العجز المالي وشح التبرعات يغلقان أول مكاتب هيئة «الإعجاز العلمي»

مديرة الفرع تخص «الشرق الأوسط» بالتفاصيل.. وتقول لم نستطع سداد الإيجار.. وخاطبنا 24 تاجرا في المنطقة دون فائدة

صورة لمبنى المقر الذي تم إخلاؤه بعد ارتفاع قيمة الإيجار وشح التبرعات
TT

في قرار «مفاجئ» جاء نتيجة العجز المالي وشح التبرعات، أعلن المكتب النسائي للهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة بالمنطقة الشرقية إغلاق الفرع وإخلاء المقر، وذلك عبر رسالة نصية تم إرسالها لمئات المشتركين في جوال الهيئة قبل نحو يومين، ليكون بذلك أول مكتب ينسحب من خارطة مكاتب الهيئة التابعة لرابطة العالم الإسلامي، والمنتشرة في 8 مناطق سعودية.

وتنفرد «الشرق الأوسط» بتفاصيل الحكاية، التي سردتها مديرة الفرع النسائي لهيئة الإعجاز بالمنطقة الشرقية، فريال العومي، قائلة «من العام الماضي ونحن نتحدث عن غياب الدعم المالي للجنة ولم نجد أي تفاعل، فاهتمام كثير من التجار موجه لدعم الفقراء فقط، رغم أن الدفع للجنة هو أيضا من الزكاة»، موضحة أن المكتب النسائي الذي تم افتتاحه عام 1425هـ، أي قبل 6 سنوات، لم تظهر بوادر أزمته المالية بوضوح إلا في آخر سنتين. وتضيف «شاركنا في المعارض العلمية بأكثر من جهة، وكانت الأغراض التي نشترك بها تعود لنا تالفة، فكيف نوفر عملية الصيانة؟ هذه الأنشطة العلمية كيف لها أن تستمر؟»، وتتابع «مع بداية التأسيس كانت هناك خطوات لإرساء قواعد اللجنة، فتجهز المقر بالكامل، كقاعات المحاضرات والتدريب والشبكة السمعية وغرفة مخصصة للمحاضرين على مستوى رائع، لدرجة أن كثيرا من الناس يتساءلون: هل يعقل أنكم محتاجون للدعم؟!».

وتواصل حديثها «جلسنا سنتين ونصف السنة ونحن نجهز المقر، وفي نفس هذه الفترة كنا نخاطب التجار كي يشتروا المقر كوقف يشتركون فيه، وكنا نحتاج فقط إلى 24 تاجرا كل واحد منهم يدفع 50 ألف ريال، لأن قيمة المقر كانت مليونا و200 ألف ريال، لكن للأسف لم يتجاوب إلا اثنان منهم فقط»، وتضيف «بعدها بدأت العقارات ترتفع ووصلت قيمة المقر إلى مليون و400 ألف ريال».

وتوضح العومي أنها خلال تلك الفترة كانت قد وضعت خطة خماسية استراتيجية للعمل، وصفت سيرها بـ«الممتاز» خلال السنتين والنصف الأولى، وتتابع «بدأنا انطلاقة المشاريع الدعوية العلمية، وأصدرنا سلسلة البراعم العلمية وهي أول إصدار كان مع إدارة الموهوبات بالمنطقة، وأقمنا مهرجان (نكهة زمان) كأول مهرجان تراثي علمي على مستوى المملكة، وفي هذه الفترة بدأنا في الخطة الثانية، وفعلا جهزناها بشكل كامل»، لكن هذه الخطة اصطدمت بشح الموارد المالية.

وعن دور الإدارة العليا في الهيئة من ذلك، تقول العومي «نحن جهة علمية تابعة لرابطة العالم الإسلامي، والناس تسألنا: بما أنكم تابعون للرابطة فلماذا لا يدعمونكم؟»، وهنا توضح أن نظام الرابطة لا يدعم الفروع بل يدعم الأمانات العامة، والأمانة نظامها يقوم على فكرة أن كل فرع (مقر) يجهز نفسه بنفسه، قائلة «يفترض أننا عندما أقمنا المكان بالشرقية أن تجار الشرقية هم الذين يتولونه».

وعودة لتفاصيل الأزمة المالية، بينت العومي أن المقر السابق الواقع في حي النزهة بمدينة الدمام كان إيجاره السنوي 80 ألف ريال، وبمساحة 700 متر مربع تقريبا، موضحة أن هذه السنة كانت المفاجأة بحلول موعد استحقاق الإيجار دون توفر أي موارد مالية للسداد، وأفادت بأنهن حاولن مخاطبة الكثيرين للمساعدة دون فائدة. مضيفة «لو أنني قلت الأسماء التي خاطبناها قد لا يصدق الكثيرون، وللأسف كل الردود اعتذارات».

وبسؤالها عن المكتب الرجالي للهيئة بالمنطقة الشرقية وموقعه من هذا كله، أوضحت أن المكتب النسائي مستقل إداريا وماليا بالكامل عن عمل مكتب الرجال الذي لم يتم افتتاحه إلا بعد 3 سنوات من إنشاء الفرع النسائي، في حين أشارت إلى أن المقر النسائي ظل في أشهره الأخيرة من دون حارس ولا حتى مستخدمة للتنظيف، لعدم القدرة على دفع الرواتب، قائلة «كنا نتعامل مع سيارات الأجرة».

وتناولت مديرة الفرع النسائي لهيئة الإعجاز بالمنطقة الشرقية أزمة توفير المواصلات، مؤكدة أن كثيرا من الفتيات انسحبن من العمل بسبب ذلك، وهو ما دفعهن لمخاطبة رجال الأعمال، قائلة «كنا نقول لهم نريد سيارة بالتقسيط، بحيث أننا كل شهر ندفع 1000 ريال، فقالوا ادفعوا دفعة أولى عالية، فقلت لو أن لدينا قيمة الدفعة لما طلبنا منكم، فتبرع بعض الناس بإعطائنا نصف المبلغ، وهنا طلبنا المساعدة بالنصف الآخر، لكن اعتذروا، موضحين أنه عند تأخير الدفع سيرتفع سعر التقسيط، لذلك ألغينا الفكرة وفقدنا بعض البنات». وبسؤالها عن أوضاع العاملات حاليا في المكتب بعد قرار الإغلاق، أفادت العومي بأن اللجنة النسائية بالمنطقة تضم موظفة واحدة متفرغة و8 فتيات من فريق «شواهد» التابع للهيئة، اللاتي انتسبن قبل نحو 7 أشهر، مؤكدة أنها خيرت الفتيات بين 3 أمور، إما الاستمرار وتحمل الوضع مع تقبل فكرة أن القادم أصعب، وإما أن تقف الفتاة عن العمل وإذا تم إيجاد مقر تكمل الفترة السابقة وتحسب لها كاملة، أو أن تنسحب مع إعطائها شهادة شكر وتقدير على الفترة السابقة.

مضيفة «البنات كلهن اخترن الاختيار الأول»، على الرغم من أن مسماهن الوظيفي «موظفات تحت التدريب» حيث لا يتسلمن المكافأة سوى مرتين في العام (فترة الأعياد) على أن تأخذ المتدربة شهادة خبرة بعد مرور سنة، وتابعت «فكرة شواهد كنت أريد من خلالها أن أثبت للناس أن الفتاة السعودية خير شاهد على إثبات جدارتها وإخلاصها في العمل»، مؤكدة أن الفتيات تكفلن أيضا بعملية الجرد التي استمرت لشهر كامل.

وعن المبلغ الذي يحتاجه المكتب النسوي للعودة، تقول «وجدنا بيتا بمليون و450 ريالا، صحيح أنه صغير الحجم لكن الأهم بالنسبة لنا هو الوجود الرسمي والموقع المناسب، فنحن لجنة نسائية تخدم الأسرة على مستوى المنطقة الشرقية ولدينا أفكار ومشاريع رائعة، نحتاج لإنجازها؛ توفير قاعة للبرامج والمحاضرات وقاعة إدارية وقاعة تنقسم لقسمين: مكتبة علمية، ومتحف علمي»، مؤكدة أنه حال توفير قرابة المليون والـ800 ألف ريال للمكتب فسيعود كما السابق وأفضل.

وحول واقعهن اليوم، تؤكد العومي أن عمل الفرع النسوي سيبقى مستمرا وما زال لديه كثير من الأنشطة والفعاليات بحيث أن التواصل بين المنسوبات سيكون عبر الإنترنت واللقاءات المنزلية، بعد ترقيم وترتيب العهد الخاصة أثناء عملية الجرد، وعلى الرغم من فقد الكثير من الأجهزة والمعدات والأثاث التي تقول العومي إنها «بيعت بتراب الفلوس» بعد أن تم شراؤها سابقا على مراحل.

وناشدت العومي عبر «الشرق الأوسط» رجال أعمال المنطقة الشرقية للعمل على إعادة الحياة للمكتب النسوي من جديد، قائلة «كل فرد في المنطقة الشرقية يتحمل مسؤولية وأمانة هذه اللجنة»، مؤكدة أن عاملات الهيئة أثبتن كفاءتهن بشهادة نساء المنطقة خلال الفترة السابقة، بقولها «نحن لم نفشل في الفترة الأولى، ولا أقبل هذا المصطلح، لأننا حققنا إنجازا كبيرا جدا، وما زلنا مستمرين في العمل من بيوتنا».