورة تشعرك بأن كل حركة كانت تنفذ بشكل صحيح، لذلك قلت الإصابات رغم قوة الأداء وضراوة الالتحام. مما يشير نهاية إلى أن هناك تربية بدنية خضع لها اللاعب مبكرا، وهذا ما يفتقده اللاعب العربي، إذ السائد أنه لا يخضع للتدريب على أيدي الخبراء إلا بعد اكتمال نموه البدني، وتكون عضلاته، ولا يتبقى له في الملاعب سوى الأداء الفطري أو ما نطلق عليه «الموهبة» وهذه واحدة من أهم معضلات تأخرنا رياضيا عن الآخرين.

نطلق في تعليمنا «مادة التربية البدنية» لكننا في الممارسة والتطبيق نفرغها من محتواها، لتبقى مجرد حصة ترفيهية/ ثانوية بلا منهج أو إعداد فينشأ ناشئ الفتيان منا، بشكل غير سليم. واحد من أكبر مآزق الرياضة عندنا الذي يضاف لمآزق جمة، ضعف البنية الجسدية، وعدم نموها وفقا لمنهج صحي وعلمي يضمن لها أداء صحيحا داخل الميادين الرياضية. هو درس من عشرات الدروس التي تجلت أمامنا في كأس العالم. وما أكثر الدروس التي تعبرنا ودوما تتركنا «مكانك راوح» لأن «الخرق اتسع على الراقع» أو لأن الأمم لا تفتأ تتآمر علينا!